عناصر الخطبة
1/من أعظم مِنَن الله علينا 2/نعمة الإيمان والأمن والأمان 3/كيف نشكر الله تعالى على نعمه؟ 4/نعمة وحدة الصف واجتماع الكلمة 5/خطورة الجحود وكفران النعم 6/خصائص بلاد الحرمين.

اقتباس

تحدثوا إلى كبار السن منكم، واذكروا ما كانوا فيه وما ينقلونه عن آبائِهم من تفرُّق الكلمة، ومن الخوف، ومن الجوع والنقص، وما نحن فيه الآن من هذه النعم العظيمة من اجتماع الكلمة وجلب الخيرات ورغد العيش مما لو قام آباؤكم من قبورهم لظنُّوا أنكم في الجنة وأنكم لستم في الدنيا...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحبُّ ربنا ويرضى، نحمده -سبحانه- في الأولى وفي الأُخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادةً نرجو بها النجاةَ والفلاحَ في الدنيا وفي الأُخرى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده المُصطفى ونبيّه المُجتبَى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ أولي الفضلِ والمكانةِ والنُّهى وسلَّم تسليمًا كثيرًا أبدًا دائمًا مُحتفى.

 

أما بعد -عباد الله- فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعُروةِ الوثقى، فإن أجسادنا على النارِ لا تقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

 أيها المُؤمنون: إن أعظم مِنن الله -عَزَّ وَجَلَّ- علينا وعلى عباده أن هدانا للإيمان، وجعلنا من عبادهِ وأوليائِه المُسلمين، فهذه أجلُّ النِّعم وأعظمها على الإطلاق، وإن مِن نِعَم الله -عَزَّ وَجَلَّ- علينا: أمننا في أوطاننا، وأمننا في أهلينا وأسرابنا، وأمننا في أموالنا وأعراضِنا، وهذه نعمةٌ عظيمة لا يُقدِّر قدرها ولا يُجلُّ مكانتها إلا من جرَّب أضدادها -عياذًا بالله عَزَّ وَجَلَّ-.

 

وتأملوا -عباد الله- قول الله -جَلَّ وَعَلَا- في هذا المَثَل العظيم الذي ضربهُ لعباده وأوليائِه ليتفكروا ذلك المثل الذي ذكره في آية سورة النحل، وهي سورة إنعام الله على عباده؛ (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ‌كَانَتْ ‌آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ)[النحل: 112].

 

كلما قرأنا هذه الآية استشعرنا هذه النعم المتوالية علينا في بلدنا، فتدخل السوق فتجد فيه أنواع الخيرات جُلِبَت إليكم من أطراف الدنيا؛ من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها، نعمٌ في المآكل وفي المطاعم، ونعمٌ في الملابس والمراكب، ونعمٌ في الآلات، ونعمٌ لا تستطيعون عدًّا لأفرادها ولا إحصاءً لها.

 

 هذه النعم -يا عباد الله- إن لم تُثبَّت بالشُّكر وتُجوَّد بحمد الله عليها، وإلا فلسنا على الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأعزَّ من عباده الذين جحدوا نعمه.

 

1- وإن من شُكر النعم: الاعتراف بأن الله هو الذي أولاكم هذه النِّعم وحده لا شريك له.

2- ثانيها: من شُكر هذه النعم: التحدُّث بها ظاهرًا وباطنًا؛ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ‌فَحَدِّثْ)[الضحى: 11].

3- ومن شكر هذه النِعم -يا عباد الله- أن تستعملوها في طاعةِ الله، فلا تُقابَل هذه النعم بالجحودِ والكُفران فيحلُّ علينا ما حلَّ على مَن ضرب الله بهم المثل؛ قال نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أصبح آمنًا في سربه، معافًى في بدنه، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها"(أخرجه الترمذي وابن ماجه).

 

 ومن نِعَم الله علينا التي نتحدَّث بها شُكرًا لله وله بها علينا المنةُ والفضل: نعمة اجتماع الكلمة، فلا اضطرابات، ولا قلاقل، ولا أحزاب، بل كلمةٌ واحدة وجماعةٌ واحدة يسوسنا وليّ أمرنا بكتاب الله وبسُنةِ رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس هذا -يا عباد الله- ضربًا من الخيال أو الأمل بل هو -والحمد لله- واقعٌ نعيشه ونحسه.

 

فميثاقُ هذه الدولة ودستورها هو كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وميثاقها هو كتاب الله وسُنةُ رسولهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والدروج على ما درج عليه السلف الصالح من الصحابةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- والتابعين وتابعيهم بإحسان، لا نزال نُعيدها ونكررها بل ونفخر بها ونُطبقها ما أمكننا إلى ذلك سبيلًا.

 

إن هذه النِعم لا يُعرف قدرها -يا عباد الله- إلا لمن أحسَّ أو تفكَّر أو جرَّب ضِدها، ولكم عبرةٌ فيما حواليكم من الدول كيف كانوا ثم كيف صاروا؛ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا ‌حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)[العنكبوت: 67].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ‌كَانَتْ ‌آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيهِ يُكافئ النِّعم ويوافي المزيد منها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وإيمانًا وتوحيدًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا مزيدًا، وعلى آله وأصحابهِ ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد -عباد الله- تحدّثوا إلى كبار السن منكم، واذكروا ما كانوا فيه وما ينقلونه عن آبائِهم من تفرُّق الكلمة، ومن الخوف، ومن الجوع والنقص، وما نحن فيه الآن من هذه النعم العظيمة من اجتماع الكلمة وجلب الخيرات ورغد العيش مما لو قام آباؤكم من قبورهم لظنُّوا أنكم في الجنة وأنكم لستم في الدنيا.

 

والله إننا نخاف -كما نسمع من آبائنا وشُيوخنا- ما كانوا فيه من الشظف والشدة والخوف والقلق أن نُحدِّث أولادنا وأحفادنا بعد مدة بما نحن فيه الآن من أنواعِ النعم ورغدِ العيش، فإن هذه النعم إنما تُجوَّدُ بشكر الله عليها، وإنما تُوثَّق بحمد الله عليها، وإنما تطير هذه النعم بالجحودِ والكفران.

 

ليس من نِعم الله علينا أن نقابل ذلك باللهو والطرب ومعصيةِ الله، وهو يتفضَّل علينا صباحًا ومساءً، وفي مدار العام بهذه النِّعم بأنواعها وأشكالها، وإن نعم الله إنما تجوَّد بالشُّكرِ عليها يا عباد الله، بالشكر لله عليها، وبالثبات وبحمد الله وباجتماع الكلمةِ وبالخوفِ من ضدها، فإن الضد يُظهر حُسنه الضدُّ، وبضدها تتبين الأشياءُ.

 

واعلموا -عباد الله- أن الله خصَّكم في هذه البلاد بخصائص لم تكن في غيركم، فأنتم قِبْلةُ المُسلمين، وفي بلادكم مقدّساتها، وتقوم دولتكم على رعايتها ورعاية قاصديها من الحُجَّاجِ والعمَّار والزوار، حتى عُدَّ ذلك مفخرة لها بين الدولِ والممالك، وأنتم تُحكِّمون شرع الله، وتتحاكمون إليه، وأنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر بحسب وُجدكم وطاقتكم، وأنتم ترعون قضايا المُسلمين وتحسون بأحاسيسهم وتشعرون بشعورهم وتُساعدون منكوبيهم، وهذه الخصائِص -يا عباد الله- من نعم الله علينا وفضلهِ إلينا ليس لنا فيها حسبٌ ولا قوة إلا ما وفق الله -عَزَّ وَجَلَّ- إليه.

 

ثم اعلموا أن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عزًّا تُعز به الإسلام وأهله، وذلًّا تذل به الكفر والشرك وأهله، اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، يعز فيه أولياؤك، وذلًّا تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى فيهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمنّا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم اجعله أمنًا ورحمةً على المُسلمين، بيدك الخير يا ذا الجلالِ والإكرام. اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهتدين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.

 

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراءُ إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مُغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًا طبقًا مُجللًا، اللهم سُقيا غيثٍ ورحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرق.

 

 اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطارِ والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والزنا والزلازل والمِحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن بلدان المُسلمين عامةً يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرةِ حسنة وقنا عذاب النار، وقوموا رحمكم الله إلى صلاتكم.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life