عناصر الخطبة
1/ الدنيا لا تخلو من كدر 2/بماذا يواجه المؤمن البلايا؟ 3/أسلحة المؤمن في مواجهة الهموم 4/نماذج من ابتلاء الله لأنبيائه 5/أدعية تزيل الهموم.اهداف الخطبة
اقتباس
إن سلاح المؤمن الذي يواجه به ذلك كله هو إيمانه الصادق بقضاء الله وقدره, فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, فلمَ تحزنُ لشيءٍ لابد لابد أن يقع؟!, ولمَ تأسف على فائت لم يكن أبداً ليقع...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن من حكمة الله تعالى أن جعل الدنيا غير خالصة العنت والشقاء, ولا خالصة السعادة والهناء, فلا يزال العبد يتقلب فيها بين حالتين, حتى ينتهي به الترحال إلى دار السعادة الخالصة, أو إلى دار الشقوة الخالصة.
إن أكدار الدنيا من غموم وهموم وأحزان يصاب بها العباد على اختلاف طبقاتهم وأنواعه من مسلم وكافر, لكن للمسلم عند نزول الهموم به ما ليس لغيره من أهل الأرض, فهو يملك من سلاح الإيمان الصادق والعلم النافع, ما يواجه به مصاعب الدنيا، فلا توهن قوته ولا تضعضع عزيمته, ولا تحطم نفسيته, لا يعدو أن يراها منحة في أثواب محنه, لا يراها سوى نعمة ربانية لكن جاءت بلباس المصيبة.
هكذا هي المصائب وما ينتج عنها من هموم تكدر الخواطر وتعكر المزاج وتظلم الدنيا على عين صاحبها, سواء كانت مصيبة فقد عزيز أو تراكم ديون، أو فقد مال، أو فوات أمنية أو غير ذلك, من مصائب الدنيا وأكدارها.
إن سلاح المؤمن الذي يواجه به ذلك كله هو إيمانه الصادق بقضاء الله وقدره, فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, فلمَ تحزنُ لشيءٍ لابد لابد أن يقع؟!, ولمَ تأسف على فائت لم يكن أبداً ليقع, (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [الحديد: 22، 23].
إن من لا يؤمن بالقدر إذا نزلت به المصيبة جنَّ جنونه وفقد شعوره, وهجمت عليه الاضطرابات النفسية حتى ربما وصلت به إلى الانتحار, تلح عليه أسئلة الاعتراض على مجريات الأقدار, يلح عليه تأنيب النفس: "لو فعلت كذا لما كان كذا, لو كان كذا لم يحصل كذا..". كما قال المنافقون من قبل: (لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [آل عمران: 154].
إن هذه الاعتراضات على أقدار الله إنما هي عذاب عاجل قبل العذاب الأخروي, فلا تسلكوا طريقهم, ولا تتبعوا سنتهم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [آل عمران: 156].
ومن أسلحة المؤمن في مواجهة مصاعب الحياة ومصائبها: أن يعلم أن كل ما يقضي الله له فهو خير إن أحسن استغلاله, إذا أنعم الله عليك بنعمة تسرك فاشكرها تكن من الشاكرين, وإن نزلت بك بلية تسوؤك فاصبر تكن من الصابرين, فأنت بين حالين: إما مسرور شاكر, وإما مبتلى صابر. وأنت مأجور في كلا الحالتين, لهذا يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير, إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له". [رواه مسلم].
تأمل -أخي المسلم- هل يشاركك أحد في الدنيا في هذه الخاصية من غير المسلمين؟. لا -والله-, ولهذا يقول -صلى الله عليه وسلم- في الرواية الأخرى للحديث: "عجباً لأمر المؤمن, أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن". فاحمد الله أن منَّ عليك بنعمة الإيمان.
وأمر آخر أن تعلم -يا عبد الله- أن ما تبتلى به من هم أو غم صغير, أو كبير حقير أو خطير, فإنه كفارة لك من ذنوبك على قدر المصيبة, فحيثما وقعت المصيبة وقع التكفير, يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصيب العبد من هم ولا غم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه". عجيب والله!! تفعل المعصية باختيارك ويكفرها الله بشيء ليس باختيارك, ولكن ما العجب والله أكرم الأكرمين، وأيّ عجب والله بالناس رؤوف رحيم.
فإن صبرت على المصيبة كتب لك أجر الصبر وهو غير التكفير السابق للخطايا, ومعنى الصبر أن تمنع قلبك من السَّخط على قضاء الله, وأن تمنع لسانك من التلفظ بما يغضب الله, وتمنع جوارحك كاليد من نتف الشعر أو لطم الخد أو شق الثياب كما تفعله النوائح, أما حزن القلب ودمع العين والبكاء بدون الصراخ فلا بأس به إذ هو مما لا يعذب الله به.
ومن أسلحة المؤمن التي يواجه به ما يصادفه في حياته من البلاء: تدبر القرآن الكريم, حيث تجد فيه ما وعد الله الصابرين من الأجر والثواب والنعيم المقيم, والنظر في أخبار أنبياء الله ورسله وأتباعهم وما لقوا من العناء العظيم في هذه الدنيا.
انظر لنوح -عليه السلام- وهو يصارع قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومن أعدائه زوجه وولده.
انظر لخليل الرحمن وما لقي من العناء, كاده الناس وتسلط عليه الجبابرة, وطرد من أرضه وأوقدت له النار وطرح فيها, ونجاه الله من ذلك بعد صبر عظيم.
انظر لموسى وما لقي من فرعون وقومه, ثم ما لقي من بعض أتباعه من بني إسرائيل, ما زال معهم في عناء حتى لحق بالرفيق الأعلى.
انظر لأيوب -عليه السلام- وما ابتلى به من المرض الطويل وموت الأهل, فصبر على ذلك كله حتى جاء الفرج.
وانظر لخاتم الرسل وسيدهم -صلى الله عليه وسلم- ولد يتيماً ونشأ فقيراً, وعاداه قومه وأخرجوه وفقد في سبيل الدعوة إلى الله أحب الناس إليه, وابتلاه الله بأنواع من البلاء, فمات أولاده كلهم قبله إلا فاطمة, وكان يبتلى ببعض الأوجاع والإصابات التي قد تلزمه الفراش ولا يصلي بسببها إلا قاعداً, وكان يمر به الشهران ولم يوقد في بيوته نار, إنما يأكل هو وأزواجه الماء والتمر إلا أن يهدى إليه شيء.
ومع ذلك كانوا لربهم حامدين شاكرين وعلى ما أصابهم صابرين, فهؤلاء صفوة الخلق, أفما لك فيهم -يا عبد الله- أسوه أمالك في أخبارهم تخفيف وسلوه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين. أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطـبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد :
فإن أسلحة المؤمن التي يواجه بها ما يعترضه من الهموم والأكدار والمصائب كثيرة -والحمد لله-, ومنها إضافة لما سبق ذكره: الإكثار من الدعاء, ولا سيما الأدعية الواردة في علاج الهموم والكربات, فاحفظها -أيها المهموم المغموم المكروب- وتدبرها وألح بتكرارها حين حصول أسبابها بصدق وثقة وخشوع وضراعة, وسترى من عجيب لطف الله بك ما لا يخطر لك على بال.
ومن هذه الأدعية المباركة ما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو عند الكرب يقول: "لا إله إلا الله العظيم الحليم, لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم" [متفق عليه].
وعن أنس -رضي اللّه عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أكربه أمر قال: "يا حَيُّ يا قَيُّومُ, بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" [أخرجه الترمذي وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد وحسنه الألباني].
وعن أبي بكرة -رضي اللّه عنه- أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ, وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ, لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ" [أخرجه أبو داود وحسنه الألباني].
وعن أسماء بنت -عُمَيْس رضي اللّه عنها- قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: "ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ -أو في الكرب-, اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً" [أخرجه أبو داود وصححه الألباني].
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي اللّه عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له" [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
هذه أدعية مباركة وإذا خرجت من قلب صادق واثق بوعد الله عظيمِ الرجاء فيما عنده كان لها أنفع الأثر -بإذن الله-.
اللهم فرج هم المهمومين واقض الدين عن المدينين...
التعليقات