عناصر الخطبة
1/ نعمة إرسال الرسل 2/ التطاول على الله عز وجل 3/ هوان المسلمين وضعفهم أمام أعدائهم 4/ الإساءة إلى نبينا صلى الله عليه سلم 5/ الأسباب التي أدت إلى التطاول على النبي عليه الصلاة والسلام 6/ علاج هذه الظاهرةاهداف الخطبة
اقتباس
إن من سنن الله تعالى الماضية والحادثة سنة التدافع فيدفع الله تعالى أهل الباطل والكبر والتجبر والتغطرس والعناد؛ يدفعهم بأهل الحق، إنها سنة الله تعالى الماضية، فكل متكبر جبار وكل معاند ومحادّ لله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام يهيئ الله تعالى له مَن يقف في وجه ويدحض شُبَهه، ويرد عليه. إنهم أهل الحق وإذا سكت أهل الحق قيّض الله تعالى حتى من الفجار من يدافع عن الحق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» ..
أما بعد: إن من سنن الله تعالى الماضية والحادثة سنة التدافع فيدفع الله تعالى أهل الباطل والكبر والتجبر والتغطرس والعناد؛ يدفعهم بأهل الحق، إنها سنة الله تعالى الماضية، فكل متكبر جبار وكل معاند ومحاد لله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام يهيئ الله تعالى له من يقف في وجه ويدحض شُبَهه، ويرد عليه. إنهم أهل الحق وإذا سكت أهل الحق قيّض الله تعالى حتى من الفجار من يدافع عن الحق كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر».
إن أنبياء الله عز وجل أشد الناس بلاءً، كما في مستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان من حديث عن مصعب بن سعد بن مالك: عن أبيه قال: قلت يا رسول الله: "أي الناس أشد بلاء"؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة».
ولا يظن ظانّ أن من محبة الله عز وجل له أن لا يصيبه بمكروه، بل قد يكون استدراج، فالمؤمن كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لاَ تَزَالُ الرِّيحُ تُمِيلُهُ، وَلاَ يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلاَءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأَرْزِ لاَ تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ».
فالكافر فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه مثل الأرزة، أي مثل الشجرة الغليظة التي لا يؤثر فيها الريح ولا تكفأها أيضًا أبدًا .
إن أنبياء الله هم أشد الناس بلاء، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد أُصيب الأنبياء صلوات الله عليه عليهم أُصيبوا من البلاء ما لا يمكن أن يتحمله شخص عادي؛ وذلك لما جاءوا به من الحق ولما جاءوا به من مخالفة الناس لعاداتهم وشهواتهم، ومعتقداتهم وسلوكياتهم، إنما بعثهم الله تعالى رحمة للناس كي ينقضوا الناس من الظلمات ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، يخرجونهم من الأوحال والرذيلة إلى بر الفضيلة، يخرجونهم من ظلمات الشرك والكفر إلى النور الإسلام وتوحيد الله عز وجل.
إن البلاء الذي ينزل في الناس أنواع، قد ينزل في الإنسان في جسمه، وقد ينزل عليه في ماله، وقد ينزل عليه بلاء في أهله، وهكذا بل يتعرض الإنسان للقتل، وأشد ما يكون أن يتعرض الإنسان لفتنة عظيمة هي فتنة الدين أن يفتن المرء في دينه فيضل ويهلك، ويزيغ ويرتد عن دين الله عز وجل، فهي أكبر فتنة يتعرض لها الإنسان.
ولهذا ما فتئ أعداء الإسلام ليلاً ونهارًا وسرًّا وجهارًا يعمدون إلى فتنة المسلمين في دينهم، وإلى زعزعة ثقتهم في كتاب الله عز وجل وبسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام ما فتئوا وما فتروا قال الله (…وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 217]، فعل مضارع يفيد الاستمرار لا انقطاع فيه، لا يفترون ليلاً ونهارًا ويدفعون أموالهم الباهظة قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36].
إن هذه البلايا قد أُصيب بها الأنبياء كلها، بل تعرضوا لما لا يتعرض له إنسان، يقول ورقة بن نوفل: "يا محمد! ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا أُوذي" وفي رواية "إلا عُودِي".
وقال له: "ليتني فيها جذعًا إذ يُخرجك قومك" ليتني كنت حيًّا لأنصرك نصرًا مؤزرًا .
هذا نصراني قرأ كتابه فتمعن وتدبر وكان منصفًا وكان موقنًا بمبعث النبي عليه الصلاة والسلام، ولقد شهد له النبي عليه الصلاة والسلام أنه من أهل الجنة.
قال: «أو مخرجي هم»؟ يخرجونني من بلدي، من مالي من بين قومي، وأنا أدعوهم إلى الله عز وجل لا أريد منهم جزاء ولا شكورًا؟!
قال: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عُودي، يعني أن الأنبياء جميعًا عُودُوا، ولهذا فلقد قيل لجميع الأنبياء: أنهم كذبة أنهم سحرة، أنهم كهنة، أنهم يريدون مناصب، أنهم مغفلون، أنهم مجانين، أنهم يعلّمهم بشر، ولقد قتل منهم من قتل كما قال الله عز وجل في حق بني إسرائيل: أنهم يقتلون الأنبياء يغير حق.
إن هؤلاء القوم لم يتأدبوا مع الله عز وجل، فما بالك بأناس لا يتأدبون مع خالقهم، أتستغرب أن يسيئوا إلى أنبياء الله أو يسيئوا إلى من هو دونهم، لقد ذكر الله عز وجل قولهم حين قال تعالى: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [آل عمران آية: 181].
أناس لا يجلّون الله ولا يعظمون الله، ويسيئون الأدب مع الله ورسله الله وأنبياءه من قبل أتباعهم، هذا هو المستغرب!!
ولقد قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد: 25].
المسلمون بأيدي حكامهم، الحديد بأيدي حكامهم، القوة بأيدي حكامهم، القرار، ولكن الأمر المؤسف أن يكون الوزير أو رئيس الدولة الفلانية أعظم من الله عز وجل، أن يكون رئيس الدولة أو الخرقة (علم الدولة) أعظم من رسول الله صلى الله عليه سلم، إنهم في دساتيرهم يحرّمون ويجعلون من الخيانات العظمى أن يُسَبّ الرئيس، رئيس تلك الدولة، أو أن يُهان عَلَمها، أو يقف الناس له معظّمين، ولكن ربهم سبحانه وتعالى يتعرض للسبّ، ويتعرض للكلام الفاحش وأنبياء الله ورسله يتعرضون للسباب وللشتائم وللنقائص وكتاب الله يُدَنّس ويُمَزّق ولا يثأر هؤلاء لا لربهم ولا لنبيهم ولا لكتاب ربهم، لا يتأثرون أبدًا ولا يغارون أبدًا .
هذا هو الأمر المستنكر، ليس العجب ممن يسيء الأدب مع الله أن يسيء الأدب مع أنبياء الله ورسله لكن الأمر المستغرَب أن أمة المليار لا تستطيع أن تقدم ولا أن تؤخر!!!
وهذا أمر على كل حال ماضٍ، لا تظنوا أنا نستطيع أن نحدّ منه، ولا تظنوا أن المسلمين يستطيعون أن يكمموا أوفوه هؤلاء الكفرة.
إن نبي الله صلى الله عليه سلم العداوة ضده منذ أن بعثه الله عز وجل تعرض للأذى القولي تعرض لهذا كله في مكة حاول اليهود أن يلقوا عليه الرحى من على أسوارهم لولا أن الله تعالى حماه وأقامه من مكانه.
شُجّ وجهه، وكسرت أسنانه، تعرض للأذى صلى الله عليه وسلم، وأما الأقوال فليس لها حدّ ولا حصر: كاهن، مجنون، ساحر، إنما يعلّمه بشر، إن كنت تريد المال جمعنا لك، إن كنت تريد الملك ملكناك، وهلم جرا، هذا الكلام يصدر من كفار أصليين يصدر من مرتدين، يصدر من علمانيين، من شيوعيين، يصدر مثل هذا الكلام من هؤلاء الناس، غير أن الأذى الجسدي للنبي عليه الصلاة والسلام إن كان لم يتمكن من أذاه مباشرة هؤلاء القوم، إلا أنهم قد حاولوا أذيته من جسده صلى الله عليه وسلم حتى بعد موته، فلقد قامت حملات صليبية من أجل غزو المدينة النبوية، من أجل نقل جثمانه صلى الله عليه وسلم ليكون في المتاحف الأوربية، ومن أجل أن يدفع المسلمون ضرائب، من أراد أن يزوره دفع الضرائب كأنك تدخل متحفًا، إلا أن الله قيّض صلاح الدين الأيوبي، فأوقف هذه المهزلة بطريقة محكمة، ومكّنه الله تعالى من تقييد أولئك الفجرة الكفرة الصليبين ومن وقف معهم من مرتدي العرب آنذاك قيّدهم بالسلاسل وساقهم إلى مصر فقتلهم الفقهاء والعباد والزهاد.
ولقد حاول بعض عملاء هؤلاء مرات ومرات أن يعتدوا على جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد حُفرت أنفاق من تحت الأرض، ووصلوا إلى أن كُشف مخططهم وأُفسد عليهم ذلك، والتاريخ أكبر دليل وأكبر شاهد على ما نقول، فأفسد الله تلك المخططات، وحمى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه سلم.
إن هذه الأقوال يتهجمون بها على نبينا صلى الله عليه سلم يقول الله تعالى فيها: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ) [فصلت: 43].
هذا غير مستغرب أصلاً، وإن الله تعالى ليعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ويصبّره أن هذا الأمر سُنّة ماضية، فمن سنن الله تعالى أن أنبياء الله تعالى يُعادون ويوقف في وجوههم.
هذه المعركة مع أعداء الله عز وجل لا يمكن أن تنتهي أبدًا فهي مستمرة إلى قيام الساعة .
إن من مظاهر التطاول القديم ما ذكرناه آنفًا أنهم تطاولوا على جسده صلى الله عليه وسلم بالأذى محاولة القتل بالرمي بالحجارة إلى آخر ذلك، بل أكلوه السم صلى الله عليه وسلم حينما قامت يهودية بدس السم في ذراع الشاة، فأكل منها النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله تعالى حبس ذلك السمّ في لهاته من أعلى فمه صلى الله عليه وسلم.
ومات من مات من أصحابه الذين أكلوا من تلك الشاة، ولقد صح كما في البخاري عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه: «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».
أي ذلك العرق الذي فيه السم وفعلاً كان آخر حياته أن كتب الله له الشهادة العظمى بأن كان سبب موته ذلك السم الذي كان محبوسًا في عرقه صلى الله عليه وسلم، وانتقل إلى الرفيق الأعلى.
وما يحدث اليوم من تطاول على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم إنما هو أمر متوقع من هؤلاء القوم، فإنه قد حدث من جملة القساوسة والرهبان في أمريكا وفي غيرها كتبوا تكلموا وناقشوا وناظروا، وكانت حكومات تدعم مثل هذا التوجه، ويعطى أولئك القوم الأوسمة؛ لأنهم على حد زعمهم أنهم يظهرون الحرية وأنهم يحاربون الإرهاب إلى آخر ما يقولون، والغريب أن مثل هذه العبارات والإساءات لا تزيد الإسلام إلا قوة وانتشارًا، ولا تزيد المسلمين إلا ثباتًا وإظهارًا لهذا الدين، ولقد حصل من كثير من المرتدين الذين تكلموا في نبينا صلى الله عليه وسلم من سليمان رشدي إلى تلك الصومالية التي تنصرت والتجأت إلى بولندا، وكتبت ما كتبت، إلى إحسان الزنديق المرتد الذي كان من جنسية إيرانية وتكلم في نبينا صلى الله عليه وسلم إلى آخر ذلك، بل قبل هؤلاء جميعًا شخص علماني رسم رسمًا كاريكاتيرًا في بلد عربي مسلم رسم في جريدة ديكاتور وحوله تسع دجاجات ثم قال: محمد زوج التسعة، ولقد أثار ضجة كبيرة في وقته.
ولكن أقول: إن هؤلاء هم أقلام، وهم أبواق، وهم أداة لليهود والنصارى، بل إن مثل هذا الكلام للأسف الشديد ما هنالك وقفات جادة في وجه أمثال هؤلاء الذين تسول لهم أنفسهم أن يفعلوا مثل هذا الكلام.
إن هذه القضية أيها الإخوة الفضلاء: هي جزء من مخطط كبير وقعت فيه كثير من الدول التي وقعت على بعض الاتفاقيات دون تمحيص ودون نظر من هذه الاتفاقيات اتفاقية السيداو، وهذه الاتفاقية الظالمة التي من وقع عليه من بلاد المسلمين أدى إلى إلغاء كل القوانين والتشريعات التي هي من صلب روح الإسلام، وللأسف الشديد أن بلدنا وقعت عليها دون أي تحفظ.
وما نسمعه اليوم من المهازل بمجلس النواب أو في غيرها إنما هو تنفيذ لهذه الاتفاقية التي تُخِلّ بتشريعاتنا وتنظيماتنا، وتهدم علينا ديننا وأخلاقياتنا، فهنالك على سبيل المثال قضية مساواة المرأة بالرجل المساواة التامة بالرجل.
هنالك أيضًا من ضمنها ما يخص الأطفال، وحرية التدين، وحرية المعتقد، وهنالك على كل حال قضية الميراث: ميراث المرأة، وهكذا سيل من القوانين التي ستسمعون عنها، وستُعرض على مجلس النواب الذين يجب عليهم أن يتقوا الله في هذا البلد وفي هذه الأمة، وعلى الدولة أن تلغي وتشجب من هذه الاتفاقية؛ لأنها تتصادم مع الإسلام وجوهره.
إن إعادة تلك الرسوم في الدانمرك هذا أمر ليس بمستغرب، ويكفي أولئك القوم الذين قاموا بهذه المهزلة يكفيهم أنهم يعيشون في رعب، لا يهنأ أحدهم بنومه، ولا يستطيع أن يمشى وحده، ويمنع من دخول الفنادق وغيرها يكفيه رعبًا وخزيًا من الله عز وجل، وأن الله سبحانه وتعالى قد قال في محكم كتابه: (…لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ…) [النور: 11].
إن أعلى المطبوعات في الدانمرك وفي هولندا وفي السويد، أعلى المطبوعات رواجًا بعد تلك الرسوم ترجمت القرآن الكريم، وإن أكبر هدية يتهادى بها أولئك في أعياد ميلادهم المصحف المترجم على لغاتهم، وإن الناس الذين دخلوا في الإسلام وتعرفوا على الإسلام أضعاف أضعاف ما كانوا عليه من قبل، وإن الذين دخلوا على مكتبة الأزهر الشريف للتعرف على مطبوعاتها والتعرف على كتبها أكثر من 50% من المسلمين الذين يدخلون في موقع الأزهر الشريف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انتشار الإسلام وأن الله تعالى أراد بهذا خيرًا للدين وأراد بهذا خيرًا للإسلام والمسلمين.
إن ثمة دوافع رئيسة أدت إلى هذا التطاول وإلى هذه الهجمة الشرسة على نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم منها:
- العداوة القديمة لهذا الدين والغربيون تجاه الإسلام أنواع:
- النوع الأول: نوع مستكبر يعرف الحق لكنه مستكبر ظالم جبار طاغية يعبد نفسه وهواه ويعبد شهوته وهذا النوع ميئوس منه إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى لكن يجب مقارعتهم بالحجج.
- الطائفة الثانية: طائفة لا تعرف عن الإسلام إلا ما كتبته الطائفة الأولى من تشويه في السلوكيات، والأخلاق والعقائد والأفكار والتصورات الإسلامية، فلا يقفون لهؤلاء الناس وهذا الصنف إذا عرف الحق يمكن أن يدخل جمع كبير منهم في دين الله عز وجل.
- طائفة أخرى أصمت آذانها واستغشت ثيابها فلا تريد أن تسمع شيئًا لا حقًّا ولا باطلاً، هؤلاء مثل قوم نوح عليه السلام جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارًا، وهذا كثير من الناس تأتي تقول له: أريد أن أناقشك أو أريد أن أتحاور معك يقول: اقفل هذا الباب، لا تتحاور معي. لا يريد أن يتكلم معك، وهذا الصنف يحتاج إلى سعة بال ويحتاج إلى كثير من الطرق عليه.
- هنالك صنف آخر وهم المنصفون من الغربيين الذين يشهدون لهذا الدين بالاعتدال، ويشهدون لنبيه عليه الصلاة والسلام بعظمته، ويشهدون لتشريعاته بالعدل، ولكنهم وقفوا موقف أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعرف الحق غير أنه كان يهاب القبيلة، ويهاب الناس، ويهاب الوجهاء حتى إنه قال:
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا
فلماذا لا يسلم: قال :
لولا الملامة وحذار مسبة *** لوجدتني سمحًا بذاك يقينا
يعني أنه خاف قبيلته، وخاف أن يسبّه الناس فاستمر حتى توفاه الله عز وجل على غير الإسلام.
- الطائفة الرابعة: وهم المسلمون من الغربيين والذين لا يزال عندهم نوع غبش، لا يزال عندهم بعض المخالفات وهؤلاء لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وعلى أمة الإسلام والدعاة أن يبصروا هؤلاء بدينهم.
ومن أسباب التطاول أيضًا:
تقصير أبناء الإسلام عن عرض الإسلام بصورته المشرقة المشرفة، ومخالفات فادحة تنسب إلى الدين وتنسب إلى الإسلام، وهذا في الحقيقة مما يشوّه صورة الإسلام عند الغربيين.
ثالثًا: تزايد أعداء المسلمين عن طريق التوالد أحيانًا، وعن طريق الذين يدخلون تارة أخرى هذا يغيظ أعداء الله سبحانه وتعالى.
رابعًا: بعض الدعوات تعرض الإسلام بصورة مشوهة، وهذا ويؤدي إلى بُغض وكره الغربيين للإسلام.
خامسًا: تقصير المسلمين بالتعريف بالإسلام وبنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فالمسلمون مقصّرون في هذا الجانب وهم أصحاب ردود أفعال لا أصحاب مبادرات.
هنالك وسائل أتاحها الله عز وجل لهم لم يفعّلوها أبدًا.
سادسًا: أننا قصرنا في بيان الأخطاء التي وقعنا فيها ولم نعالجها، هنالك كثير من القضايا في قوانيننا، في إعلامنا، في اقتصادنا، في تعلمينا هنالك أخطاء فادحة في التعامل مع المرأة في بلاد الإسلام، لا يزال إلى يومنا هذا يتعامل مع المرأة في بعض الأماكن بظلم وجور لا تُعطى حقوقها؛ تُمنع من التعليم .
هذه القضايا كلها كانت أسبابًا لدخول هذا المنظمات، ولدخول هؤلاء من أجل أن يجبرونا على أن نسير وفق سيرهم، ووالله لو أننا اطلعنا على ما يدور وعلى ما يحصل للمرأة في بلاد الغرب لشاب من هول ذلك الصبيان والغلمان، إنها من أشد الإهانة للمرأة .
أيها الإخوة.. علمانية كانت تعمل في حقل الرجال أكثر من ستة وعشرين عامًا، لكنها في النهاية توصلت إلى أنها كانت في غاية الظلم، كتبت كتابًا ونُشر وطبع، قالت: لقد كنا ونحن من دعاة المساواة إذا جلسنا في طاولات كنا نقيس هذا الطاولات إذا وجدنا طاولة المرأة ناقصة ربع سنتي نصف سنتي قامت الدنيا ولم تقعد، إن هذا نوع من التميز.
قالت: لقد زرعوا في قلوبنا الحقد على الرجال، وإنني اليوم أتمنى أن أجد رجلاً يكفيني مؤنة العمل، وأجلس في بيتي أُمًّا لخمسة أطفال، وهذه شهادات كثيرة من قرأها عرف ما تعانيه المرأة كم من معاكسات للمرأة! كم من اتصالات للمرأة! كم من قتل للمرأة! كم من ظلم للمرأة!!
المرأة في كل شيء أقحموها حتى صارت سلعة تُبَاع وتُشتَرى، ولكن أين العقلاء من أمة الإسلام.
أيها الإخوة الفضلاء: أقول هنالك قصور، هنالك مخالفات وإخلالات عندنا معشر المسلمين، يجب على المسلمين أن يتخلصوا منها بالطرق الصحيحة حتى يكون ثمة مدخل لهؤلاء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه من والاه، وبعد:
أيها الإخوة الفضلاء:
ما من قضية إلا ولها علاج، هذا العلاج قد يكون علاجًا نافعًا ناجعًا، وقد يكون هذا العلاج يحد من ذلك المرض.
ظاهرة التطاول على النبي عليه الصلاة والسلام، وخصوصًا من الغربيين، يمكن أن تُعالَج ببعض المعالجات منها:
علاج المظاهر التي ذكرناها التي تسيء للإسلام في بلاد المسلمين حتى يظهر الإسلام بالصورة البيضاء المشرقة النقية كما هو عليه، ومن ثم لا بد من تبيين الدين الصحيح الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام نقيًا واضحًا إلى الغربيين، ويجب على المسلمين أن يصدروا ثقافتهم الإسلامية لأسواق الغرب بصورتها الواضحة البينة النقية، وهذا يحتاج إلى إعلام رفيع، إعلام مسئول، يحتاج إلى لغة عالمية يحتاج إلى مصداقية والقنوات الفضائية التي بدأت تعمل حاليًا والتي يتوقع أن ينطلق منها قنوات كثيرة سيكون لها دور .
يجب على المسلمين أن يصدروا ثقافتهم الإسلامية إلى بلاد الغرب عبر اللغات الحية، وأن يكونوا أشد حرصًا على تصدير هذه الثقافة من أمريكا في تصدير ثقافتها.
إن الأوروبيين أنفسهم يخاف بعضهم من تصدير الثقافة من بلد إلى بلد آخر، كما حصل من فرنسا أنها كانت تمنع البث المباشر الذي يصل إليها من أمريكا على سبيل المثال، قالوا: حتى لا تتشوه أخلاقياتنا وحتى لا تشوه أفكارنا وثقافتنا .
لكن للأسف في بلاد المسلمين هم كالإسفنجة يأخذون كل ما يصل إليهم، ليس لديهم فلترة للقنوات إن صح التعبير؛ تأخذ الطيب وترد الخبيث.
إن ما يأتينا من بلاد الغرب ليس كله سيئًا فمنه السيئ ومنه الطيب ومما بين ذلك، فينبغي أن نأخذ الطيب ونرد الخبيث، لكنهم في الغالب لا يصدرون إلينا إلا ما خبث فينبغي الاهتمام بهذا الجانب.
علينا أيضًا أن نعمل لتكن أمتنا أمة قوية أمة متماسكة أمة مستقلة فكريًّا ثقافيًّا ومستقلة كما يسطرون في دساتيرهم، وإن ما يسطرونه اليوم إنما هو حبر على ورق، إنها دولة مستقلة ذات سيادة، وهي ليس عندها استقلال ولا عندها أي سيادة.
انظروا -بارك الله فيكم- إلى اليهود، هذه الشرذمة القليلة التي تمكنت من إيجاد قوة لنفسها بخلاف ما عليه المسلمين اليوم لا يستطيع أحد أن يرد باطلاً من حقهم، مثل قضية محرقة اليهود على سبيل المثال.
إنهم استصدروا قانونًا يحرم كل من أنكر هذه المحرقة، وهي قضية باطلة، ما كان هنالك محرقة لليهود ولا شيء، إنما هذا افتعال، وهذا يستعطفون به الناس، لكن هذا هو منطق الأقوياء، أما الضعفاء فلا يستطيعون أن يدافعوا عن أوطانهم، فضلاً عن أن يدافعوا عن دينهم أو معتقدهم… إلخ.
أيضًا من المعالجات على المسلمين ابتداء بحكامهم الذين بأيديهم القرار، عليهم أن يسحبوا سفراءهم من تلك الدول، وإن كان ثمة سفراء لتلك الدول عليهم أن يُخرِجوهم من بلدهم، وهذا قرار يجب أن يكون من حكام المسلمين وإلا فإنهم آثمون وهو راضون بمثل هذا العمل، الساكت عليه من الإثم مثل من فعل.
عليهم سحب سفرائهم وطرد سفراء تلك الدول، عليهم أن يمنعوا استيراد البضائع من تلك الدول بهذا العمل، فيستوجب على التجار أن يقاطعوا تلك البضائع والمنتجات، وتحرم عليهم أن يبقوا وكلاء لتلك البضائع حتى ترجع هذه الدول عن غيها.
لقد كان في المقاطعة السابقة نجاح عظيم، ولقد كانت بعض الشركات تخسر ملايين الدولارات يوميًّا، ولقد تحركت هذا الشركات وكان للمقاطعة ثمرة، لولا أن بعضهم أضعف هذه المقاطعة، نحن لا يكفينا أن تعتذر الشركة، هذه القضية قضية الدولة بنفسها عليها أن تعتذر، وعليها أن تمنع الإساءة لديننا والإساءة لنبينا عليه الصلاة والسلام.
الإساءة لكتاب ربنا عز وجل، على التجار أن يتحملوا مسئوليتهم بين يدي الله عز وجل، وليتعلموا أن ما يكسبونه من مال من هذه البضاعة إنما هو سحت وحرام؛ لأنهم يتحينون الفرص لهؤلاء لينالوا من ديننا، ولينالوا من نبينا صلى الله عليه وسلم، ووالله لو أن تاجرًا أُسيء لعرضه والله ليبذل الملايين، وما ضيق الله عز وجل على هؤلاء التجار ولا ضيّق على المسلمين؛ هنالك بدائل، اطرقوا بلاد المسلمين، انظروا إلى إندونيسيا ففيها ما يمكن أن تمنع من البضائع من استيرادها من هذا الدول، انظروا مصر، انظروا إلى السودان، انظروا إلى غيرها من الدول المنتجة الباكستان وغيرها من الدول، كذلك أيضًا تركيا.
سنجد فيها هذا البدائل، بعضهم للأسف الشديد قال في المقاطعة الأولى: خرجنا نبحث عن حليب لأولادنا ما وجدنا. هذا كلام فارغ.
هنالك بدائل كثيرة حتى في بلاد الغرب نفسها التي لم تسئ إلى ديننا ولا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، يمكن أن تكون هذا بدائل أن لم يقم التجار بواجبهم، فعلينا نحن معاشر الشعوب أن نقوم بدورنا، وأن نقاطع هذه البضائع ولا نشتري شيئًا، علينا أن نتفحص هذه البضائع فما وجدناه منشأه من هذه الدول علينا أن نرده، وعلينا ألا نشتريه حتى تؤتي المقاطعة ثمارها بإذن الله عز وجل.
ويجب علينا أيضًا كمعالجة أن تعتز بديننا صلى الله عليه وسلم أن نُظهر سنته أن نحيي سنته علينا أن تدعونا إلى سنته صلى الله عليه وسلم علينا كذلك أن نستبصر بالدين، فما كان عندنا من بدع ومخالفات علينا أن نتركها كل ذلك؛ انتصارًا لرسول لله صلى الله عليه وسلم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك.
والحمد لله رب العالمين.
التعليقات