عناصر الخطبة
1/ مفهوم المعروف 2/ من صوره 3/ من فضائله 4/ بذل الصدقات 5/ وصل الأرحاماهداف الخطبة
اقتباس
روى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء, وصدقة السر تطفئ غضب الرب, وصلة الرحم تزيد في العمر".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الناس: اتقوا الله تعالى, وابذلوا المعروف، وكونوا من أهله, واعلموا أن أحب العباد إلى الله أنفعهم.
روى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء, وصدقة السر تطفئ غضب الرب, وصلة الرحم تزيد في العمر".
والمعروف هو الإحسان إلى عباد الله بعمل المعروف, وذلك بالدعوة والنصح والتوجيه, وإرشاد الجاهل, والبر, والصلة, والصدقة، وإغاثة الملهوف, وقضاء حوائج الناس, وسداد الديون, والوضع عن المعسرين, وتنفيس الكربات, والسعاية على الأرامل, وكفالة الأيتام, وإصلاح ذات البين؛ حتى المسؤول أو الموظف الذي يؤدي عمله بأمانة وإخلاص, ويحرص على حسن المعاملة مع المراجعين، والتلطف معهم, وإنجاز معاملاتهم, وعدم تعطيلهم, أو التغيب عن مصالحهم, يعتبر ذلك من صنائع المعروف.
وصدقة السر: هي الصدقة التي تكون في الخفاء. والصدقة عموما، سواء كانت سرا أو علانية، شأنها عظيم, وتدل على كرم النفس, وحب الخير للغير, وعدم التعلق بالدنيا والدينار والدرهم.
ولكن فضل الصدقة يتفاوت, وأعظمه إذا بذلها صاحبها سرا في الخفاء حين لا يراه أحد إلا الله؛ لأنها تحتاج إلى عمل وبذل, وتدل على الإخلاص وكمال الأخوة الإيمانية، لأن صاحبها يتفقد إخوانه, ويتحرى المستحق, ولأنها تغني الفقير عن التعرض للناس، فإن المساكين يتفاوتون, فمنهم من يتعرض للناس ويسأل, وقد أمر الله تعالى بإعطائه, وعدم رده وإهانته، ومن المساكين من هو متعفف لا يسأل الناس شيئا, ولا يُفْطَنُ له.
وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تفقد هذا النوع من المساكين, فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-, قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان, والتمرة والتمرتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غِنَى يُغْنِيه, ولا يُفْطَنُ له فَيُتَصَدَّق عليه, ولا يقوم فيسأل الناس" رواه البخاري ومسلم.
وهذا النوع من المساكين, هو المذكور في قوله -تعالى-: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات:19]، فالسائل هو الذي يتعرض للناس ويسألهم، والمحروم هو الذي لا يتعرض للناس, ولا يسألهم, كما سمعتم في الحديث.
وكثير من العامة يعتقدون بأن المحروم هو الغني الذي يحرم نفسه وأهله من الانتفاع بماله, ولا يُرَى أثر نعمة الله عليه، والصحيح أن هذا الغني الذي يحرم نفسه لا يدخل في المعنى، بل هو البخيل الشحيح, دني النفس.
وهذا الشحيح قد يحرم الفلاح في الآخرة, كما قال -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16]؛ لأنه لم يُظْهِر أثر نعمة الله عليه وعلى زوجته وأولاده, لِبُخْلِه ودناءة نفسه.
ومثل هذا -من باب أولى- أن لا يتصدق أو ينفق في أبواب الخير, ويكفي أن قبض اليد من صفات المنافقين، والكرم من صفات المؤمنين.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا, واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، وأما صلة الرحم, فإنها تزيد في العمر, كما سمعتم في الحديث؛ فالصلة سبب لطول العمر, وبركته. وأول من يدخل في ذلك: الوالدان, ثم الأقرب فالأقرب.
والصلة تكون بالزيارة, والإحسان, وحسن المعاملة, وبذل المعروف, بالنصيحة، وتفقد الأحوال.
وهذه الصلة واجبة على المسلم نحو أقاربه, سواء كانوا واصلين له, أو قاطعين؛ فإن من الناس من لا يصل إلا من وصله, وبعض الناس لا يصل من يكون بينه وبينهم شحناء في النفوس, أو اختلاف في وجهات النظر.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الواصل بالمكافئ, إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني، وأحسنُ إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن كنت كما قلتَ فكأنَّما تسفّهم الملّ -وهو الرماد الحار- ولا يزال معك من الله عليهم ظهير ما دمت على ذلك".
ويكفي في فضل صلة الرحم ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه, أن الله -تعالى- قال: "من وصلك وصلته, ومن قطعك قطعته" رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وكما أن صلة الرحم سبب لطول العمرة وبركته, فهي أيضاً سبب لسعة الرزق وبركته, يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، ويُنْسَأَ له في أثره؛ فليصل رحمه" رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-. ومن لوازم ذلك أن قطيعة الرحم سبب لضيق الرزق, ومحق بركة الرزق والعمر.
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن قطيعة الرحم سبب للعقوبة في الدنيا وحلول اللعنة, والعذاب في الآخرة، قال -تعالى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قاطع رحم" رواه البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه-.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف عنّا سيئها إلا أنت، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وأحوالنا يا رب العالمين.
التعليقات