عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة الحجرات 2/ بيان اشتمالها على أسس التربية و الأخلاق والمدنية 3/ تسميتها وأسماؤها 4/ أسباب نزول بعض آياتها 5/ تفسير بعض آياتها 6/ ملخص لأهم الآداب والأخلاق فيهااهداف الخطبة
اقتباس
وسنتحدث هذا اليوم عن سورة من سور القرآن الكريم لنوضح شيئاً بسيطاً مما فيها من كلام عظيم، ومعانٍ جليلة، ألا وهي سورة الحجرات... وهي سورة مدنية، لكنها مع وجازتها سورة جليلة، تتضمن حقائق التربية الخالدة، وأسس المدنية الفاضلة ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، وتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما كان يخطب بالقرآن الكريم يوم الجمعة، كيف لا وهو نور وبرهان، ودليل على الحق، وهو كلام الله -عز وجل-، (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
وسنتحدث هذا اليوم عن سورة من سور القرآن الكريم لنوضح شيئاً بسيطاً مما فيها من كلام عظيم، ومعانٍ جليلة، ألا وهي سورة الحجرات، وهي السورة التاسعة والأربعون حسب الترتيب في المصحف الشريف، وآياتها ثمان عشرة آية، وهي في الجزء السادس والعشرين، وهي سورة مدنية، لكنها مع وجازتها سورة جليلة، تتضمن حقائق التربية الخالدة، وأسس المدنية الفاضلة.
كما تتضمن حقائق كبيرة من حقائق العقيدة والشريعة، ومن حقائق الوجود والإنسانية، حقائق تفتح للقلب والعقل آفاقاً عالية، وآماداً بعيدة، وتثير في النفس والذهن خواطر عميقة، ومعاني كبيرة، وفيها من مناهج التكوين والتنظيم وقواعد التربية والتهذيب ومبادئ التشريع والتوجيه ما يتجاوز حجمها وعدد آياتها مئات المرات، وقد سماها بعض المفسرون سورة الأخلاق.
وسميت سورة الحجرات لأن الله تعالى ذكر فيها حُرمة بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات، زوجات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضوان الله عليهن.
وقد ابتدأت السورة الكريمة بالأدب الرفيع الذي أدب الله به المؤمنين تجاه شريعة الله، وأمر رسوله، وهو أن لا يبرموا أمراً، ويبدوا رأياً، ويقضوا حكماً في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يستشيروه، ويتمسكوا بإرشاداته الحكيمة، وقد ناداهم بالمؤمنين، أي: يا من اتصفتم بالإيمان، وصدقتم بكتاب الله، لا تقدموا أمراً فصلاً بين يدي الله ورسوله.
ثم انتقلت إلى أدب آخر، وهو خفض الصوت إذا تحدثوا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ تعظيماً لقدره الشريف، واحتراماً لمقامه السامي، فإنه ليس كعامة الناس، بل هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن واجب المؤمنين أن يتأدبوا معه في الخطاب، مع التوفير والتعظيم والإجلال.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [2]، أي: اخفضوا أصواتكم، كما تأمر السورة بأنه إذا عُرضت مسألة في مجلسه -صلى الله عليه وسلم- لا يسبقونه بالجواب، وإذا حضر الطعام لا يبدؤون بالأكل قبله، وإذا ذهبوا معه إلى مكان لا يمشون أمامه، ونحو ذلك.
ومن الأدب الخاص إلى الأدب العام تنتقل السورة لتقرير دعائم المجتمع الفاضل، فتأمر المؤمنين بعدم السماع للإشاعات، وتأمر بالتثبت من الأنباء والأخبار، لاسيما إن كان الخبر صادراً عن شخص غير عدل أو شخص متهم، فكم من كلمة نقلها فاجر فاسق سببت كارثة من الكوارث! وكم من خبر لم يتثبت منه سامعه جر وبالاً وأحدث انقساماً! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [6].
ودعت السورة إلى الإصلاح بين المتخاصمين ودفع عدوان الباغين: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [9-10].
وحذرت السورة من السخرية والهمز واللمز، ونفَّرت من الغيبة والتجسس والظن السيئ بالمؤمنين، ودعت إلى مكارم الأخلاق، والفضائل الاجتماعية، وحين حذرت من الغيبة جاء النهي في تعبير رائع عجيب أبدعه القرآن غاية الإبداع، في صورة رجل يجلس إلى جانب أخ له ميت ينهش منه ويأكل لحمه، ويا له من تنفير عجيب! (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [12].
وختمت السورة بالحديث عن الأعراب الذين ظنوا الإيمان كلمة تقال باللسان، وجاءوا يمنُّون على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإيمانهم، فتبين حقيقة الإيمان وحقيقة الإسلام وشروط المؤمن الكامل، وهو الذي جمع الإيمان والإخلاص والجهاد والعمل الصالح: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [15].
وسبب نزول سورة الحجرات روي أن الأعراب الجفاة جاءوا إلى حجرات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلوا ينادونه: يا محمد! أخرج إلينا، مراراً، فأنزل الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [4].
وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث الوليد بن عقبة إلى الحارث بن ضرار ليقبض ما كان عنده من الزكاة التي جمعها من قومه، فلما سار الوليد واقترب منهم خاف وفزع، فرجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، إنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة. فهَمَّ الصحابةُ بالخروج إليهم وقتالهم، فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) [6].
وروي عن أنس -رضي الله عنه- قال: قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: لو أتيت عبد الله بن أبي، وهو رأس المنافقين، فانطلق إليه وركب حماراً، وانطلق معه المسلمون يمشون، فلما أتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: إليك عني! أي: تنحَّ وابتعد عني! فوالله لقد آذاني نتن حمارك.
فقال رجل من الأنصار: واللهِ! لَحِمارُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أطيب ريحاً منك! فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب للأنصاري آخرون من قومه، فكان بينهم ضرب بالجريد والنعال، فأنزل الله: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [9].
كما تأمر السورة بأن لا يسخر ولا يهزأ جماعة بجماعة، أو أحد من أحد، فقد يكون المسخور منه خيراً عند الله من الساخر، "ورُبَّ أشعثَ أغبرَ ذي طِمْرَيْنِ لو أقسم على الله لَأَبَرَّه"، كما نهت عن أن يسخر النساء من النساء، وخصهن بالذكر؛ لأنهن أكثر سخرية واحتقاراً من الرجال.
كما نهت عن اللمز، أي لا يعيب بعضكم بعضاً، ولا يدعُ بعضكم بعضا بلقب السوء، وقال: أنفسكم؛ لأن المسلمين كأنهم نفس واحدة، (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) [11]، أي: بئس أن تسمِّي الإنسان فاسقاً بعد أن صار مؤمنا، مما يدل على أن التنابز فسق، والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح، ومن لم يتب من اللمز والتنابز فأولئك هم الظالمون؛ بتعريض أنفسهم للعذاب.
كما تنْهَى السورة المؤمنين عن الظن، وتأمر باجتناب كثيرٍ من الظن، أي ابتعدوا عن التهمة والتخوُّن وإساءة الظن بالأهل والناس، وعبر بالكثير ليحتاط الإنسان في كل ظن ولا يسارع فيه، بل يتأمل ويتحقق، فإن في بعض الظن إثماً وذنباً يستحق صاحبه العقوبة عليه.
قال عمر -رضي الله عنه-: لا تظن لكلمة خرَجَتْ من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً. ونهت عن الغيبة، وهي ذكرك أخاك بالسوء في غيبته بما يكرهه، وشبهت ذلك بأكل لحم الأخ الميت؛ لشناعة الغيبة، وقبحها بما لا مزيد عليه من التقبيح.
فيجب أن يكره المسلم الغيبة كما يكره أكل لحم الميت، ثم يأمرُ الله بالتقوى، أي خافوا الله واحذروا عقابه، فإن الله تواب رحيم لمن سارع إلى الندم، والاعتراف بالخطأ من أي ذنب يرتكبه، حتى لا يقنط الإنسان من رحمة الله.
ثم تنتقل السورة الكريمة لتوجه الخطاب إلى الناس عامة وتقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، والمناسبة، أنه لما دعا الله تعالى إلى مكارم الأخلاق، ونهى عن مساوئها، وحذر المؤمنين من بعض الأفعال القبيحة دعا الناس جميعاً للتعارف والتآلف، ونهاهم عن التفاخر بالأنساب، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [13].
والخطاب هنا لجميع البشر بأن الله خلقهم من أصل واحد، وأوجدهم من أب واحد هو "آدم" -عليه السلام-، فلا تفاخر بالآباء والأجداد، ولا اعتداد بالحسب والنسب، كلكم لآدم وآدم من تراب، وجعل الله الناس شعوباً شتى، وقبائل متعددة، ليحصل بينهم التعارف والتآلف، وليس التناحر والتخالف.
قال مجاهد: ليعرف الإنسان نسبه فيقال فلان ابن فلان من قبيلة كذا، وأن لا ينسب لغير آبائه، وذكر الله -عز وجل- أن التفاضل بين الناس بالتقوى لا بالأحساب والأنساب، فمن أراد شرفاً في الدنيا ومنزلة في الآخرة فليتق الله، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله،"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الناس رجلان: رجل بَر تقي كريم على الله تعالى ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى".
ثم تنتقل السورة إلى ذكر حال الأعراب الذين زعموا أنهم آمنوا، فأمر الله رسوله أن يقول لهم: إنكم لم تؤمنوا بعد؛ لأن الإيمان الصحيح تصديق مع ثقة، واطمئنان قلب، ولم يحصل لكم، وإلا لما مننتم على الرسول إسلامكم وترك المقاتلة، ولكن قولوا أسلمنا خوف القتل والسبي.
قال المفسرون: نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة مجدبة، وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وفلان. يريدون الصدقة، ويمنون على الرسول.
وقد دلت الآية على أن الإيمان مرتبة أعلى من الإسلام، الذي هو الاستسلام والانقياد بالظاهر ولا يحصل الإيمان عند المسلم إلا عندما يطلع على محاسن الإسلام، عند ذلك يذوق حلاوة الإيمان، قال ابن كثير رحمه الله: هؤلاء الأعراب المذكورون في هذه الآية ليسو منافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم، فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه، فأُدبوا في ذلك، ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا.
ثم تذكر السورة أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله بالإخلاص الصادق، والإيمان الكامل، وعدم المن على الرسول، لا ينقصهم من أجورهم شيئاً؛ كما تعرف السورة المؤمنين الصادقين بأنهم الذين صدقوا الله ورسوله فأقروا لله بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، عن يقين راسخ، وإيمان كامل، دون شك أو ريبة، وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وابتغاء رضوانه.
وتنكر السورة عليهم وتوبخهم فتقول: قل لهم يا محمد: أتُخبرون الله بما في ضمائركم وقلوبكم، والله يعلم ما في السماوات والأرض، لا يخفى عليه شيء؟ وهو واسع العلم، رقيب على كل شيء؛ وتذكر السورة بأنهم يعدون إسلامهم على النبي منة منهم يستوجبون عليها الحمد والثناء، ويأمر الله رسوله بأن يقول لهم: لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم، فإنَّ نفْع ذلك عائد عليكم، فإن المنة العظمى لله الذي هداكم للإيمان.
وتختتم السورة بذكر أن الله يعلم ما غاب عن الأبصار في السماوات والأرض، وأنه مطلع على أعمال العباد، لا تخفى عليه خافية، عالم بجميع الكائنات، محيط بجميع المخلوقات، علمه واسع، وشامل لكل صغيرة وكبيرة في السر والعلن، والظاهر والباطن.
نسأل الله أن ينفعنا بالقرآن الكريم، وبأقوال وأفعال خاتم المرسلين، ونسأل الله أن نعمل بهذه السورة خاصة، وبالقرآن عامة، وأن نتخلق بأخلاق القرآن الكريمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: إن سورة الحجرات التي سماها بعض المفسرين "سورة الأخلاق"، تتلخص أهم الآداب والأخلاق التي وردت فيها فيما يلي:
عدم التقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أي حال من الأحوال، والأمر بتقوى الله، وعدم رفع الصوت عنده؛ خشية أن تحبط أو تبطل الأعمال دون علم أصحابها، والأمر بالتثبت والتبين عندما يأتيك خبر قبل أن تفعل ما تندم عليه.
وتذكر المسلمين بفضل الله عليهم بإرسال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتذكُر الحكمة من عدم إطاعته، لما قد يسمع من وشي لواحد من الآخر، وأنه لو حدث شيء من ذلك لأوقعكم في الهلاك.
ومنَّ الله على المؤمنين أن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأن هذا كله من فضل الله وعطائه، ثم الأمر بالإصلاح بين المؤمنين المختلفين، وردع الظالم إذا لم يرتدع حتى يرجع إلى أمر الله.
وتذكر ن أقوى علاقة بين الناس هي الأخوة، فإنما المؤمنون أخوة جمعتهم رابطة الإيمان بالله، فلا ينبغي أن تكون بينهم عداوة ولا بغضاء ولا شحناء ولا تباغض ولا تقاتل، وإن أخوّة الإيمان أقوى من أخوة النسب، بحيث لا تعتبر أخوة النسب إذا خلت عن أخوة الإسلام، وأمر الله بالإصلاح بين الأخوة المؤمنين، ولا تتركوا الفرقة تدب بينهم.
ثم نهى عن التجسس والغيبة مع تشنيعها وتقبيحها، وذكرت صفات المؤمنين بأنهم الذي يصدقون بالله ورسوله، ولا يشكُّون في ذلك، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم؛ ولكن من المؤسف أن كثيراً من الناس يخالف هذه الآداب، ومن ذلك رفع الأصوات فيما لا يفيد أو فيما يضر، فينبغي للمسلم أن لا يرفع صوته حتى بقراءة القرآن حتى لا يؤذي جيرانه المصلين.
أما السخرية من الناس فما أكثرها! وما أكثر الغيبة! يقول الإمام الشافعي -رحمه الله-:
إذَا شِئْتَ أَنْ تَحْيَا سَلِيمًا مِنَ الأَذَى *** وَحَظُّكَ مَوْفُورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ
لِسَانَكَ! لا تذكُرْ بِهِ عَوْرَةَ امْرِئٍ *** فَكُلُّكَ عَوْرَاتٌ وَلِلنَّاسِ ألسُنُ
وَعَيْنُكَ إِنْ أَبْدَتْ إليكَ مَعايِبًا *** فصُنْهَا وقُلْ يَا عيْنُ للنَّاسِ أَعْيُنُ
وعاشِرْ بمَعْرُوفٍ وَسَامِحْ مَن اعْتَدَى *** وَفَارِقْ وَلكِنْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أسأل الله أن يكون القرآن هو خلقنا، كما هو خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم الأنبياء، نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات