صلاة التطوع (4) نوافل الفرائض

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/المحافظة على الفرائض وإتباعها بالنوافل سبب مرضاة الله ومحبته 2/فوائد المحافظة على النوافل 3/بعض نوافل الفرائض 4/المحافظة على الصلاة سبب الفوز في الدنيا والآخرة

اقتباس

مَنْ حَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَأَتْبَعَهَا بِالنَّوَافِلِ؛ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَائِمٌ عَلَى صَلَاتِهِ؛ فَيَأْلَفُ الصَّلَاةَ، وَيَرْتَاحُ بِهَا، وَتَكُونُ قُرَّةَ عَيْنِهِ كَمَا كَانَ حَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الصَّلَاةِ. فَمَنْ أَرَادَ التَّأَسِّيَ بِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَلْزَمْ هَدْيَهُ فِي الدَّيْمُومَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا...

الخطبة الأولى:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الْفَاتِحَةِ: 2-4]، نَحْمَدُهُ عَلَى هِدَايَتِهِ وَكِفَايَتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ؛ خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ، وَأَغْدَقَ عَلَيْنَا النِّعَمَ، وَهَدَانَا لِمَا يَنْفَعُنَا، وَنَهَانَا عَنْ مَا يَضُرُّنَا؛ فَهُوَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا وَمَعْبُودُنَا، لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ وَلَا فَلَاحَ لَهُ إِلَّا بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ -سُبْحَانَهُ-، وَلَا صِلَةَ بِهِ -تَعَالَى- أَوْثَقُ مِنَ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّهَا مُنَاجَاةُ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)[طه: 14]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَجُعِلَتِ الصَّلَاةُ رَاحَتَهُ وَأُنْسَهُ وَقُرَّةَ عَيْنِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَحَافِظُوا عَلَى الْفَرَائِضِ، وَأَتْبِعُوهَا بِالنَّوَافِلِ؛ تَنَالُوا مَحَبَّةَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَإِذَا نَالَ الْعَبْدُ مَحَبَّةَ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ عَاشَ فِي الدُّنْيَا سَعِيدًا، وَفَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْزًا عَظِيمًا؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْمُؤْمِنِينَ، وَكَرَمِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مَعَ الْمُصَلِّينَ؛ أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- جَعَلَ لِلصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ نَوَافِلَ تُحِيطُ بِهَا؛ لِتُكْمِلَ نَقْصَهَا؛ وَلِتَكُونَ سِيَاجًا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى نَوَافِلِ الصَّلَاةِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ حَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَلَا بُدَّ. وَمَنْ ضَيَّعَ النَّوَافِلَ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْفَرَائِضِ أَوِ التَّفْرِيطِ فِيهَا، كَمَا لَا يَأْمَنُ مِنَ النَّقْصِ فِيهَا، وَلَيْسَ لِنَقْصِهَا مَا يُكْمِلُهَا مِنْ نَوَافِلِ الصَّلَاةِ.

 

وَمِنْ نَوَافِلِ الْفَرَائِضِ: سُنَّةُ الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَيُشْرَعُ لِمَنْ تَوَضَّأَ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ، إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَفِي حَدِيثٍ ثَالِثٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبِلَالٍ: "يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَمِنْ نَوَافِلِ الْفَرَائِضِ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ؛ فَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إِلَّا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَالْمُوَفَّقُ مَنْ يُبَكِّرُ لَهَا. فَإِذَا دَخَلَ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَتُؤَدَّى وَلَوْ كَانَ وَقْتَ نَهْيٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُشْرَعُ فِي أَيِّ وَقْتِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَلَوْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ وَجَلَسَ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، بَلْ يَقُومُ وَيُؤَدِّيهَا إِذَا ذَكَرَ أَوْ عَلِمَ سُنِّيَّتَهَا؛ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: "يَا سُلَيْكُ، قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). إِلَّا مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ لِأَجْلِ النُّسُكِ؛ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ذَكَرَتْ: "أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ -حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ لِغَيْرِ النُّسُكِ أَتَى بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ.

 

وَبِسَبَبِ الْجَهْلِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تَعَلَّمَ الْإِمَامُ ابْنُ حَزْمٍ الْفِقْهَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ سِتَّةً وَعِشْرِينَ عَامًا، فَحَضَرَ جِنَازَةً فَجَلَسَ، فَعَاتَبَهُ مَنْ بِجِوَارِهِ أَنَّهُ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ وَلَا يَعْرِفُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ وَصَلَّى. ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَرَّةً أُخْرَى فِي وَقْتِ نَهْيٍ فَصَلَّى، فَنَهَرَهُ أَحَدُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ، قَالَ: "فَانْصَرَفْتُ وَقَدْ خَزِيتُ وَلَحِقَنِي مَا هَانَتْ عَلَيَّ بِهِ نَفْسِي" فَلَازَمَ بَعْدَهَا الْفُقَهَاءَ حَتَّى فَاقَ أَسَاتِذَتَهُ، وَصَارَ مِنَ الْأَعْلَامِ الْكِبَارِ.

 

وَمِنْ نَوَافِلِ الْفَرَائِضِ: الصَّلَاةُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ). وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إِلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَانِ"(صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).

 

وَكَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَحْرِصُونَ عَلَيْهَا حَتَّى بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ؛ إِذِ الْوَقْتُ فِيهَا قَلِيلٌ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا".

 

وَمِنْ نَوَافِلِ الْفَرَائِضِ: السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ الْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). وَجَاءَ فِي فَضْلِهَا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وَآكَدُهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ الَّتِي لَمْ يَتْرُكْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ، وَقَالَ فِيهَا: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْ نَوَافِلِ الْفَرَائِضِ: صَلَاةُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، يُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ).

 

وَنَوَافِلُ الْفَرَائِضِ تُكْمِلُ نَقْصَهَا، وَهِيَ حَرَمٌ لَهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا حَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا خُشِيَ عَلَيْهِ مِنَ انْتِقَاصِ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّلَاةُ، قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؟ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ، قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[الْبَقَرَةِ: 43].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الدَّيْمُومَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، فَيَنَالَ رَاحَةَ الْبَالِ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزَ الْأَكْبَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[الْمَعَارِجِ: 19-23].

 

وَمَنْ حَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَأَتْبَعَهَا بِالنَّوَافِلِ؛ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَائِمٌ عَلَى صَلَاتِهِ؛ فَيَأْلَفُ الصَّلَاةَ، وَيَرْتَاحُ بِهَا، وَتَكُونُ قُرَّةَ عَيْنِهِ كَمَا كَانَ حَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الصَّلَاةِ. فَمَنْ أَرَادَ التَّأَسِّيَ بِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَلْزَمْ هَدْيَهُ فِي الدَّيْمُومَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُرَافَقَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجَنَّةِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

كَمَا أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى نَوَافِلِ الْفَرَائِضِ مَعَ الْفَرَائِضِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي جَزَاؤُهَا الْجَنَّةُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ قَالَ: "لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً، قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

 

 

المرفقات
hrkxZGSFbN9D6O8do5rgEp7d55lihrHuzKhpqaWD.pdf
rkL7mQpb2HKzoxJzTEj93q3Mb1pB0KhmlDI2FhJG.doc
she4AkdYh17ExP2YuQD0vrz6MeuUc7iiLs2unmxj.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life