عناصر الخطبة
1/التحذير من ظلم الموظفين وبعض صور ظلمهم 2/تحذير المدراء من ظلم الموظفين 3/بعض أسبابِ الظلمِ الواقعِ على الموظفين

اقتباس

كَمْ قَتلَ مِنْ طُموحٍ؟ وكَم أَدمى من جُروحٍ؟ وكَمْ حَطَّمَ من أَملٍ؟ وكَمْ قَادَ إلى الزَّللِ بِسَببِهِ تَضيعُ المواهبُ، وتُمحقُ المَكاسبُ، إذا حَلَّ في مَكانٍ، غَابَ الأمانُ، وانتشرتِ الأَحزانُ، وغَضِبَ الرَّحمانُ؟ وكَمْ خَسَرتِ الشركاتُ والوزاراتُ بسببِهِ من كَفاءاتٍ عِلميةٍ وعَمليةٍ؟ إنَّهُ....

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ حرَّمَ الظلمَ على نفسِه وجعلهُ بيننا محرَّماً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه القائلَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، صلى اللهُ عليه وعلى إلهِ وصحبهِ، ومن تبعَهم إلى يومِ الدينِ، وسلمَ تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: كَمْ قَتلَ مِنْ طُموحٍ؟ وكَم أَدمى من جُروحٍ؟ وكَمْ حَطَّمَ من أَملٍ؟ وكَمْ قَادَ إلى الزَّللِ بِسَببِهِ تَضيعُ المواهبُ، وتُمحقُ المَكاسبُ، إذا حَلَّ في مَكانٍ، غَابَ الأمانُ، وانتشرتِ الأَحزانُ، وغَضِبَ الرَّحمانُ؟ وكَمْ خَسَرتِ الشركاتُ والوزاراتُ بسببِهِ من كَفاءاتٍ عِلميةٍ وعَمليةٍ؟ إنَّهُ الظُّلمُ، وما أَدراكَ ما الظُّلمُ.

 

ونَحنُ في نِهايةِ العامِ، وبِالقُربِ مِن التَّقييمِ السَّنويِّ للمُوظفينَ، نُوصِيكم أيها المدراءُ، أيها الرؤساءُ، أيها الوزراءُ، يا من ولاَّهم اللهُ -تعالى- على النَّاسِ: اتقوا اللهَ فيمن تحتَ أيدِيكم، وإياكم والظلمَ، دخلَ رجلٌ على سليمانَ بنِ عبدِ الملك، فقالَ: "اذكر يا أميرَ المؤمنينَ يومَ الأذانِ، فقالَ: وما يومُ الأذانِ؟ قالَ: اليومُ الذي قالَ اللهُ -تعالى- فيه: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)[الأعراف: 44]، فبكى سليمانُ، وأزالَ ظُلامَته".

 

ومن أمثلةِ الظلمِ الواقعِ على الموظفينَ: حرمانِهم من حقوقِهم الوظيفية بغيرِ حقٍ، كالزياداتِ والترقياتِ التي يستحقونَها، ومنعِهم مما يحتاجونَه من التطويرِ والتدريبِ مع وجودِ الميزانياتِ المرصدةِ لذلك.

 

ومنها: تفضيلِ بعضِهم على بعضٍ بسببِ الصداقةِ أو القرابةِ أو الواسطةِ لا بسببِ المعرفةِ، والاجتهادِ والإنجازاتِ.

 

ومنها: عدمِ تشجيعِ الأداءِ المبذولِ، والأفكارِ المتميزةِ، ولو بكلمةٍ واحدةٍ مما يؤدي إلى قتلِ طموحِ، وحماسِ الموظفِ.

 

يأيها المديرُ: إذا دعتكَ قدرتُك على ظلمِ الموظفِ فتذكرْ قدرةَ اللهِ عليك، عن أبي مسعودٍ البدري -رضيَ اللهُ عنه- قال: "كنتُ أضربُ غلامًا لي بالسوطِ، فسمعتُ صوتًا من خلفي: "اعلمْ أبا مسعودٍ، اعلمْ أبا مسعودٍ"، فلم أفهمُ الصوتَ من الغضبِ، فلما دنا مني إذا هو رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، فإذا هو يقول: "اعلمْ أبا مسعودٍ للهُ أقدرُ عليك منكَ على هذا الغلامِ"، فسقطَ السوطُ من يدي هيبةً له، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ هو حرٌّ لوجِه اللهِ -تعالى-، فقالَ: "أما لو لم تفعلْ لمسَّتكَ النَّارُ".

 

أما واللهِ إن الظلمَ شؤمٌ *** ولا زالَ المسيءُ هو الظلومُ

إلى ديَّانِ يومَ الدِّينِ نمضي *** وعندِ اللهِ تجتمعُ الخصومُ

ستعلمُ في الحسابِ إذا التقينا *** غداً عندَ المليكِ منِ الملومُ؟

 

إن مَنْ يسمعُ قَصَصَ الموظفينَ وما يقعُ عليهم من الظلمِ ليَحزنُ أشدَّ الحُزنِ أن يقع هذا في بلادِ الإسلامِ، ومِنْ مسلمينَ يتلونَ كتابَ اللهِ -تعالى-، ويقرؤون سنةَ نبيِّه -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، ويعلمون عاقبةَ الظُلمِ والظالمينَ: (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ)[سبأ: 42].

 

لا تَظلِمَنَ إذا ما كُنتَ مُقتَدِراً *** فالظُّلمُ تَرجِعُ عُقباهُ إلى النَدَمِ

تَنامُ عَينُكَ والمَظلومُ مُنتَبِهٌ *** يَدعو عَليكَ وعَينُ اللهِ لَم تَنَمِ

 

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ.

أقولُ قَولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم وللمسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، وعلى آلهِ وأصحابهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

 

أما بعد: فإن من أسبابِ الظلمِ الواقعِ على الموظفينَ: تنصيبُ من لا يستحقُ الرئاسةَ إما لقصورٍ في قوتِه العلميةِ والعمليةِ أو أمانتِه الدينيةِ، وقد قالتِ ابنةُ الرجلِ الصالحِ: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[القصص: 26].

 

ومنها: الحرصُ عليها وبذلُ الغالي والنَّفيسِ في سبيلِ الوصولِ إليها، وَقَد قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ: "يا عبدَ الرحمنِ بنَ سمرة لا تسألِ الإمارةَ؛ فإنك إن أُوتِيتَهَا عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإن أوتيتَها من غيرِ مسألةٍ أُعِنْتَ عليها"، فأوكلَهم اللهُ -تعالى- إليها فكثُرت أخطاءُهم، وبانَ زللُهم.

 

ومنها: الحكمُ على الموظفِ بالظنِّ أو بكلامٍ منقولٍ من نمَّامٍ دونَ مناقشتِهِ ومصارحتِه بأخطائِه، وقد قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].

 

فيا من ابتليتُم بالمراكزِ القياديةِ: إياكم ودعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، وتُحملُ على الغمامِ، وتُفتحُ لها أبوابُ السماواتِ، ويقولُ سُبحَانَهُ وتعالى: "وعزتي لأنصرَنكِ ولو بعدَ حينٍ".

 

قالَ جَعفرُ لأبيه يحيى البَرمَكي وزيرِ الدَّولةِ العبَّاسيَّةِ، وهُمْ في القيودِ والحَبْسِ: يا أبتِ بعدَ الأمرِ والنَّهيِ والأموالِ العظيمةِ، أصارَنا الَّدهرُ إلى القُيُودِ، ولُبسِ الصُّوفِ والحَبْسِ؟ فقالَ له أبوه يحيى: يا بُنيَّ لَعلَّها دعوةُ مظلومٍ، سَرَتْ بليلٍ غَفَلنا عنها، ولم يَغْفُل اللهُ عنها.

 

اللهمَ ولِّ علينا خيارَنا، واكفِنا شرَّ أشرارِنا، اللهم واجعلْ ولايَتنا فيمن خافكَ واتَّقاكَ، واتَّبعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ، اللهم هيئ لنا من أمرِنا رشداً، ولا تجعلْ مصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِنا، ولا مبلغَ علمِنا.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

 

اللهم صلِّ وسلمْ على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه أجمعينَ، وسبحانَك اللهم وبحمدِك أشهدُ أن لا إلهَ إلا أنت أستغفرُك، وأتوبُ إليك.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life