عناصر الخطبة
1/عِظَم مكانة الصلاة في الإسلام 2/وجوب تعلم أحكام الصلاة 3/حديث المسيء في صلاته 4/الصفة الصحيحة للصلاة.اقتباس
فما أحوجَنا لمعرفةِ الصّفةِ الصّحيحةِ للصّلاة، لإتقانِها وتطبيقِها حتّى نفوزَ بأجرِها ونَسْلمَ من نقصِها أو ردِّها، وسوفَ أذكرُ صفةً مختصرةً للصّلاة، كما نقلَها العلامتانِ ابنُ بازٍ وابنُ عُثيمينَ -رحمَها اللهُ تعالى-، وعليكم أنْ ترجعوا للمصادرِ الموثوقة، لمعرفةِ شروطِها وأركانِها وواجباتِها وسننِها وأذكارِها، لتؤدُّوا صلاتَكم على علمٍ وهدىً وبصيرة.
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ عبادَ الله: الصلاةُ عمودُ الدّين، وهي الرّكنُ الثاني من أركانِ الإسلام، ويجبُ على المسلمِ أنْ يصليَها كما صلاها رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-، لقولِه -عليه الصّلاةُ والسّلام-: "صلّوا كما رأيتموني أصلي".
ولأهمّيّتِها وتَكرارِ فعلِها في كلِّ يومٍ وليلة، فإنّه يجبُ عل كلِّ مسلمٍ أنْ يتعلمَ صفتَها، فما لا يتُّم الواجبُ إلا به فهو واجب. دَخَلَ المَسْجِدَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ علَى النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- فَرَدَّ وقالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فَرَجَعَ يُصَلِّي كما صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ علَى النبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- فَقالَ: "ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا"، فَقالَ: والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي.
فَقالَ: "إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وافْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا".
لقد علّمَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- هذا الرّجل: أنّ مَنْ صلى بدونِ طمأنينةٍ فلا صلاةَ له، وإنْ صلى مائةَ مرّة، فرُوحُ الصّلاةِ الطمأنينةُ والخشوع، قالَ -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[المؤمنون:1-2].
فليحذرْ بعضُ المصلينَ الذينَ يسرعونَ في الرّكوعِ والقيامِ منه، وفي السّجودِ والجلسةِ بينَ السّجدتين، ولْيطمئنّوا في صلاتِهم، فالأمرُ خطيرٌ جدّ خطير، فقد رأى حذيفةُ -رضيَ اللهُ عنه- رجلاً يصلِّي ولا يُتِمُّ رُكُوعَهُ ولَا سُجُودَهُ، فقالَ لَهُ حذيفةُ: "منذُ كم تصلِّي هذِهِ الصَّلاةَ؟"، قالَ: منذُ أربعينَ عامًا، قالَ: "ما صلَّيتَ منذُ أربعينَ سنةً، ولو مُتَّ وأنتَ تصلِّي هذِهِ الصَّلاةَ لمُتَّ على غيرِ فطرةِ محمَّدٍ -صلى اللهُ عليه وسلم-".
فما أحوجَنا لمعرفةِ الصّفةِ الصّحيحةِ للصّلاة، لإتقانِها وتطبيقِها حتّى نفوزَ بأجرِها ونَسْلمَ من نقصِها أو ردِّها، وسوفَ أذكرُ صفةً مختصرةً للصّلاة، كما نقلَها العلامتانِ ابنُ بازٍ وابنُ عُثيمينَ -رحمَها اللهُ تعالى-، وعليكم أنْ ترجعوا للمصادرِ الموثوقة، لمعرفةِ شروطِها وأركانِها وواجباتِها وسننِها وأذكارِها، لتؤدُّوا صلاتَكم على علمٍ وهدىً وبصيرة.
وصفةُ الصّلاةِ يستوي فيها الرّجالُ والنّساء، إلا في صلاةِ الجماعة، فهي واجبةٌ على الرّجالِ دونَ النّساء، وفي سَتْرِ العورةِ فالرّجلُ يجبُ أنْ يسترَ ما بينَ السُّرّةِ إلى الرّكبة، وأمّا المرأةُ فيجبُ أنْ تسترَ جميعَ بدنِها في الصّلاةِ عدا وجهَها، وتسترُه إنْ كانتْ في حضرةِ غيرِ محارمِها.
عبادَ الله: أسبغوا الوضوءَ، واستقبلوا القبلة، وقوموا بينَ يديِ اللهِ مُخلصينَ ناوينَ الصّلاةَ بقلوبِكم لا بألسنتِكم، فالنّيةُ محلُّها القلب، كبِّروا تكبيرةَ الإحرامِ بقولِكم: اللهُ أكبر، من غيرِ مدِّ ولا زيادة.
وارفعوا أيديَكم عندَ التكبير مبسوطةَ الأصابع معَ ضمِّ بعضِها لبعض، ويكونُ رفعُها إلى حذوِ المناكبِ أو الأذنين، دونَ الحاجةِ إلى لمسِ الأذنين، ويكونُ باطنُ الأيدي إلى القبلة، ثم ضعوا اليَدَ اليمنى على مِفصلِ كفِّ اليدِ اليسرى أو على ذراعِها على صدورِكم بعدَ التكبير.
وانظروا إلى موضعِ سجودِكم ولا تلتفتوا في الصّلاة، ولا ترفعوا أبصارَكم، فقد قالَ: "ما بَالُ أقْوَامٍ يَرفعونَ أبْصَارَهم إلى السَّماءِ في صَلاتِهم"، فاشْتَدَّ قولُه في ذلك حتّى قال: "لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك، أو لَتُخْطَفَنَّ أبْصَارُهم".
استفتحوا الصّلاةَ بعدَ ذلك بدعاءِ الاستفتاح، ثمّ تعوّذوا باللهِ من الشّيطانِ الرّجيم، ثمّ اقرؤوا الفاتحةَ بترسُّلٍ وتدبّر، مع تحريكِ ألسنتِكم عندَ القراءةِ وذلك في كلِّ ركعة، وقولوا بعدَها: آمين، جهرًا في الجهريّةِ وسرًّا في السّريّة، واقرؤوا بعدَها ما تيسّرَ من القرآن.
ثمّ اركعوا مكبِّرينَ وارفعوا أيديَكم عندَ التكبيرِ للرّكوع على الصّفةِ السّابقة، ثمّ ضعوا أيديَكم على رُكَبِكُم كالقابضينَ عليها مفرّقةَ الأصابع، وجافوها عن جنوبِكم، وساوُوا رؤوسَكم معَ ظهورِكم فلا ترفعوها ولا تخفضوها.
وعظّموا ربَّكم في ركوعِكم، فقولوا: سبحانَ ربّيَ العظيم، وكرّروا ذلك. ارفعوا من الرّكوعِ قائلين: سمعَ اللهُ لمن حمدَه. وارفعوا أيديَكم عندَ قولِها على الصّفةِ السّابقة، وبعدَ القيامِ قولوا: ربّنا ولكَ الحمد، والمأمومُ لا يقولُ سمعَ اللهُ لمن حمده. لقولِ النبيِّ: "إذا قالَ الإمام: سمعَ اللهُ لمن حمده. فقولوا: ربَّنا ولكَ الحمد".
ضعوا أيديَكم على صدورِكم كما فعلتم في القيام، ثمّ اسجدوا مكبّرين، مقدّمينَ ركبَكم قبلَ أيديكم إنْ تيسّرَ ذلك، اسجدوا على الأعضاءِ السّبعة، الجبهةِ مع الأنفِ واليدينِ والرُّكبتينِ وأطرافِ القدمين، ضعوا أيديَكم حالَ السّجودِ على الأرضِ وأصابعُها نحوَ القبلة، مضمومًا بعضُها إلى بعض، محاذيةً لمكانِ الجبهةِ والأنفِ أو محاذيةً للمنكبين.
اعتدلوا في سجودِكم بتمكينِ وجوهِكم وأطرافِ أقدامِكم من الأرضِ أثناءَ السّجود، واحذروا من رفعِ الأنفِ أو أطرافِ القدمينِ عن الأرض، وأبعدوا البطنَ عن الفَخِذينِ والفخذينِ عن السّاقين، وجافوا اليدينِ عن الجنبينِ إلا مَنْ كانَ مأمومًا حتّى لا يؤذيَ من بجانبِه.
وارفعوا الذّراعينِ فإنّ النبيَّ نهى عن بسطِها على الأرضِ أثناءَ السجود، وقولوا: سبحانَ ربّيَ الأعلى، وكرّروها، وأكثروا من الدّعاءِ لقولِه -عليه الصلاةُ والسّلام-: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ -عزَّ وجلَّ-، وأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ".
ثمَّ ارفعوا من السّجودِ مكبّرين، واجلسوا على قدمِ الرِّجْلِ اليسرى وانصبوا قدمَ الرِّجْلِ اليمنى، وضعوا اليدينِ على أطرافِ الفخذينِ مبسوطةً مضمومةَ الأصابع، وقولوا: ربّي اغفرْ لي، وكرّروها، ثمّ اسجدوا السّجدةَ الثانيةَ مكبّرين، واصنعوا كما صنعتم في السّجدةِ الأولى.
ثمَ قوموا للرّكعةِ الثانيةِ مكبّرينَ دونَ أنْ ترفعوا أيديَكم، معتمدينَ على ركبِكم إنْ تيسّرَ ذلك، وافعلوا مثلَ ما فعلتم في الرّكعةِ الأولى، ثمّ بعدَ السّجدتينِ في الرّكعةِ الثانية، اجلسوا للتّشهدِ واصنعوا في جلوسِكم كما فعلتم في الجلوسِ بينَ السّجدتين، إلا في اليدِ اليمنى فإنّكم تضمّونَ منها الخُنصرَ والبُنصر، وتُحلِّقونَ إبهامَها معَ الوسطى، معَ الإشارةِ بالسّبّابةِ برفعِها يسيرًا، والنظرِ إليها وتحريكِها خفيفًا عندَ الدّعاء، واقرؤوا التحيّاتِ كاملةً ثمّ الدّعاءَ والتسليم.
وإنْ كانت الصلاةُ أكثرَ من ركعتين، فقوموا بعدَ التشهدِ الأوّلِ مكبّرين، وارفعوا أيديَكم عندَ التكبيرَ للقيام على الصفةِ السابقة، وصلوا ما بقيَ من صلاتِكم على صفةِ ما سبقَ في الرّكعةِ الثانية، إلا أنّكم تقتصرونَ على الفاتحة، وتجلسونَ للتشهدِ الأخيرِ متورِّكين، بأنْ تنصِبوا قَدَمَ الرِّجْلِ اليمنى وتُخرجوا الرِّجْلَ اليسرى من تحتِ ساقِها وتستقرُّوا على الأرض.
وتقرؤونَ التشهدَ كاملًا مَع الصّلاةِ على النبيِّ بالصّلاةِ الإبراهيميّة، ثمّ يُشرعُ لكم الدّعاءُ قبلَ السّلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ؛ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ".
ثمّ تُسلّمونَ عن يمينِكم وعن يسارِكم بقولِكم: السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ معَ الجهتين، وبذلك تكونونَ قد أدَّيتُم الصّلاةَ كما أُمرتم، وأعتذرُ منكم عن الإطالةِ لأهميّةِ الموضوع، وللرّغبةِ في طرحِه كاملًا لتتمَّ الفائدة، تقبَّلَ اللهُ صلاتَكم وطاعتَكم، وعصمَكم عن الخطأِ والزّلل، ووفّقَكم لصالحِ القولِ والعمل، ونفعنا اللهُ بما نقولُ ونعمل، إنّه سميعٌ مجيب.
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفى، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه المصطفى، وعلى آلِه وصحبِه ومن اقتفى.
أمّا بعد: عبادَ الله، اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
ربّنا اجعلْنا مقيمي الصّلاةِ وذريّاتِنا على الوجهِ الذي يُرضيكَ عنّا، وتُبْ علينا واغفرْ لنا وارحمْنا وعافنا واعف عنّا وتقبّلْ منّا إنّك أنتَ السميعُ العليم.
اللهمّ أعنّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النّار.
اللهمّ أغثْ قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، وبلادَنا بالأمطارِ والبركاتِ والغيثِ العميم، واجعلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتِك وبلاغًا إلى حين.
اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومين، ونفّسْ كرْبَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمين، الأحياءِ منهم والميّتين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، ويقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "من صلّى عليَّ صلاةً واحدةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا".
اللهمّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات