عناصر الخطبة
1/ تعريف بالسورة 2/ غرض السورة التوحيد وتنزيه الله تعالى 3/ القصص الواردة في السورة ودلالتها على وحدة الرسالة 4/ من مشاهد القيامةاهداف الخطبة
اقتباس
وسورة مريم مكية، وغرضها تقرير التوحيد، وتنزيه الله -جل وعلا- عما لا يليق به من الصاحبة والولد، وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء؛ ومحور هذه السورة يدور حول التوحيد والإيمان بوجود الله ووحدانيته، وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين ..
الحمد لله الذي جعل لنا في قصص القرآن أكبر العظات والعبر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فيا عباد الله: مع كتاب الله، ومع سورةٍ من سُوَرِهِ نعيش اليوم، وسورة مريم موضوعنا إن شاء الله، فهي السورة التاسعة عشر في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثمانٍ وتسعون آية.
وسورة مريم مكية، وغرضها تقرير التوحيد، وتنزيه الله -جل وعلا- عما لا يليق به من الصاحبة والولد، وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء؛ ومحور هذه السورة يدور حول التوحيد والإيمان بوجود الله ووحدانيته، وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين.
وسميت (سورة مريم) تخليداً لتلك المعجزة الباهرة في خلق إنسانٍ بلا أب، ثم إنطاق الله الوليد وهو طفل في المهد، وما جرى من أحداث غريبة رافقت ميلاد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-.
وقد عرضت السورة الكريمة لقصص بعض الأنبياء، مبتدئة بقصة نبي الله "زكريا" وولده "يحيي" عليهما السلام، الذي وهبه الله على الكِبَر من امرأة عاقر لا تلد، ولكن الله قادر على كل شيء، يسمع دعاء المكروب، ويستجيب لنداء الملهوف.
ولذلك استجاب الله دعاءه ورزقه الغلام النبيه، حيث قص الله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمته سبحانه لعبده زكريا -عليه السلام-، إذ ناجى ربه ودعاه بصوت خفي لا يكاد يسمع، قال المفسرون: لأن الإخفاء في الدعاء أدخل في الإخلاص، وأبعد عن الرياء.
فدعا ربه في ضراعة فقال يا رب: لقد ضعف عظمي، وذهبت قوتي من الكبر، وانتشر الشيب في رأسي انتشار النار في الهشيم؛ وأنت يا الله لم تخيب دعائي في وقت من الأوقات، بل عودتني الإحسان والجميل، فاستجب دعائي الآن كما تستجيبه فيما مضى.
وإني خفت بني العم والعشيرة من بعد موتي إن يضيعوا الدين، ولا يحسنوا وراثة العلم والنبوة، وامرأتي عاقر -أي لا تلد أو كبرت سنها- فارزقني من محض فضلك ولداً صالحاً يتولاني، ويرث أجداده في العلم والنبوة، واجعله يا رب مرضياً عندك.
قال الرازي: قدم زكريا -عليه السلام- على طلب الولد أموراً ثلاثة: كونه ضعيف، وأن الله ما رد دعاءه البتة، والثالث: كون المطلوب بالدعاء سببا للمنفعة في الدين. ثم صرح بسؤال الولد؛ وذلك مما يزيد الدعاء توكيداً، لما فيه من الاعتماد على حول الله وقوته، والتبرئة عن الأسباب الظاهرة.
فاستجاب الله دعاء زكريا فقال: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) [مريم:7]، أي: لم يُسَمّ أحد قبله بيحيى، فهذا اسم فذ غير مسبوق سماه الله تعالى به ولم يترك تسميته لوالديه.
(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) [8]، أي: نهاية العمر، قال المفسرون: كان قد بلغ مائة وعشرين سنة، وامرأته ثمان وتسعون سنة، فأراد أن يطمئن ويعرف الوسيلة التي يرزقه بها هذا الغلام، (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) [9]، أي: خلْقه سهل يسير عليّ، كما خلقتك من العدم ولم تكن شيئاً مذكوراً فأنا قادر على خلق يحيى منكما مع كبر سنكما، وكون امرأتك لا تلد.
(قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً) أي اجعل لي علامة تدل على حمل امرأتي (قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) [10]، أي: علامتك ألا تستطيع تكليم الناس ثلاثة أيام بلياليهن وأنت سوي الخَلْق ليس بك خرس ولا علة. قال ابن عباس: المثقل لسانه من غير مرض.
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [11]، أي: أشرف عليهم من الــمُصَلَّى وهو بتلك الصفة، وأشار إلى قومه بأنْ سَبِّحُوا الله في أوائل النهار وأواخره.
(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [12]، أي: حملت امرأته وولدت له يحيى وقلنا له: يا يحيى خذ التوراة بجِدٍّ واجتهاد، وأعطيناه الحكمة ورجاحة العقل منذ الصغر؛ قيل: إن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب. فقال لهم: ما لِلَّعِبِ خُلِقْتُ.
(وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) [13]، أي: فعلنا ذلك رحمة بأبويه، وعطفاً عليه، وتزكية له من الخصال الذميمة، وكان عبداً صالحاً متقياً لله، لم يهم بمعصية قط.
(وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) [14]، أي: جعلناه باراً بأبيه وأمه، محسناً إليهما، ولم يكن متكبراً عاصياً لربه.
(وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [15]، أي: سلامٌ عليه من الله من حين مولده إلى حين مبعثه، في ولادته، وفي يوم موته، ويوم يُبعَث من قبره يوم القيامة.
ثم عرضت السورة لقصة أعجب وأغرب هي قصة مريم العذراء وإنجابها لطفل من غير أب، تلك المعجزة الخارقة بميلاد عيسى -عليه السلام- من أم بلا أب؛ لتظل قدرة الله وحكمته ماثلة أمام الأبصار، بعظمة الله الواحد القهار.
فقد تنحت مريم واعتزلت أهلها في مكان شرقي في بيت المقدس لتتفرغ لعبادة الله، وجعلت بينها وبين قومها ستراً وحاجزاً، فأرسل الله سبحانه إليها جبريل -عليه السلام- فتصور لها في صورة البشر التام الخلقة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: جاءها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه، ولو بدا لها في الصورة الملَكية (الملائكية) لنفرت ولم تقدر على السماع لكلامه.
ودل على عفافها وورعها أنها تعوذت بالله من تلك الصورة الجميلة الفائقة الحسن، فلما رأته فزعت وخشيت أن يكون أرادها بسوء، فقالت: أني أحتمي وألتجئ إلى الله منك إن كنت تقياً تخاف الله فاتركني ولا تؤذني. قال لها جبريل -عليه السلام- مُزِيلا لما حصل عندها من الخوف: ما أنا إلا ملَكٌ مُرسَلٌ من عند الله إليك ليهب لك غلاماً طاهراً من الذنوب.
قالت: كيف يكون لي غلام ولست بذات زوج حتى يأتيني ولد، ولست بزانية؟ قال كذلك الأمر حكم ربك بمجيء الغلام منكِ، وإن لم يكن لك زوج فإن ذلك على الله يسير؛ وليكون مجيئه دلالة للناس على قدرة الله العجيبة، ورحمة لهم، يبعثه نبياً لهم يهتدون بإرشاده، وكان وجوده أمراً مفروغا منه لا يتغير ولا يتبدل؛ لأنه في سابق علم الله الأزلي، فحملت بالجنين، فاعتزلت وهو في بطنها مكاناً بعيداً عن أهلها خشية أن يعيروها بالحمل من غير زوج.
قال المسفرون: إن جبريل نفخ في جيب درعها فدخلت النفخة في جوفها فحملت به، ونحت إلى مكان بعيد فألجأها ألم الطلق وشدة الولادة إلى ساق نخلة يابسة لتعتمد عليها عند الولادة، قالت: يا ليتني كنت قد مت قبل هذا اليوم وكنت شيئاً تافهاً لا يُعرَف ولا يذكر، (نَسْيًا مَنْسِيًّا) [23].
قال ابن كثير: عرفت أنها ستبتلي وتمتحن بهذا المولود، فتمنت الموت؛ لأنها عرفت أن الناس لا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة ستصبح عاهرة زانية، ولذلك قالت ما قالت.
فناداها الملك مِن تحت النخلة قائلا لها: لا تحزني لهذا الأمر، قد جعل لك ربك جدولا صغيراً يجري أمامك، وحرِّكي جذع النخلة اليابسة يتساقط عليك الرطب الشهي. قال المفسرون: أمَرَها بهز الجزع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موت الجذع بعد رؤيتها عين الماء العذب الذي جرى جدولا؛ وذلك ليذهب ألمها وتعلم أن ذلك كرامة من الله.
فكلي من هذا الرطب الشهي، واشربي من هذا الماء العذب السلسبيل، وطِيبي نفساً بهذا المولود؛ فإن رأيتِ أحداً من الناس وسألك عن شأن المولود فقولي: إني نذرت السكوت والصمت لله تعالى، فلن أكلم أحداً من الناس. أُمِرَتْ بالكفّ عن الكلام ليكفيها ولدُها ذلك فتكون آية باهرة أخرى أعظم مما سبقها.
فأتت قومها بعد أن طهرت من النفاس تحمل ولدها عيسى على يدها، فلما رأوها وابنها أعظموا أمرها واستنكروه، وقالوا لها: لقد جئتِ شيئاً عظيماً منكراً! وقالوا لها: يا شبيهة هارون في الصلاة والعبادة، ما كان أبوك رجلا فاجراً، وما كانت أمك زانية، فكيف صدر هذا منكِ وأنت من بيت طاهر ومعروف بالصلاح والعبادة؟ قال قتادة: كان هارون رجلاً صالحاً في بني إسرائيل مشهوراً بالصلاح، فشبهوها به، وليس بهارون أخي موسى؛ لأن بينهما ما يزيد عن الألف عام.
ولم تجبهم وأشارت إلى عيسى ليكلموه ويسألوه، فقالوا متعجبين: كيف نكلم طفلاً رضيعاً لا يزال في المهد يتغذى بلبن أمه؟ قال الرازي: روى أنه كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه يكلمهم، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغاً يتكلم فيه الصبيان.
وقال عيسى في كلامه حين كلمهم: إني عبد الله، خلقني الله بقدرته من دون أب، قدم ذكر العبودية ليبطل من ادعى فيه الربوبية، قضى ربي أن يؤتيني الإنجيل، ويجعلني نبيناً، وجعل فيَّ البركة والخير والنفع للعباد حيثما كنت وأينما حللت، وأوصاني بالمحافظة على الصلاة والزكاة مدة حياتي، وجعلني باراً بوالدتي محسنا إليها ولم يجعلني متعظماً متكبراً على أحد، تقيَّاً في حياتي، وسلام عليَّ في يوم ولادتي وفي يوم مماتي وفي يوم خروجي حياً. هذا ما نطق به المسيح -عليه السلام- وهو طفل رضيع في المهد.
وهكذا يعلن عيسى -عليه السلام- عبوديته لله، فليس هو إله ولا ابن الله ولا ثالث ثلاثة كما يزعم النصارى، إنما هو عبد الله ورسوله، يحيا ويموت كسائر البشر، خلَقَه الله من أم دون أب.
(ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ * أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) [34-40].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبهدي رسوله، وبما نقول ونسمع، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله مرسل الرسل بالبينات الدالة على قدرته ووحدانيته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومَن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: استكمالاً للحديث عن سورة مريم نقول، وبالله التوفيق: إن السورة تحدثت عن قصة إبراهيم الخليل -عليه السلام- مع أبيه، وتحطيمه الأصنام؛ لتذكير الناس بما كان عليه خليل الرحمن من توحيد الله، ودعوته لأبيه للإيمان بالله وعبادته، ثم لإنكار أبيه واعتزال إبراهيم له.
ثم ذكرت بالثناء والتبجيل رسل الله الكرام: اسحق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس ونوحا -عليهم السلام-، والهدف من ذلك إثبات وحدة الرسالة، وأن الرسل جميعاً جاؤوا لدعوة الناس لتوحيد الله، ونبذ الشرك.
وبعد أن ذكر الله سبحانه أنبياءه الكرام وصفهم بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) [58]، أي: ممن هديناهم للإيمان واصطفيناهم لرسالتنا ووحْينا، وإذا سمعوا كلام الله سجدوا وبكوا من خشيته، مع مالهم من علو الرتبة، وسمو النفس، والزلفى من الله تعالى.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [59]، أي: جاء من بعد هؤلاء الأتقياء قوم أشقياء تركوا الصلاة وسلكوا طريق الشهوات، فسوف يلقون كل شر وخسار ودمار. قال ابن عباس -رضي الله عنه-: غي: وادٍ في جهنم، وإن أودية جهنم لتستعيذ بالله من شدة حَرِّه.
(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) [60]، أي: إلا مَن تاب وأناب وأصلح عمله فأولئك يسعدون في الجنة، ولا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئاً.
(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [61]، أي: إن وعده تعالى بالجنة آتٍ وحاصل لا يُخلَف، (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا * وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [62-65]، أي: لم يُسَمَّ أحد باسمه سبحانه، ولا شبيه له ولا مثيل ولا نظير.
وتحدثت السورة الكريمة عن بعض مشاهد القيامة، وعن أهوال ذلك اليوم الرهيب، حيث يجثوا فيه الكفَرة المجرمون حول جهنم ليذوقوا حَرَّها، ويكونوا وقوداً لها.
وختمت السورة بتنزيه الله عز وجل عن الولد والشريك والنظير، وردت على ضلالات المشركين بأنصع بيان، وأقوى برهان: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) [88-89]، أي: منكراً عظيماً.
(تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) [90]، أي: تتشقق السماء من أهوال هذا القول: (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [91-95].
(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [96]، أي: محبة ومودة، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا) [97]، أي: معاندين، شديدي الخصومة والجدال.
ثم تختتم السورة الكريمة بقوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) [98]؟ أي: صوتاً خفياً.
عباد الله: هذه لمحة عن سورة مريم، وإلا فأغلبها لم نوضح معانيه، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهمها وتدبرها، والاتعاظ والعمل بها، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسَلِّموا عباد الله على خاتم رسل الله، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات