عناصر الخطبة
1/ وسام الصديقية لأبي بكر -رضي الله عنه- 2/ فضل الصدق 3/ الصدق عنوان الأنبياء 4/ طغيان الكذب على المجتمع وحاجته للصدق 5/ الصدق طمأنينةاهداف الخطبة
اقتباس
ما أمسَّ حاجتنا إلى عودة صادقة إلى رحاب الصدق، وتزوُّدٍ من مَعِينه، وتطيُّب بطِيبه، وتزين بجماله! خصوصاً في زمن كثر فيه الكذب، وتلاشى الصدق، وامتهن الخداع، وساد المكر، وطغت المراوغة، واستسيغ الغش، وأرعد النفاق، وأزبد الباطل، حتى أصبح الصدق وأهله ..
الخطبة الأولى:
تتذكر الأمة في شهر رجب ذكرى الإسراء والمعراج، تلك الرحلة العجيبة من مكة إلى القدس، ومن القدس إلى السماء.
وأود أن أقف بكم مع حدث هام من أحداث هذه المعجزة، إنه وسام شرف، طوبى لمن ناله وتقلده وتبوأ منزلته! فقد أتى أحد المشركين إلى أبي بكر وقال له: إن صاحبك -يعني محمداً صلى الله عليه وسلم- يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس البارحة وعاد في نفس الليلة! فقال أبو بكر: أوقد قال؟ لئن قال فقد صدق، واني -والله!- لأصدقه بأكبر من هذا، أصدقه بخبر السماء. فسمّي أبو بكر بالصدّيق، رضي الله عنه وأرضاه.
من هذه الذكرى سمي أبو بكر بالصديق؛ لأنه صدق رسول الله حين كذبه الناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق".
فما أحوجنا اليوم إلى صدق الصدّيق! ما أحوجنا في زمن التلون والاضطراب والتلاعب بالآراء إلى صدق الصديق! ما أحوجنا إلى رجل صدق، وإلى موقف صدق، وإلى مبدأ صدق! ما أحوجنا إلى صدق لا يعبث به إغراء المال، ولا تلعب به السياسة، ولا تعصف به الأحداث!.
وإذا الأمورُ تزاوجت *** فالصدق أكرمها نتاجا
الصدق يعقد فوق رأس *** حليفه بالصدق تاجا
والصدق يقدح زنده *** في كل ناحية سراجا
في زمن الخداع والتضليل الاعلامي نداء من رب العالمين للعقلاء والحكماء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] كونوا مع الصادقين في أي حزب كانوا، وفي أي مكان كانوا، كونوا مع الصادقين.
الصدق مرضاة البارئ ومَنجاة المسلم، والهادي إلى الجنة والمباعد من النار؛ من تحلى به كمل دينه وزكا قلبه وصفت نفسه وعظمت هيبته وزادت محبته وفرض احترامه وحسَّن مقامه.
الصدق روح الأعمال ومحك الأحوال ومقياس التقوى ودليل المروءة ومضفي الهيبة؛ وهو طريق السعادة ومجلبة البركة ورافع الدرجة ومورث الطمأنينة.
الصدق هو عنوان الأنبياء جميعا، كيف وهم رسل الصدق وباعثو أريجه في الناس؟ فكان الصدق وسامهم جميعاً. الخليل إبراهيم: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)[مريم:41] ابنه إسماعيل (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) [مريم:54]، نبي الله إدريس (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا)[مريم:56]. ويوسف (وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف:51].
أمر الله -تعالى- رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله بأن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق، فقال: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء:80]. إذا دخلت مدخل صدق في كل أحوالك وخرجت مخرج صدق في كل أحداثك، فقد جعل الله لك من لدنه سلطانا نصيرا؛ فلا تقلق.
أخبر -سبحانه- عن خليله إبراهيم -عليه السلام- أنه سأله أن يهب له لسان الصدق فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء:84].
وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق، ومقعد صدق، فقال: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس:2]، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر:54-55].
الصدق مِلح كل شيء ونكهته، بل هو أساس الرقي في الدنيا، والنجاة في الآخرة: (قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة:119].
ما أمس حاجتنا إلى عودة صادقة إلى رحاب الصدق، وتزوُّدٍ من مَعِينه، وتطيُّب بطِيبه، وتزين بجماله؛ خصوصاً في زمن كثر فيه الكذب وتلاشى الصدق، وامتهن الخداع وساد المكر وطغت المراوغة واستسيغ الغش، وأرعد النفاق وأزبد الباطل، حتى أصبح الصدق وأهله كالنجوم القليلة في الليل الحالك.
أين القادة الذين كذبوا على رسول الله وكذبوه وخادعوه وراوغوه؟ ألم يذهب كل أولئك أحاديث، وبقي صدق الصدّيق؟.
لقد أصبح الصدق اليوم معدِنَاً نادراً وخلقاً غريباً، وأصبحت البضاعة الرائجة بين الناس بضاعة الكذابين الدجالين المرتزقة؛ كَذِبٌ على شتى المستويات وجميع الطبقات؛ قلبٌ للحقيقة، وطمس لمعالمها.
ترى المسلمين فيما بينهم يقل مَن يصدق منهم مع إخوانه، بل يتفنن كثير منهم في خداع الآخرين والكذب على المؤمنين؛ كذب في الوعود، كذب في العهود، كذب في العقود، كذب في المسؤوليات، كذب في المبايعات، كذب في الأمانات، كذب في الحديث، كذب في العلاقات، كذب على الوطن.
وإن للصدق علامات؛ فمن علامات الصدق: طمأنينة القلب إليه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك, فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فالصادق مطمئن الخاطر, مرتاح البال, هادئ المشاعر, هانئ العيش، لا تعكر صدقه الأحداث، ولا تلعب بمبادئه الأموال، لا يتلون، ولا يتبدل؛ بل هو ثابت القول، ثابت المبدأ، ثابت الحقيقة، لا يخشى في الله لومة لائم...
التعليقات