عناصر الخطبة
1/ تأملات في قصة نبي الله موسى عليه السلام 2/ نجاة الصالحين وهلاك المتجبرين 3/ فضل يوم عاشوراء 4/ أهم الدروس والعبر المستفادة من القصة.اهداف الخطبة
اقتباس
وبين البدايةِ والنِّهايةِ في هذه المَلْحَمةِ العَظِيمَةِ، عددٌ من الدُّروسِ والعبرِ، التي لا تنتهي! وكيفَ تنتهي ونحنُ نقراُ مَصارِعَ الطُّغاةِ والظَّالِمينَ، في كتابِ رَبِّ العالَمينَ، بل ونحنُ لِذالِكَ مُعاينونَ! فأينَ من ترَبَّعوا على عُرُوشهم لِعشراتِ السِّينينَ؟ وجَثَوا على قُلوبِ شُعُوبهم مُفسدينَ؟ ألم تَرو هلاكَهُمْ وتَشهَدُوا خِزيَهُم في العالَمينَ؟ فصاروا صَرعى كالجُرذانِ! وهَلكى من وراءِ القُضبانِ! ومُشَرَّدينَ في البُلدانِ! وحَرْقَى في النِّيرانِ! أليسَ في ذالكَ عِبرةٌ لأُولي القُلُوبِ والعِرفَانِ؟!
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله قصَّ علينا من نَبأِ المُرسَلِينَ، أعزَّ المؤمنينَ، وَنَصَرَ المُتَّقينَ، وأَذَلَّ الطُّغاةَ وأَهلَكَ المُستكبرينَ، نشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ ربُّ العالَمينَ، ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ بخيرِ شَرْعٍ ودِينٍ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، ومن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: عبادَ اللهِ: اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ تقواهُ,واشكرُوا فضائِلَهُ ونَعمَاهُ.
أيُها المؤمنونَ: قصةُ موسى -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- مع فِرعونَ قِصةُ صِراعٍ طَويلٍ بين الحقِّ والباطلِ, فقد ابتلى اللهُ بني إسرائيلَ بفرعونَ, فَعَلا في الأرضِ وسامَهم سوءَ العذاب وجَعَلَ يَستضعفُ طَائِفةً منهم يُذبِّحُ أبناءَهم وَيستَحييِ نِساءَهم إنَّهُ كانَ من المُفسدِينَ، فأرادَ اللهُ أنْ يُنقِذهم بموسى ابن ِعمرانَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5-6].
وتأمَّل يا مؤمن: فرعونُ قد حُذِّر من أَحدِ غلمانِ بني إسرائيلَ! وأمُّ موسى خَافت على ولِيدِها من بطشِ فرعونَ وجندِه فَيَشاءُ اللهُ أنْ يتربَّى الغلامُ في بيت الطَّاغيةِ! لِيَغْذِيَهُ ويُرَبِّيَهِ في قصرِهِ وتحتَ رعايتِه وإشرافِه! ثُمَّ فِرعَونُ يَبحَثُ بِنَفسِهِ لِمُوسى عنِ المَرَاضِعِ (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) [القصص: 7]!
وتنتهي مدةُ الرَّضَاعِ، وَيبلُغُ موسى أشُدَّهُ، ويَكتَمِلُ نُضجَهُ، وفي يوم يَتَجوَّلُ مُوسى في المدينةِ، في وقت تَغفو فيه العيونُ (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) [القصص: 15].
فَأجمَعوا على قَتلِهِ، فَنَصَحهُ نَاصِحٌ بالخروجِ من البلادِ (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ) [القصص: 21]، حتى دَخَلَ مَدينَ وَقَضَى فيها أَبَرَّ الأَجَلينِ وأوفَاهُمَا، ثُمَّ استَأذَنَ صِهرَه بِالرُّجوعِ إلى مِصرَ التي قَتلَ فيها بالأمسِ رَجُلاً! فَهل يا تُرى نَسيَ موسى أنَّهم يَطلُبُونَهُ ثأراً؟ حقَّاً إنِّها إرادَةُ اللهِ الذي قَالَ: (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يا مُوسَى) [طه: 40].
وفي الطريق اشتدَّ البَردُ، وَفَقَدَ النَّارَ، وَضَلَّ الطَّرِيقَ، وبينما هو في هذه الظروفِ القَاسِيَةِ (إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) [طه: 10].
فَأَتاها فإذا هي نُورٌ عَظيمٌ يَتَلأَلأُ، وَعندَهَا خيرٌ كَثيرٌ: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 10 - 14].
وهنا نُبِّئَ موسى وأُرسلَ، وَيأتِيهِ أمرُ اللهِ بالدَّعوة! اذهبْ إلى رَأسِ الكُفرِ والطُّغيانِ (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [النازعات: 17]، وموسى يَعرِفُ مَنْ هو فِرعونُ! فَيسألُ اللهَ العونَ وتَيسيرَ الأمرِ وَشرحَ الصَّدرِ، ويأخذُ أخاهُ هارونَ وَيتَوجَّهَانِ إلى فِرعونَ، وَيَبْدَأُ دَعوَتَهُ لِفرعونَ بقولِهِ: (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء: 16].
هكذا من أوَّلِ لَحظَةٍ، لِيُشعِرَهُ أنَّهُ لَيس ربَّاً ولا إِلَهاً، فيتعجَّبُ فرعونُ لِمَا يَرَى ويَسمَعُ! فَآخِرُ العهدِ بهِ أنَّه كانَ رَبِيبَاً في قَصرِهِ، وأنَّه هَرَبَ من القَتلِ! (أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) [القصص: 18].
بل أيُّها المؤمنِونَ: وَطَلَبَ من فرعونَ بكلِّ صَرَاحَةٍ ووضوحٍ: (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى) [طه: 47] فَيسألُهُ أوَلَكَ ربٌّ غَيرِي (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].
ويُسقََطُ في يدِ فِرعَونَ، بعد انتصارِ مُوسى على السَّحَرَةِ فَيلجَأُ إلى القُوةِ، ويهدِّدُ بالسَّجَنِ والعَذَابِ الأليمِ، وهذه لُغةُ الطُّغَاةِ والمُجرِمِينَ في كُلِّ عَصْرٍ ومِصْرٍ (لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء: 29].
أيُّها المسلمون: وحين نَتَجَاوزُ كَثِيراً من المَشاهدِ وَنَصِلُ إلى نِهايةِ القصَّة، نجدُ أنَّ موسى والمؤمنونَ معهُ يَفرِّونَ بِدينِهم من وجهِ الطَّاغيةِ بأمرِ اللهِ، ويُصرُّ فِرعُونُ وجندُه على الَّلحاق بهم، بعد تَدَخُّلِ أهلِ الأَهوَاءِ والمَصَالِحِ، لِيهيِّجُوا فرْعَونَ على موسى ومن معه، وَيُخَوِّفُونَهُ عَاقِبَةَ التَّهاوُنِ في أمرِهِم.
ثم ها هيَ المعرَكَةُ تَصِلُ إلى ذِروتِها، فَمُوسى وقومُهُ بِوحي ٍمن الله يَسِيرُونَ لَيْلاً لأنَّهم مُّتَّبَعُونَ! حتى صاروا أمامَ بَحْرٍ مُتلاطِمٍ! ليس لَهم سَفِينَةٌ، ولا يَملِكُونَ خَوضَهُ، وما هُم بِمُسَلَّحِينَ، وقد قَارَبَ فِرعونُ وجنودُه يَطلُبونَهم وهم لا يَرحَمُونَ، (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61]، فَيَبلُغُ الكَربُ مَداهُ، وَيصِلُ الضِّيقُ مُنتَهَاهُ، إلاَّ أنَّ مُوسى عليهِ السَّلامُ (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].
كلا بهذا الجزمِ والثَّبَاتِ واليَقِينِ! فالبحرُ والسَّمَواتُ، والأَرَضُونَ والبَشَرُ، كلُّهم مُلكٌ للهِ رَبِّ العالَمينَ يُصرِّفُهم كَيفَ يَشاءُ وهو أحكمُ الحاكِمينَ، ثمَّ ها هو طريقُ النَّجَاةِ يَنفَتِحُ من حيثُ لا يَحتَسِبُون (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَسَاً) [طه: 77].
فسبحانَ أحكمَ الحاكمينَ، ينشقُّ طَرِيقٌ يَابِسٌ كأنَّه لَمْ تُصبْهُ قَطْرَةُ مَاءٍ من قبلُ! فَتَسيرُ الطَّائِفَةُ المًؤمِنَةُ واللهُ يَرقبُها واثِقَةً بنصرِهِ، مُؤمِنَةً بوعدِهِ، فَيُنَجِّيهمُ اللهُ تعالى، فلمَّا تَكاملَ قومُ موسى خَارِجِينَ، وَتَكامَل قومُ فِرعونَ دَاخِلِينَ، جَاءَهم المَوجُ من كلِّ مَكَانٍ، فكانوا مُهلَكِينَ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 67-68].
رَوَى الإمَامُ أَحمدُ والتَّرمِذِيُّ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا أَغْرَقَ اللهُ فِرْعَونَ قَالَ: آمَنْتَ أَنَّه لا إِله إلَّا الذي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ جِبْريلُ: يَا مُحَمَّدُ، فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ". صَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ.
نَعم إنَّهُ يَومُ عَاشُورَاءَ الذي صَامَهُ مُوسى ومُحمدٌ والمُؤمِنُونَ شُكراً للهِ تَعالى.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُم وَأستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم فاستغفروا من كلِّ ذَنْبٍّ إنِّه هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وليِّ الصالحينَ، ولا عدوانَ إلا على الظَّالِمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّد المرسلينَ، وإمامِ المتقينَ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
إخوة الإيمانِ: وبين البدايةِ والنِّهايةِ في هذه المَلْحَمةِ العَظِيمَةِ، عددٌ من الدُّروسِ والعبرِ، التي لا تنتهي! وكيفَ تنتهي ونحنُ نقراُ مَصارِعَ الطُّغاةِ والظَّالِمينَ، في كتابِ رَبِّ العالَمينَ، بل ونحنُ لِذالِكَ مُعاينونَ! فأينَ من ترَبَّعوا على عُرُوشهم لِعشراتِ السِّينينَ؟ وجَثَوا على قُلوبِ شُعُوبهم مُفسدينَ؟ ألم تَرو هلاكَهُمْ وتَشهَدُوا خِزيَهُم في العالَمينَ؟ فصاروا صَرعى كالجُرذانِ! وهَلكى من وراءِ القُضبانِ! ومُشَرَّدينَ في البُلدانِ! وحَرْقَى في النِّيرانِ! أليسَ في ذالكَ عِبرةٌ لأُولي القُلُوبِ والعِرفَانِ؟!
فمن أعظَمِ دُروسِ القِصَّةِ: أنَّ نورَ اللهِ مهما حاولَ المُجرِمونَ طَمسَهُ فإنَّهُ غَالِبٌ وَظَاهِرٌ، وأنَّ الطُّغاةَ مهما تَطاولُوا فإنَّهم مُهلَكونَ! وإنْ أثروا في عقُولِ الدَّهماءِ حيناً، فإنَّ قلوبَ العبادِ بيدِ اللهِ تعالى يُصرِّفها كيف يشاءُ.
تَأَمَّلُوا يا مؤمنونَ سحرةُ فرعونَ، أوَّلُ النَّهارِ سحرةٌ، وآخرَهُ شُهدَاءُ بَرَرةٌ. فأينَ مِنحُ فِرعونَ وأعطياتُهُ! أينَ جُلساؤهُ ووزراؤهُ؟ فهذا دَرسٌ عمليٌّ يقضي بانتصارِ العقيدةِ على الحياةِ، وانتصارِ العزيمةِ على الأَلَمِ، وانتصارِ الإنسانِ على الشَّيطانِ! ولنا في شَامِ العِزِّ هذهِ الأيامُ أعظَمُ خَبَرٍ ومُدَّكرٍ!
عبادَ اللهِ: لقد عاش المُسلمونَ في أيامِ فِرعونَ ظُروفاً عَصِيبَةً، وصِلَ بهم الحالُ أن يُسِرُّوا بِصلاتِهم ويَتَّخِذُوا المَسَاجِدَ في بُيُوتِهم، فَيؤمرُوا بالصَّبرِ والاستِعَانةِ باللهِ، وبالتَوكُلِ عليهِ. (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا) [الأعراف: 128].
فالصَّلاةُ سِمةُ المُسلمِ في الرَّخاءِ والشِّدةِ. والتَّوكُّلُ زادٌ لهُ في كلِّ حالٍ، والدُّعاءُ وصِدقُ الُّلجوءِ إلى اللهِ فيهِ الفَرَجُ من الكُرُوب والخلاصُ من الظَّالِمِينَ.
إخوة الإسلامِ: ورابعُ الدُّروسِ تَكشُّفُ الخِدَاعِ الذي يُمارِسُهُ المُجرِمُونَ والطُّغاةُ على عامَّةِ النَّاس وجُهَّالِهم (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 123].
قال ابنُ كثيرٍ -رحمهُ اللهُ-: "وفرعونُ يعلمُ وكلُّ مَنْ لَهُ لُبٌ أنَّ هذا الذي قَالَهُ من أبطَلِ البَاطِلِ، وإنَّما قالَهُ تَستُّرَاً وتَدلِيساً على رَعَاعِ دَولَتِهِ وَجَهَلَتِهِم، فَيَا لِلهِ، العجَبُ صاروا يُشفِقُونَ من إفسَادِ موسى وقومِهِ، أَلا إنَّ فِرعونَ وقومَهُ همُ المُفسِدونَ ولكنْ لا يَشعرُونَ".
أيُّها المؤمنون: ومع الخداع والتدليس على الدهماء تُقلبُ الحقائقُ، وُيَتَّهمُ الأبرياءُ وَيُسْجَنُونَ، فَلَيس كُلُّ مَن ادَّعى النَّزَاهَةَ وَالعَدَالةَ والإصْلاحَ، مُحِقَّاً صَادِقَاُ، وَلَيس كُلُّ مَن رُميَ بِالتَّطرُّفِ أَمْراً وَاقِعَاً، لَكِنَّها سُنَنُ الابْتلاءِ في المُؤمِنينَ!
القِصَّةُ يا عبدَ اللهِ: تُشعِرُكَ بِربَاطِ العَقِيدَةِ والدِّينِ مَهمَا كانَت فَواصِلُ الزَّمَنِ، فَيومُ نَجاةِ مُوسى عليهِ السَّلامُ يَومُ فَرحٍ عَظِيمٍ، وقد قالَ نبيُّنا محمدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ".
فَلم يَزلِ المُسلمونَ بحمدِ الله تعالى يَتَواصَونَ بِسُنَّةِ مُحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بِصيامِ هذا اليومِ، يَرجُونَ بِرَّه وَفضَلَهُ، وَأَنْ يُكفِّرَ اللهُ ذُنُوبَ السَّنَة َالتي قَبْلَها.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
اللهم وأعزَّ الإسلام والمسلمينَ وأذلَّ الكُفرَ والكافِرينَ ودمِّر أعداءَ الدينَ واجعل هذا البلد آمنا مُطمئنَّاً وسائِر بلادِ المسلمين، وَوفِّقْ ولاتَنَا وولاةَ المسلمينَ لِما تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البر والتقوى واغفر لنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.
عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عموم نعمه يزكم ولذكر الله أكبر واللهُ يَعلمُ ما تَصنعُونَ.
التعليقات