عناصر الخطبة
1/ عمل الجوارح وفق محبوب الله 2/ تعلق القلب بأعمال الخير 3/ تمني الخير والعمل على فعل ذلك 4/ الشوق إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم 5/ التألم لألم المسلمين 6/ كراهة المنكراهداف الخطبة
اقتباس
البعض منا يغفل أحيانا عن عبودية القلب ويقصر عبوديته لربه بعمل الجوارح مع أن عبودية القلب هي الأصل وعبودية الجوارح تبعا لها فمن أعمال القلوب الواجبة المتفق على وجوبها الإخلاص لله في الأعمال والتوكل عليه ومحبته والإنابة إليه والخوف منه ورجاؤه والتصديق بوعده ووعيده والرضاء به ربا..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70ـ71] أما بعد:
شرفنا ربنا عز وجل بأن نكون عبادا له في هذه الحياة فلا ننقاد لغيره من الخلق وطاعة المخلوقين الواجبة هي تبع لطاعته لإمره بها وعبوديتنا لربنا منقسمة على القلب والجوارح وعلى كل منها عبودية تخصه
إخوتي: البعض منا يغفل أحيانا عن عبودية القلب ويقصر عبوديته لربه بعمل الجوارح مع أن عبودية القلب هي الأصل وعبودية الجوارح تبعا لها فمن أعمال القلوب الواجبة المتفق على وجوبها الإخلاص لله في الأعمال والتوكل عليه ومحبته والإنابة إليه والخوف منه ورجاؤه والتصديق بوعده ووعيده والرضاء به ربا.
من علامات تحقيق القلب: عبوديته لله أن تعمل الجوارح وفق محبوب الله وإن خالف هواها فمثلا حينما يدخل الداخل للمسجد ربما تدعوه نفسه إلى البحث عن مكان أكثر برودة في الصيف أو أكثر دفء في الشتاء أو يبحث عن مايستند عليه أو يبحث عن الأقرب للبيت فيكون أيسر في الخروج وإن خالف ذلك المكان الفاضل في المسجد فيختار المكان المفضول على الفاضل وهذا قصور في كمال عبودية القلب لله أما من انقاد قلبه لعبودية ربه فيختار ميمنة الصف الأول تعبدا لله وتقديما لمحاب الله ومحاب رسوله على هوى النفس فيصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" رواه البخاري ومسلم.
إخوتي: من عبودية القلب: تعلق القلب بأعمال الخير وإن فارقها فنفسه تهفو إلى الطاعة فإذا انقضى شهر رمضان تقات نفسه لعودة هذا الشهر ليتقرب إلى ربه بالأعمال الصالحة فيه وإذا أدى العمرة تحين أقرب فرصة للعودة لزيارة البيت العتيق وإذا انتهى موسم الحج وطن نفسه أنه يحج مرة ثانية وإذا انقضت صلاة تحين الصلاة التالية وعينه على ساعته كم بقى من الوقت على الصلاة التالية وهكذا فقلبه دائما في عبادة ربه وإن كان بدنه خارج هذه العبادة ففي حديث أبي هريرة في السبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رجل قلبه معلق في المساجد " رواه البخاري ومسلم.
من عبودية القلب: تمنى الخير والعمل على فعل ذلك وبذل السبب في تحقيق ذلك فحين ترى النفس من يبذل في سبيل الخير يصرف ماله في وجوه الخير على الفقراء والمحتاجين تقول تلك النفس الصادقة التي لا تجد المال لو أن لي مالا لعملت مثله فهما في الأجر سواء. تتمنى تلك النفوس الزكية لو بنت مسجداً منافسة للآخرين على أبواب الخير تتمنى لو بذلت مهجتها في سبيل الله تتمنى لو نفعت المسلمين بالعلم النافع والدعوة في سبيل الله فحينما تصدق النفس مع ربها عز وجل ويعلم منها أنه لو يسر لها أبواب الخير لأنفقت وبذلت.
فمع الصدق وتمني الخير أنالها ربها أجر العامل سواء بسواء بنيتها وإن كانت لم تعمل بجوارحها فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: "إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر" رواه البخاري. فلم يجدوا ظهرا يركبونه (وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) [التوبة:92] وعن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه" رواه مسلم. فنية المؤمن خير من عمله فبالنية الحسنة وتوطين النفس على فعل الخير متى ما قدر عليه يحصل الثواب والأجر به ما لا يحصل بعمل الجوارح.
من أعمال القلوب: الشوق إلى لقاء النبي حين تذكره وحينما تذكر سيرته وتمني صحبته وإدراكِ الشرفِ بصحبته وبذل الغالي لحصول ذلك لو أمكن وتمني صحبة أصحابه فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله " رواه مسلم.
من أعمال القلوب: الهم الذي يحمله البعض لإخوانه المسلمين والحزن الذي يهجم على قلبه بسبب ما يصيب إخوانه المسلمين من نكبات وتسلط الأعداء عليهم واستلائهم عليهم وكذلك حزنه على أحبابه وجيرانه حينما يرى عليهم التقصير في حق خالقهم من فعل للمنهيات أو ترك للواجبات مع بذله الوسع في محاولة تقويمهم وردهم لجادة الصواب فهذا الحزن يوجر عليه فيكفر به عن سيئاته.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حُزْن ولا أذى ولا غم حتى الشوكةِ يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" رواه البخاري.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: من أعمال القلوب: كراهة المنكر بالقلب حتى على من هو متلبس بالمنكر فإنكار المنكر بالقلب فرض عين على كل مسلم أما تغييره باليد واللسان فهو من فروض الكفايات مع القدرة على ذلك وقد بين النبي أنه ليس هناك مرتبة أخرى في إنكار المنكر تلي إنكار القلب فعن أبي سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
من أعمال القلوب: محبة المسلمين وتمني الخير لهم وكراهة حصول المكروه لهم كما نكرهه لأنفسنا فليس بمؤمن من لا يحب لإخوانه المسلمين من الخير ما يحب لنفسه ويكره لهم من الشر ما يكرهه لنفسه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه" رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
من أعمال القلوب: تطهير القلب تجاه إخواننا المسلمين فلا غل ولاحقد ولا حسد لأحد من المسلمين وقد امتدح الله الأنصار وأثنى عليهم بمحبتهم لإخوانهم المهاجرين وعدم حقدهم على المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب فقد اختصهم الله بشرف الهجرة وببعض الأموال التي لهم دون إخوانهم الأنصار وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها امتدحهم بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
إخوتي: فكما أنَّ من أعظم أعمال الخير أعمال القلوب فكذلك أعمال القلوب هي الأخطر وهي من أعظم أسباب هلاك صاحبها فالنفاق والرياء والشرك التي بها الخلود بالنار هي من أعمال القلوب.
عباد الله: إعلموا أن من وطن نفسه على معصية الله وبذل وسعه في طلب هذه المعصية فحكمه حكم من فعل المعصية سواء بسواء ولولم يفعلها فلم يمنعه من المعصية إلا العجز عنها وقد بذل وسعه في طلبها ولو قدر عليها لارتكبها فعن أبي بكرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" رواه البخاري ومسلم.
إخوتي: يأمرنا ربنا تعالى بقوله: (وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) [الأنعام:120] فيأمرنا بترك الذنوب التي نجترحها بجوارحنا وبترك باطن الإثم وهي المعاصي التي من أعمال القلوب فلنمتثل أمر ربنا ولنقل سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ولنبذل الوسع في إيقاع عبودية الجوارح وعبودية القلوب على الوجه المحبوب لربنا المرضي له.
التعليقات