شيء من آيات الله الدالة على قدرته (2)

محمد بن صالح بن عثيمين

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/بعض حكم الله في آياته الكونية 2/خلق الله للرياح وتسخيره لها وبعض حكم الله فيها 3/شكر الله على نعمة الغيث وكيفية ذلك

اقتباس

إن هذه الرياح اللطيفة يرسلها الله -تعالى-، فتحمل السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة التي تجري بها الأرض أنهارا، وتركد بحارا، ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال، فيحجب نور الشمس لكثافته، وتظلم الأرض من سواده وتراكمه، وتراه يتجمع وينضم بعضه إلى...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزل من السماء ماء طهورا ليحيي به بلدة ميتا ويسقيه مما خلق أنعاما وأناسي كثيرا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وكان الله على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فكان مثل ما بعثه الله به كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فالأول رجل فقه في دين الله، ونفعه وحي الله، فعلم وعلم، الثاني رجل حمل الوحي إلى غيره فنفعه، والثالث رجل لم يرفع بوحي الله رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسل به رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.

 

أما بعد:

 

أيها الناس: اتقوا ربكم واعبدوه: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) [البقرة:22].

 

(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف: 57 - 58].

 

أيها الناس: إن كل شيء في هذا الكون فيه لله آية تدل على وحدانيته، وكمال ربوبيته، وكمال قدرته وعظمته، وكمال حكمته ورحمته، تدل على أنه على كل شيء قدير: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ)[القصص:68].

 

(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر:44].

 

إن هذه الرياح اللطيفة يرسلها الله -تعالى-، فتحمل السحب الثقيلة المحملة بالمياه الكثيرة التي تجري بها الأرض أنهارا، وتركد بحارا، ويسوق الله هذا السحاب ثم يؤلف بينه فيجمعه حتى يتراكم كالجبال، فيحجب نور الشمس لكثافته، وتظلم الأرض من سواده وتراكمه، وتراه يتجمع وينضم بعضه إلى بعض سريعا -بإذن الله-، وإذا شاء الله أن يفرقه فرقه سريعا، فأصبحت السماء صحوا كأن لم يكن سحاب، قال أنس -رضي الله عنه-: "أصابت الناس سنة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب في يوم جمعة قام إعرابي، فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا؟ فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة قطعة غيم، فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الإعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا؟ فرفع يديه، وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر، فما يشير بيده إلى ناحية السماء إلا انفجرت، فتمزق السحاب فما نرى منه شيئا على المدينة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود"[البخاري (891) مسلم (897) النسائي (1518) أبو داود (1174) أحمد (3/194)].

 

أيها المسلمون: إن في هذا الحديث الصحيح، وفيما نشاهده نحن من هذه القدرة العظيمة لأكبر دليل على قدرة الله -سبحانه وتعالى-، وأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، بمرة واحدة: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)[القمر: 50].

 

إنه لآية على أن السحاب مسخر بأمر الله لا يتجاوز ما أمره به خالقه ومنشئه، ولقد حدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق عن رجل في فلاة من الأرض، سمع صوتا في سحابة: "اسق حديقة فلان" فأفرغ السحاب ماءه في حرة، وسال منها إلى حديقة الرجل، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فلم تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هو ماؤه، يقول: "اسق حديقة فلان" باسمك، فماذا تصنع في حديقتك؟ قال: أما إذا قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثا، يعني لعمارتها وحرثها.

 

أيها المسلمون: إن هذا الغيث الذي أنزله الله علينا لمن فضل الله ورحمته، فعلينا: أن نقوم بشكره، وأن نستعين به على طاعته، فإن من قام بشكر الله زاده الله، ومن كفر بنعمة الله حرمه الله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].

 

فاشكروا الله بالثناء عليه بألسنتكم، والتحدث بنعمته، واشكروا الله بالقيام بطاعته امتثالا للأمر، واجتنابا للنهي، واشكروا الله بالإنابة إليه بقلوبكم، واعتقاد أن هذه النعم فضل منه ورحمة وإحسان.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، واجعل ما رزقتنا عونا لنا على طاعتك، واغفر لنا ولجميع المسلمين.

المرفقات
شيء-من-آيات-الله-الدالة-على-قدرته-2.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life