شكراً أيها المعلم

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/عظم الجهد الذي يبذله المعلمون 2/دور المعلم في صناعة الأجيال 3/وجوب تقدير المعلم وإكرامه

اقتباس

كم من كلمةِ مُعلمٍ صادقٍ صنعتْ في تاريخِ الأمَّةِ مَجداً!، وكم من تشجيعٍ وتحفيزٍ أثارَ في نفوسِ الطَّالبِ وَجداً!؛ فها هو صحيحُ البخاري الذي هو أصَّحُ الكتبِ بعدَ كتابِ اللهِ -تعالى-، كانَ اقتراحاً من معلمٍ لطلابِه...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ الرَّحْمَنِ، خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانَ، وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ العِلْمَ أسَاسَ الفَوْزِ والنَّجَاحِ، وَالتَّقَدُّمِ وَالصَّلاحِ، وَأشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وأَمِينُهُ علَى وَحْيِهِ، وَرَحْمَتُهُ لِعِبَادِهِ، عَلَّمَهُ رَبُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَظِيماً، صَلَّى اللَّهُ عليهِ وَعلَى آلِهِ الأطْهَارِ الأبْرَارِ، وَأصَحْابِهِ الأَتْقِيَاءِ الأَخْيَارِ، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَمْ وَعَمَّنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ القَرَارِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: عندما بدأَ التَّعليمُ عن بُعدٍ، حصلَ في البيوتِ استنفارٌ كبيرٌ ورُفعتْ الحالةُ الطَّارئةُ؛ فهناكَ طالبٌ أو اثنانِ يحتاجونَ إلى تهيئةِ البيئةِ التَّعليميةِ الهادئةِ، الأجهزةُ الذَّكيةُ مشحونةٌ، وإشارةُ الإنترنت مَأمونةٌ، افتحوا المنصَّةُ، فقد بدأتْ الحِصةُ، الأبُّ يراقبُ الوضعَ ليتأكدَ من المتابعةِ والتَّركيزِ، والأمُّ تأتي بالماءِ وما يحتاجُه هذا الطَّالبُ العزيزُ، انتبهْ أيَّها الولدُ، شاركي أيتَّها البنتُ، افتحوا الكتابَ، نافِسوا الطُّلابَ، اختلطتْ المشاعرُ، بينَ صبرٍ وحلمٍ، وبينَ حَربٍ وسِلمٍ، تشجيعٌ ثُمَّ تهديدٌ، مدحٌ ثُمَّ وَعيدٌ، استقبالٌ لمكالماتِ ورسائلِ الإدارةِ، عن الواجباتِ أو المُشاركةِ أو انقطاعِ الإشارةِ، أربعُ ساعاتٍ، تستنفذُ الطَّاقاتُ.

 

وهُنا يتأملُ الإنسانُ تأملاً عميقاً، ثُمَّ لا يملكُ إلا أن يقولَ: عجباً لكَ أيَّها المُعلمُ!، لقد استنزفَ جُهدَنا ووقتَنا طالبٌ واحدٌ أو اثنانِ، فكيفَ كنتَ تفعلُ في فصلٍ فيهِ ثلاثونَ طالباً؟!، وكيفَ كُنتَ تضبطُ النِّظامَ وتُمسكُ بالزَّمامِ؟!، كيفَ صبرتَ على أبنائنا حيثُ لم نستطعْ نحنُ عليهم صَبراً؟!.

 

لقد علمنا اليومَ علمَ يقينٍ، فضلَ ومكانةِ المُعلمينَ، واستشعرنا شرفَ المُهمةِ التي يقومونَ بها، وحُقَّ لأمثالِ هؤلاءِ ثناءُ اللهِ -تعالى- عليهم, ودعاءُ الكونِ لهم، كما قالَ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ"، فلكم مِنَّا كلُّ الشَّكرِ والتَّقديرِ.

 

يستطيعُ العَالمُ أن يستبدلَ التَّعليمَ التَّقليديَّ بالتَّعليمِ عن بعدٍ، ويستبدلَ الفصلَ الدِّراسيَّ بالفصلِ الافتراضيِّ، ويستبدلَ الكُتبَ الورقيةَ بالأجهزةِ الذَّكيةِ، ويستبدلَ المناهجَ العاديةَ بالمناهجِ الرَّقميةِ، ولكن أينَ نجدُ للمعلمِ القُدوةِ الصَّادقِ المُخلصِ النَّاصحِ المربي بديلاً؟.

 

كم من كلمةِ مُعلمٍ صادقٍ صنعتْ في تاريخِ الأمَّةِ مَجداً!، وكم من تشجيعٍ وتحفيزٍ أثارَ في نفوسِ الطَّالبِ وَجداً!؛ فها هو صحيحُ البخاري الذي هو أصَّحُ الكتبِ بعدَ كتابِ اللهِ -تعالى-، كانَ اقتراحاً من معلمٍ لطلابِه، يَقولُ محمدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ -رحمَه اللهُ-: "كنتُ عندَ إسحاقَ بنِ رَاهويه، فقالَ لنا: لو جَمعتم كتابًا مُختصرًا لسُننِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ-، فَوقعَ ذَلكَ في قَلبي، فَأخذتُ في جَمعِ هذا الكتابِ"؛ ثُمَّ كانَ صحيحَ البخاري، وها هو الإمامُ الذَّهبيُّ مُحدِّثُ الأنامِ، ومؤرِّخُ الإسلامِ، ومُترجمُ الأعلامِ، يصنعُه معلمٌ، يقولُ -رحمَه اللهُ- عن شَيخِه عَلَمِ الدِّينِ البِرزَالي: "وكانَ هو الذي حَبَّبَ إليَّ طلَبَ الحديث؛ فإنَّه رأى خَطِّي فقَالَ: خَطُّكَ يُشبِهُ خَطَّ المحدِّثينَ"، قالَ الذَّهبيُّ: "فأثَّر قَولُه فيَّ"؛ فأصبحَ من علماءِ الإسلامِ.

 

فشُكراً من القلبِ لكَ -أيَّها المعلمُ-, يقولُها لكَ تلميذُكَ الذي أصبحَ أميراً ووزيراً ومسؤولاً يقودُ حضارةَ البلادِ، ويقولُها لكَ تلميذُك الذي أصبحَ طَبيباً يُحاربُ الوباءَ ويُعالجُ العبادَ، ويقولُها لكَ تلميذُكَ الذي أصبحَ مُهندساً يبني الازدهارَ والأمجادَ، ويقولُها لكَ تلميذُك الذي أصبحَ رَجلَ أمنٍ يُحاربُ أهلَ الفسادِ!.

 

زَرَعَ المعلمُ في الصُّفوفِ نَخيلا *** يُعطِي وَيثمرُ عَالِماً وَجَليلا

مَا انفكَّ يَسقي كلَّ يومٍ غَرسَهُ *** وَيدلِّلُ الأزهارَ والإكليلا

فَنَمَتْ مِن الفعلِ الجَميلِ حَضارةٌ *** بَل أصبَحَ البلدُ البَسيطُ جَمِيلا

 

أقولُ قَولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ؛ إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقَلمِ، علَّمَ الإنسانَ ما لم يَعلَم، والصَّلاةُ والسَّلامُ على النبيِّ الأكرَم، نبيِّنا ومعلِّمنا محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وعَلى آلِه وصَحبِه وسَلَّمَ.

 

أما بعد: في كتابِ طرائفِ النوادرِ عن أصحابِ المآثرِ للدكتورُ عليُّ القاسمي: "أنَّ الأستاذَ الدكتورَ عبدَ المنعمِ تِلِّيمةَ، أُستاذَ النقدِ الأَدبي في جَامعةِ القَاهرةِ يَقولُ: كنتُ أَعملُ أَستاذًا للغةِ العربيةِ باليابان خِلالَ الثمانينات، وحَصلتُ على رَاتبٍ أَعلى من رَاتبِ رَئيسِ الوزراءِ الياباني، فخِفتُ أن يكونَ هُناكَ خَطأٌ ويُطالبوني بردِّ المبلغِ بعدَ ذلك، فذهبتُ إلى مسؤولِ المالياتِ في الجامعةِ، فقَالَ لي: إنَّ قَانونَ الرواتبِ في اليابان مُوحَّدٌ على الجميعِ، وإن درجتي العلميةَ أَعلى من دَرجةِ رَئيسِ الوزراءِ، وسَنواتِ خِبرتي أَكثرُ منه، إضافةً إلى تَميِّزِ المعلمِ ومَكانتِه التي تُعتبرُ أَعلى من رَئيسِ الوزراءِ اليَاباني؛ لذلك تَستحقُ رَاتباً أَكثرَ من رَئيسِ وزرائنا".

 

هل سمعتُم هذه القصةَ الحقيقيةَ التي حَدثتْ في اليابان؟، هل علمتُم سببَ تقدُّمِها سَريعاً على كثيرٍ من البُلدانِ؟، وهكذا كلُّ من أرادَ الوصولَ إلى قِممِ الجبالِ الشَّاهقاتِ، فعليهِ بمعرفةِ قَدْرِ وتعظيمِ حقِّ المُعلمينَ والمُعلماتِ؛ فهم الذينَ صَنعوا رجالَ الدَّولةِ من أصغرِ موظفٍ إلى أكبرِ مسؤولٍ؟، وهم الذينَ يستثمرونَ في الأجيالِ ويَصنعونَ العقولَ؟، ومهما حاولنا من الثَّناءِ والتَّعبيرِ لن نُوفيَهم حقَّهم من الشُّكرِ والتَّقديرِ.

 

أعطوا المعلمَ ما يُعيدُ بَهاءُه *** ليعودَ يُسرجُ في الدُّجى قِنديلا

زيدوهُ زَيتاً كي يُنيرَ بنورِه *** فَيعمَّ خيرٌ يَستمرُّ طَويلا

وَضَعوهُ فَوقَ رؤوسِنا وجباهِنا *** كي يأخذَ التَّبجيلَ والتَّقبيلا

 

اللهمَّ وَفِّقْ المعلمينَ والمعلماتِ لكلِّ خيرٍ، اللهم وفقْ أهلَ التربيةِ والتعليمِ لكلِ خيرٍ، اللهم اجعلهم أداةَ خيرٍ وصلاحٍ لأمتِنا يا ربَّ العالمينَ، اللهمَ أصلحْ بهم البلادَ والعبادَ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وَفِّقْ الطلابَ والطالباتِ في عامِهم الدراسيِّ الجديدِ، ونَوِّرْ طريقَهم، واحفظهم من كلِّ سوءٍ، اللهم من أرادَ بنا أو بتعليمِنا سوءًا فأشغله في نفسِه، واجعلْ كيدَه في نحرِه، يا ربَّ العالمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافكَ واتقاكَ واتبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ.

 

المرفقات
DQkpSIh4W5yGxSmNQZ0uoRVhO4hKhmhtCrDIyh0k.doc
mvCk7cRGxLLOMFAetCt5XM5S1cdlwPBzSBnD8LE7.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life