عناصر الخطبة
1/لا تنتظر مواسم الخير فقد لا تدركها 2/شعبان بين يدي رمضان كالنافلة بين يدي الفريضة 3/جواز تعجيل إحراج الزكاة للحاجة وشعبان فرصتها

اقتباس

ولذلكَ فإنَ صيامَ شعبانَ آكَدُ من صيامِ شهرِ محرمٍ؛ لثلاثةِ أسبابٍ: لمواظبتهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صومِ أكَثَرِهِ، ولأن صومَه يُشْبِهُ سُنَّةَ فرضِ الصلاةِ قبلَها.. ولأنهُ شهرٌ مغفولٌ عنهُ.

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ كما خلقْتَنا ورزقْتَنا وهديتَنا، لكَ الحمدُ بالإسلامِ والقرآنِ والإيمانِ، ولكَ الحمدُ بالأهلِ والمالِ والمُعافاةِ، بسطْتَ رزقَنا، وأظهرْتَ أمنَنا، وجمعْتَ فُرقتَنا، ومِنْ كلٍ -واللهِ- ما سألناكَ ربَنا أعطيتَنا، أشهدُ ألا إلهَ إلا أنتَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُك ورسولُك. صلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعينَ، أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ؛ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).

 

عبادَ اللهِ: لماذا نلبثُ في الأرضِ عددَ سنينَ؟ أليسَ لنَعبُرَها ولِنَعمُرَها بالعملِ الصالحِ؛ فالبِدارَ البِدار، ولندَعِ الأمانيَ والاغترارَ.

 

أليستْ هذهِ الدنيا مزرعةً للآخرةِ؟ إذًا لماذا نُفرِّطُ بمواسمِ الخيراتِ؟

 

يا عبدَ اللهِ: أتنتظرُ رمضانَ حتى تُفتحَ لكَ أبوابُ الجنةِ الثمانيةِ؟! لا تنتظرْ؛ فإنها لحياةٌ طويلةٌ إنْ بقيتَ تنتظرُ.

 

بادِرْ وأبشرْ؛ فقد أعطانا -ربُنا الكريمُ- شهرًا مَوسِمِيًا أشبهَ ما يكونُ بدورةٍ تأهيليةٍ لرمضانَ، ألا وهو شهرُ شعبانَ الذي يَغفَلُ عنهُ الناسُ، فلا يَصومُونَهُ، وقد كانَ نبيُكم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومُ شعبانَ كلَّه إلا قليلاً، كما في الصحيحينَ([1]).

 

ولما كانَ شعبانُ كالمقدمةِ لرمضانَ؛ فقد شُرِعَ فيه قريبٌ مما شُرعَ في رمضانَ من الصيامِ وقراءةِ القرآنِ؛ ليَحصلَ التأهبُ لرمضانَ، واللهُ أعلمُ مَن سيُدركُه ومَن لا يُدركُه، وانظرُوا كم دفنَّا بينَ رمضانينٍ، وقد كانُوا يُؤملُونَ كما نُؤملُ أن يُدركُوا، ولكنَّ اللهَ قد قضَى بقطِع آجالِهم، وأبقانا بعدَهم.

 

فاللهم زدْ في أعمارِنا وأعمالِنا، ومِتعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقواتِنا، واستعمِلْنا ولا تستبدِلْنا.

 

ولذلكَ فإنَ صيامَ شعبانَ آكَدُ من صيامِ شهرِ محرمٍ؛ لثلاثةِ أسبابٍ: لمواظبتهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صومِ أكَثَرِهِ، ولأن صومَه يُشْبِهُ سُنَّةَ فرضِ الصلاةِ قبلَها.. ولأنهُ شهرٌ مغفولٌ عنهُ.

 

فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخُصُّ شَعْبَانَ بِصِيَامِ أَكْثَرِهِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ"؛ فَالْجَوَابُ أَنْ يَكُونَ الحَدِيْثُ مَحْمُولًا عَلَى التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ، ومَا كَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ تَشْبِيهٌ لَهُ بِالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَالرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ المُطْلَقَةِ.([2])

 

فاعقدِ العزيمةَ على أنْ تصومَ كثيراً منْ شعبانَ، فإنْ ضعُفْتَ فصُمْ يومًا وأفطرْ يومًا، فإنْ عجَزْتَ، فصُمِ الاثنَيناتِ والخَمِيساتِ والبِيْضَ، فهذهِ تسعةُ أيامٍ؛ فإنْ كسِلْتَ فلا أقلَ منَ الاثنَيناتِ الشَّعبانيةِ، وعَددُهنَ ثلاثةُ أيامٍ، وأما القرآنُ في شعبانَ؛ فقدْ قالَ سلمةُ بنُ كُهيلٍ: كانَ يُقالُ شهرُ شعبانَ شهرُ القُرَّاءِ([3]).

 

والخلاصةُ أن شعبانَ كالسُنةِ الراتبةِ بين يدَي رمضانَ، وكالدورةِ التدريبيةِ التمهيديةِ قبلَهُ، فلتتدربْ ولتزودْ ولتزدْ من أعمالِكَ الصالحةِ فيهِ، فإن كنتَ في رجبٍ تقرأُ جزءًا في اليومِ فزِدْها، وإن كنتَ لا تصومُ قبلَ شعبانَ فصُمْ فيه، وإن كنتَ تمكثُ في المسجدِ يسيرًا، فزدْ مُكوثَكَ، حتى إذا دخلَ عليكَ رمضانُ كنتَ في إقبالٍ وازديادٍ: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[البقرة 223].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُنِجينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ: فيا أيُها الإخوةُ: مما ينبغي التنبيهُ والتنبهُ له: أن المحتاجينَ في شعبانَ تشتدُ الضائقةُ عليهم؛ فيا مَن أنعمَ اللهُ عليهِ وأغناهُ من فضلهِ: أحسِن كما أحسَنَ اللهُ إليكَ؛ فإنك كلما تقربتَ للهِ بالإحسانِ لعبادِ اللهِ قَرُبَتْ منك رحمةُ اللهِ. ألم تسمعُوا لقولِ ربِنا –سبحانَه-(إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ).

 

وغالبُ المزكينَ لا يُخرجونَ زكاتَهم إلا في رمضانَ! فمن المتأكدِ إخراجُ الزكاةِ في شعبانَ بدلاً من رمضانَ، فإن تعجيلَ الزكاةِ جائزٌ، والتعجيلُ أفضلُ عند اشتدادِ الحاجةِ، وأقاربُكم وفقراءُ جيرانِكم أولى بإحسانِكم.

 

ومن المسائلِ المهمةِ في شعبانَ التأكيدُ على مَن بقيَ عليهِ قضاءٌ من رمضانَ الماضي أن يبادرَ فيهِ؛ فلم يبقَ إلا القليلُ.

 

أما إن كانَ عاجزاً عن الصيامِ فلا حرجَ عليهِ في التأخيرِ، ولو تأخرَ رمضانَين أو أكثرَ، ثم يقضي فقطْ بلا إطعامٍ([4]).

 

·             فاللهم أقبِل بقلوبِنا على طاعتِك.

·             اللهم سلّم لنا رمضانَ الفائتَ، وسلِمْنا لرمضانَ الآتي. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.

·             اللهم يمِّنْ كتابَنا، ويسِّرْ حسابَنا، وثقِّلْ موازينَنا، وحقِّقْ إيمانَنا، وثبِّتْ على الصراط أقدامَنا، وأقرَّ برؤيتِك يومَ القيامةِ عيونَنا.

·             اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.

·             اللهم كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ فلاَ تَنْزِعْهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون.

·             اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِكَ بكَ، وأفْقَرَ خَلْقِكَ إليْكَ. اللَّهُمَّ أغْنِنَا عَمَّنْ أغْنَيْتَهُ عَنَّا، اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا.

·             اللهم واحفظْ علينا دينَنا، وأعراضَنا، وفرج همومَنا، واقضِ ديونَنا.

·     اللهم يا من حَفِظتَ بلادَنا طيلةَ هذهِ القرونِ، وكفيتَها شرَ العادياتِ الكثيراتِ المدبَّراتِ الماكراتِ، اللهم فأدِمْ بفضلِكَ ورحمتِكَ حِفْظَها من كل سوءٍ وضراءٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ النماءِ والرخاءِ.

·                   اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ ويهودَ الغاصبينَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ.

·             اللهم أنجِ إخوانَنا المظلومينَ في غزةَ.

·             اللهم احفظْ جنودَنا في حراساتِهمْ وثكناتِهمْ وتفتيشاتِهمْ، واخلُفهُمْ في أهليهمْ بخيرٍ.

·             اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووليَ عهدِه لما فيهِ عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ.

·             اللهم يا ذا النعمِ التي لا تُحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ أبدًا.

 

 

([1])رواه البخاري (196) ومسلم (1156).

([2]) بتصرف من تهذيب السنن لابن القيم (3/ 318) وعون المعبود وحاشية ابن القيم (7/ 60)

([3])لطائف المعارف (ص: 135)

([4])المصدر السابق (17 / 284)

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life