عناصر الخطبة
1/ السعادة جزاء لطاعة الله والشقاء جزاء معصيته 2/ حديث أصحاب الغار 3/ قصة الكفل وتوبته 4/ غصب العمال حقوقهماهداف الخطبة
اقتباس
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقص علينا قصة تبين لنا أن الخلاص للإنسان عندما تحيط به الكربات، وينقطع حبل الرجاء من العباد في هذه الأحوال، هناك باب من لا ينقطع منه الرجاء، فهو حاضر أبداً، قادر أبداً، يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء -سبحانه وتعالى-. ويبيّن لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة أثر العمل الصالح وثماره المباركة التي يجنيها الفاعل لها، إنه من التوسل بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد ليسلك طريق النجاة والسعادة.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أحبابنا في الله: إن سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة منوطة في طاعة الله ورسوله، وسلوك الأعمال الصالحة التي تقربه عند الله زلفى، وإن ثمار هذه الأعمال المباركة يجنيها في الآخرة جنة وفرحة وسروراً، وفي الدنيا سعادة وسلامة من الكروب والمحن، التي يتعرض لها، وإن شر ما يصاب به الإنسان هو الغفلة عن الهدى، والإعراض عن طريق الرشد اتباعاً للهوى، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- يقص علينا قصة تبين لنا أن الخلاص للإنسان عندما تحيط به الكربات، وينقطع حبل الرجاء من العباد في هذه الأحوال، هناك باب من لا ينقطع منه الرجاء، فهو حاضر أبداً، قادر أبداً، يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء -سبحانه وتعالى-.
ويبيّن لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذه القصة أثر العمل الصالح وثماره المباركة التي يجنيها الفاعل لها، إنه من التوسل بالأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد ليسلك طريق النجاة والسعادة.
أخرج البخاري ومسلم: (3743) عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر، فآووا إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها، لعل الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي، فسقيتهما قبل بني، وإنه نأى بي ذات يوم الشجر، فلم آتِ حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما، والصبية يتضاغون -أي يصيحون- عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء".
لقد توسل أولهم ببره بوالديه، وكذلكم البر من أعظم الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى مولاه؛ لأن الله سبحانه قد قرن بين عبادته وتوحيده وبر الوالدين للدلالة على عظيم فضل البر والمسارعة إليه، وكما قيل: فالبر لا يبلى.
وهذا العبد كان يعمل راعياً، وأهل الرعي يعتمدون في غذائهم على ألبان أغنامهم وأبقارهم وإبلهم، وكان من عادة هذا الرجل أن يحلب بعد عودته، ثم يبدأ بوالديه، فيسقيهما قبل أولاده وزوجته.
إنه البر، كم في الناس اليوم الذين يقدمون بر آبائهم وأمهاتهم على رضا أبنائهم وزوجاتهم، الناظر في حال الناس اليوم يجد الواقع خلاف ما فعله هذا الراعي، الزوجة والأبناء أولاً، ثم يأتي بعد ذلك الآباء والأمهات.
إنه التفريط في الحقوق، والغبن الفاحش الذي يقع فيه بعض الجهلاء، نسأل الله الهداية.
وكان من واقع هذا الراعي أن ابتعد في أحد الأيام في طلب المرعى، فلم يعد إلا بعد مضي هزيع من الليل، فحلب كما كان يحلب، وجاء بالحلاب إلى والديه فوجدهما قد ناما، فكره أن يوقظهما، وكره أن يسقي صغاره قبلهما، فبقي ليله ساهراً، وإناء الحليب على يده، وصغاره يبكون عند رجليه، يريدون إطعامهم، وهو يكره إيقاظ والديه حتى طلع الفجر فسقاهم، ثم سقى صغاره وأهله بعدهما.
ولا يعلم أحد غير الله سبحانه مدى المشقة التي عاناها هذا الرجل في تلك الليلة، فالأمر لم يكن سهلاً عليه، فهو رجل يرعى الغنم، وقد سار بعيداً عن الديار، فأجهده السير، وأرهقه، وزاد في إرهاقه أنه لم يتناول عشاءه، أضف إلى ذلك أن صغاره يبكون، وكم يألم الآباء لبكاء الأبناء.
إنها صورة عظيمة لما يصنعه الإيمان، والتي بلغت بهذا الرجل المرتبة العالية من بره لوالديه، وحرصه عليهما، مما كان سبباً في أن يفرج الله عنهم شيئاً من هذه الصخرة.
وهذا تذكير للأمة وحثّ لها على الحرص على بر الوالدين والمسارعة عليه والمحافظة على ذلك جزاءً في الدنيا وسعادة في الآخرة. اللهم وفقنا لبر الآباء والأمهات في الحياة وبعد الممات يا أرحم الراحمين.
ويواصل -صلى الله عليه وسلم- حديثه لأصحابه قائلاً: "وقال الآخر: اللهم إنه كان لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يُحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتى أتيتها بمائة دينار، فتعبت حتى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلما وقعتُ بين رجليها قالت: يا عبد الله: اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة ففرج لهم".
وتوسل الثاني إلى ربه بمخافته من الله، تلك المخافة التي دفعته إلى ترك الفاحشة، وكبت الشهوة، وكان من أمره أنه أراد ابنة عم له على نفسها، وكانت أحب الناس إليه، فكان يعصمها إيمانها منه، فتأبى عليه حتى أصابتها فاقة وحاجة اضطرتها إلى موافقته على رأيه والخضوع لرغبته، بعد أن دفع لها مبلغاً كبيراً من المال اشترطت عليه أن يدفعه لها قبل تمكينه من نفسها، ولكنه عندما قدر عليها، وقعد منها مقعد الرجل من زوجته انتفضت وارتجفت، فلما استعلم منها عن سبب ذلك أخبرته أن ذلك من مخافة الله، فإنها لم ترتكب هذه الفاحشة من قبل، فقام عنها مخافة من الله، وترك لها الذي أعطاها إياه.
إنه الإيمان الذي دفعه إلى ترك الزنا مع قدرته عليه، وتهيئة الأسباب التي تمكنه من ذلك، لكن إيمانه ومخافته من الله دفعه إلى ترك هذه الفاحشة، والإنابة إلى الله بالتوبة عن هذا العمل المشين. إنه الإيمان القوي الذي يحجز من الوقوع في هذه الفاحشة.
ومن المؤسف أن بعض أبناء الإسلام يسعى بقدميه إلى هذه الفاحشة، ثم تراه بعد ذلك يفاخر بمعصيته، ويجاهر بفسقه وعصيانه، ويعد ذلك من المفاخر التي يفخر بها، إنه الضلال المبين، إنها من المجاهرة التي تمنع عن صاحبها التوبة والإنابة إلى الله. إنه قد وقع في كبيرة من الكبائر التي توصل صاحبها إلى النار إذا لم يتب إلى الله، والعاقل من أسرع بالتوبة والإنابة إلى الله من هذه الفاحشة المنكرة، فإن الله يقبل توبة التائبين.
روى الترمذي: بسنده عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين ديناراً على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟! أأكرهتك؟! قالت: لا، ولكنه عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا وما فعلته؟! اذهبي فهي لك، وقال: لا والله لا أعصي الله بعدها أبداً، فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه: إن الله قد غفر للكفل". قال الترمذي: حسن.
إنها التوبة الصادقة التي تغسل الخطايا، فاتقوا الله -عباد الله-، واسلكوا الطريق الموصلة إلى مرضاة الله وجنته، وإياكم من طرق الغواية، فإنها توصل إلى النار، وبئست النار غاية، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) [الطلاق:2].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، واسلك بنا طريق عبادك الصالحين، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه...
أما بعد:
إخوة الإسلام: وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما قضي عمله قال: أعطني حقي، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه -أي تركه-، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاءها، فجاءني فقال: اتق الله، ولا تظلمني حقي، قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، خذ ذلك البقر ورعاءها، فأخذه فذهب به، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي، ففرج الله ما بقي وخرجوا يمشون.
لقد توسل الثالث بحفظه لأموال أجير له ترك ماله وذهب فثمر له ماله حتى أصبح مالاً عظيماً، فلما جاءه الأجير بعد غيبة طويلة يطلب ذلك الأجر القليل، أعطاه كل المال الذي نتج عنه المال، ولم يترك منه شيئاً.
والناس في زمننا هذا يغمطون الأجير حقه، بل ونرى البعض يفرح بأخذه لمال أجيره، ويعد ذلك من الفطنة والحذاقة، وما علم المسكين أنه يستعجل العقوبة، ويخسر الحسنات، ويكسب السيئات لظلمه للأجير.
فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا على الأعمال الصالحة التي تقربكم من الله، واحذروا المعاصي، وإياكم والوقوع في الموبقات، فإن أجسامكم على النار لا تقوى.
التعليقات