عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة القيامة 2/ تفسيرها 3/ سبب نزول بعض آياتها 4/ عرض ملخص لهااهداف الخطبة
اقتباس
وهي سورة مكية تعالج موضوع الجزاء والحساب الذي هو أحد أركان الإيمان، وتركز بوجه خاص على القيامة وأهوالها وشدائدها، وعن حال الإنسان عند الاحتضار (الموت)، وما يلقاه الكفار في الآخرة من المصائب والمتاعب؛ ولذلك سميت سورة القيامة ..
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وقراءة كتاب الله القرآن الكريم، وتدبر معانيه، والعمل به، وتلاوته، ولنا في سورة القيامة تأمل، ولنا من مشاهد ذلك اليوم الموعود الحق أكبر العبر.
وسورة القيامة هي السورة الخامسة والسبعون في ترتيب المصحف الشريف، وهي أربعون أيه، وهي سورة مكية تعالج موضوع الجزاء والحساب الذي هو أحد أركان الإيمان، وتركز بوجه خاص على القيامة وأهوالها وشدائدها، وعن حال الإنسان عند الاحتضار (الموت)، وما يلقاه الكفار في الآخرة من المصائب والمتاعب؛ ولذلك سميت سورة القيامة.
فقد بدأت بقسم الله سبحانه بذلك اليوم العظيم في قوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [القيامة:1]، أي أقسم، ولا زائدة، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته. (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [2]، أي: أقسم بالنفس اللوامة، وهي التي تلوم صاحبها على تقصيره.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) [3]؟ قيل: المراد جنس الإنسان، وقيل المراد: الإنسان الكافر، والمعنى أيحسب الإنسان أن الشأن أن لن نجمع عظامه بعد أن صارت رفاتا فنعيدها خلقاً جديداً؟ (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) [4]، فردَّ الله سبحانه بالإيجاد: أي قادرين على أن نجمع بعضها إلى بعض، وأن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً، وأن نردها كما كانت مع لطافتها وصغرها.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) [5]، أي: بل يريد الإنسان أن يقدم فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وما يستقبله من الزمان، فيقدم الذنب ويؤخر التوبة، (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) [6]! أي: يسأل متى يوم القيامة؟! سؤال استبعاد واستهزاء.
(فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ) [7]، أي: فزع وتحير النظر، وهذا عند الموت، (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) [8]، أي: ذهب ضوءُه، ولا يعود كما يعود إذا خسف في الدنيا، (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [9]، أي: ذهب ضوءُها جميعاً، (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) [10]، أي: يقول عند وقوع هذه الأمور: أين الفرار؟.
(كَلَّا لَا وَزَرَ) [11]، أي: لا جبل ولا حصن ولا ملجأ من الله، (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) [12]، أي: المرجع والمصير إلى الله لا إلى غيره، (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [13]، أي: يخبر يوم القيامة بما عمل من خير أو شر.
(بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [14]، قيل: تشهد عليه جوارحه بما عمل، (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) [15]، أي: ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك؛ لأنه شاهد على نفسه بما جنت واقترفت من الموبقات.
(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [16]، كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا نزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي؛ حرصا على أن يحفظه -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت هذه الآية، أي: لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن ينفلت منك.
(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ) [17]، أي: جمعه في صدرك حتى لا يذهب عليك شيء منه، وإثبات قراءته في لسانك، (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ) [18]، أي: إذا أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل فاتبع قراءته، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) [19]، أي: تفسير ما فيه من الحلال والحرام، وبيان ما أشكل منه.
(كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) [20]، كلا للرد على العجلة، والترغيب في الأناة، والمعنى: تحبون الدنيا (وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ) [21]، أي: تتركونها ولا تعملون لها، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) [22]، أي: ناعمة غضَّةٌ حسَنةٌ مضيئة مسفرة مشرقة، وهي وجوه المؤمنين (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [23]، من النظر أي إلى خالقها ومالك أمرها، ناظرة: أي تنظر إليه.
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ) [24]، أي: كالحة عابسة كئيبة، وهي وجوه الكفار، (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) [25]، الفاقرة الداهية العظيمة.
(كَلَّا): ردع وزجر، أي: بعيد أن يؤمن الكافر بيوم القيامة، ثم استأنف فقال (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) [26]، أي: بلغت النفس أو الروح التراقي، وهي جمع ترقوة، وهي عظم بين ثغرة النحر والعاتق، ويكنى ببلوغ النفس التراقي عند الاشراف على الموت، (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) [27]، أي: قال مَن حضر صاحبها: من يرقيه فيشتفي برقيته؟ قال قتادة: التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئاً، (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ) [28]، أي: وأيقن الذي بلغت روحه التراقي أنه الفراق من الدنيا ومن الأهل والمال، (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) [29]، أي: التفت ساقه بساقه عند نزول الموت، وتتابعت عليه الشدائد، (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) [30]، أي: إلى خالقك يوم القيامة المرجع، وذلك أن جميع العباد يساقون إلى الله.
(فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى) [31]، أي:لم يصدق بالرسالة، ولا بالقرآن، ولا صلى لربه، (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [32]، أي: كذب بالرسول وبما جاء به، وتولى عن الطاعة والإيمان، (ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) [33]، أي: يتبختر ويختال في مشئته افتخاراً بذلك.
(أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) [34-35]، أي: وليك الويل، وأصله أولاك الله ما تكرهه، وهذا تهديد شديد، والتكرير للتأكيد. قال المفسرون: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيد أبي جهل فقال: "(أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)"، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً! وإني لَأَعزُّ أهل هذا الوادي! فنزلت هذه الآية. وقيل: معناه: الويل لك، ثم ذكر سبحانه الأدلة على البعث.
فقال (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [36]، أي: يترك هملا لا يُؤمر ولا ينهى ولا يحاسب ولا يعاقب؟ (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) [37]، أي: ألم يك ذلك الإنسان قطرة من مني يراق في الرحم؟ (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [38]، أي: كان دما بعد النطفة إلى أن أكمل الله خلقه فعدله، وكمل نشأته، ونفخ فيه الروح، (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) [39]، أي: جعل من الإنسان الصنفين: الرجل والمرأة، (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) [40]، سبحانك اللهم! بلى! إن الله قادر على أن يعيد الأموات أحياءً بالبعث والنشور، وإعادة الأجساد والأرواح.
هذه عباد الله: لمحة عن بعض معاني سور القيامة، أسأل الله أن يجعلنا ممن يتذكر ويتعظ، وأن ينفعنا بها وبهدي كتابه الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه واستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.
عباد الله: سورة القيامة، أقسم الله سبحانه فيها بالقيامة، وبالنفس اللوامة، على أن البعث حق لا ريب فيه، ومن علامات ذلك اليوم المهول خسف القمر، وتحير البصر، وجمع الخلائق والبشر للحساب والجزاء.
كما تحدثت عن اهتمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بضبط القرآن عند تلاوة جبريل -عليه السلام-، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يجهد نفسه في متابعة جبريل، ويحرك لسانه معه ليسرع في حفظ ما يتلوه، فأمره الله سبحانه أن يستمتع للتلاوة ولا يستعجل ويحرك لسانه.
وذكرت انقسام الناس في الآخرة إلى فريقين: فريق السعداء وجوههم مضيئة بالأنوار ينظرون إلى الرب جل وعلا، وفريق الأشقياء وجوههم مظلمة قاتمة يعلوها الذل والقتَرة.
كما تحدثت عن حال المرء وقت الاحتضار، حيث تكون الأهوال والشدائد، ويلقى الإنسان من الكرب والضيق ما لم يكن في الحسبان.
وختمت السورة بإثبات الحشر والمعاد بالأدلة والبراهين العقلية، أسأل الله أن نكون من المعتبرين المتعظين، والناجين من عقاب الله ونيرانه، والفائزين بثوابه وجناته، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلُّوا وسلِّموا على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات