صلوا كما رأيتموني أصلي

د عبدالعزيز التويجري

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/تعظيم قدر الصلاة 2/من صور إضاعة الصلاة 3/هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة 4/مجمل السنة في الصلاة قراءة وعملاً وسننًا.

اقتباس

الصلاة أعظم معالم الدين الحنيف، وأعظم شعائره وأنفع ذخائره؛ أعظم أمور الإسلام ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكَدُ مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض، وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ..."

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الولي الحميد؛ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين.

 

أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحديد:28].

 

قال الحافظ ابن الأثير: "وبيانه -صلى اللهُ عليه وسلم- ونطقه -عليه الصلاة والسلام- تأييد إلهي، ولطف سماوي، وعناية ربانية، ورعاية روحانية".

 

    مِنْ كُلِّ لَفْظٍ بَلِيغٍ راقَ جَوْهَرُهُ  *** كأنَّهُ السَّيْفُ ماضٍ وَهْوَ مَصْقُولُ

     لم تُبْقِ ذكرًا لذي نُطقٍ فصاحتهُ *** وهل تضيءُ مع الشمسِ القناديلُ؟!

 

وأعظمُ بيانٍ وأجلُّ عملٍ عمله -عليه الصلاة والسلام- بيانه وأعماله في الصلاة.. وأعظمُ تفريطٍ إضاعةُ سُنّته، ومجانبةُ هديهِ في الصلاة.. في صحيح البخاري قال الإمام الزُّهْرِيّ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: "لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ".

 

إضاعة الصلاة شامل لكل ما يخلّ بها.. قَالَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "مَا صَلََّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-"(أخرجه البخاري).

 

تخفيف الصلاة ليس نَقْرها، أو تتبُّع رغبات الكسالى من الناس، التخفيف هو إتمامها كما كان النبي-صلى اللهُ عليه وسلم- يصليها.. قال مَالِك بن الحويرث -رضي الله عنه-، أَتَيْنَا إِلَى النّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، قَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"(متفق عليه).

 

فما هي كيفية صلاته وقراءته -صلى اللهُ عليه وسلم- ينبئكم عنها أبو برزة الأسلمي -رضي الله عنه- كَانَ النبي -رضي الله عنه- يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ.(متفق عليه).

 

وكتب عُمَرُ بن الخطاب إِلَى أَبِي مُوسَى: أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. قال الترمذي: "وَعَلَى هَذَا العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ".

 

ومن قلة الفقه أن تجد من يتمسك بحديث اختُلِفَ في صحته، وهو أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- "قرأ صَلَاةِ الصُّبْحِ (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا". ويُترك ما في  الصحيحين عن أبي هريرة وابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- "كان يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ".

 

أما في الظهر والعصر فقال أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "كَانَ النَّبِيّ -صلى اللهُ عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ"، وفي هذا الحديث بيان أن من السنة أحيانًا القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين في الظهر والعصر.

 

وليس من السنة المداومة على قراءة قصار المفصل في المغرب، فقد عَتَب فقيه الصحابة زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ على مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ، مداومته على ذلك، فقال له: "مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِقِصَارِ السُّوَرِ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ"(أخرجه البخاري).

 

وفي البخاري أن النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- قرأ فِي المَغْرِبِ (وَالمُرْسَلاَتِ عُرْفًا).

وقال مُطْعِم بن عدي: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ)"؛ قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ.(أخرجه البخاري).

 

وفي العشاء فقد أرشد النبي -صلى اللهُ عليه وسلم- معاذ أن يقرأ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ، وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللََّيْلِ إِذَا يَغْشَى. (متفق عليه).

 

وفي صحيح مسلم قال الْبَرَاء بْن عَازِبٍ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ النَّبِيّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِـ"التِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ".

 

واما ركوعه -صلى اللهُ عليه وسلم- وسجوده؛ فوصفه أنس بن مالك -رضي الله عنه- بقوله: "ما صلَيتُ وراء أحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبَهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يعني عمر بنَ عبدالعزيز- قال: فحَزَرنا في ركوعه عشرَ تسبيحاتٍ، وفي سُجوده عشرَ تسبيحاتٍ"(أخرجه أبوداود).

 

ومجمل صفته ما روته عَائِشَةُ رضي الله عنها، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ. وَالْقِرَاءَةِ، بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ. وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ"(أخرجه مسلم).

 

 و"كان ينهَى عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَقَامَ لِلصَّلَاةِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ"(أخرجه النسائي).

 

هذه مجمل السنة في الصلاة قراءة وعملاً وسننًا.. اتباعها هدى ونور، وقراءتها والعمل بها تعليم للناس معنى "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"؛ أقيموا الصلاة لوقتها، وأتمّوا لها قيامها وخشوعها وركوعها وسجودها، تنالوا ثمرتها وبركتها وقوّتها وراحتها.

 

أستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات؛ إن ربنا لغفور شكور.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى.

 

أما بعد: الصلاة أعظم معالم الدين الحنيف، وأعظم شعائره وأنفع ذخائره؛ أعظم أمور الإسلام ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكَدُ مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض، وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ".

 

من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع..؛ طريقُها معلومٌ، وسبيلُها مرسومٌ، ولا سبيل لمعرفة معالمها وسننها وأحكامها إلا بقراءة أحاديثه، وكتب السنة تزخر بها أرفف بيوتنا، وعبق أحاديثه تفوح من جنبات أجهزتنا، وجوامع سنته تملأ مكتباتنا.

 

فهي البئر الذي لا ينضب معينه، والبحر الذي لا تنتهي جواهره، والضياء الذي يُنير العقل والروح من برهانه..

إن الرسول لنورٌ يُستضاء به  *** مهند من سيوف الله مسلولُ

 

اللهم ارحم العباد، وأغث البلاد، واقمع أهل الفساد والإفساد.

 

المرفقات
B9BnUv9ldYXcd5gZy2LgCMaMD5ipRlkHLypT5bFB.doc
dllC6nDCgmUXJqUHDVsWuA9XZBIN7YQBWm6tnHdf.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life