عناصر الخطبة
1/تحقيق الإسلام للخير وحفظه للمصالح 2/التحذير من الرشوة وبيان أضرارها 3/حقيقة الرشوة وصورهااقتباس
ومن مظاهر الفساد دفع الرشوة لغرض تزوير الشهادات والتقارير في التعليم والتدريب والتوظيف، ومما يعطل المصالح ويضر بالأرواح الرشوة في تزوير شهادات ومناقصات البناء والمقاولات والرقابة على الدواء والغذاء وغيرها من مصالح البلاد والعباد...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله، مُعِزّ الإسلام بنصره، ومُذِلّ الكفر بقهره، ومُصَرِّف الأمور بقَدَره وأمره، وما قدَرُوا اللهَ حقَّ قدره، أحمده -سبحانه- وأشكره، توالَى علينا إحسانُه وخيرُه، وتتابَع علينا فضلُه وبِرُّه، وأشهد أن لَا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا إلهَ غيرُه، ولا ربَّ سواه، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُه ورسولُه، شرَح صدرَه، ووضَع عنه وِزْرَه، وأتمَّ له أمرَه، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، وتابعيهم بإحسان وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فيا سعادة من اتقاه، ويا فوز من خافه في سره ونجواه.
عباد الله: لقد جاءت شريعة الإسلام بما يحقق الخير للأمة جمعاء، ويحفظ المصالح، ويكفل الأمن والرخاء، ولا يستقيم للمجتمع أمرٌ ولا يتَّسِق له شأن إلا إذا قام كل بمسؤولياته، والتزم بواجباته، بصدق وإخلاص، وتفانٍ وتضحية، ومراعاةٍ لحدود الله وأحكامه، وبخاصة ما يتعلق بحفظ المال العام الذي به قوام الأمة وقوتها؛ ليكون عوناً على عمارة الأرض، وإحقاق الحق ودرء الباطل، ومما جاءت به الشريعة الغراء النهيُ الأكيد والزجر الشديد عن جريمة الرشوة؛ أخذاً وإعطاءً وتوسُّطاً.
الرشوةُ أكلٌ للأموال بالباطل، وتناولٌ للسحت؛ (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:188]؛ أي: لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم؛ ليقتطعوا لكم حقا لغيركم، وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم، وهي من صفات اليهود التي ذمهم الله عليها ومقتهم بسببها؛ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)[المائدة:42]، والرشوة من السحت كما فسره ابن مسعود وغيره.
التعامل بالرشوة وقبولها، بلاء عظيم؛ فهي مَغْضبة للرب، ومَجْلبة للعذاب، ففي الحديث: "لعن الله الراشي والمرتشي"(رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه)، وهي من كبائر الذنوب كما قال أهل العلم كالذهبي وغيره.
إخوة الإيمان: الرشوة داءٌ وبيل ومرض خطير، ضررها على الأفراد والمجتمع عظيم، وفسادها كبير، فما يقع فيها امرؤ إلا ومُحِقت منه البركة، وما تدنَّس بها أحد إلا وذَهبت مروءته، وفسدت أخلاقه، وساءت عاقبته.
الرشوة -معشر الفضلاء- ما تفشَّت في مجتمع إلا وغابت منه الفضيلة، وحلت فيه الكراهية محل النصيحة، والخيانةُ محلَّ الأمانة، والظلم محل العدل، وانتشر الغش والتزوير، واستغلت الوظيفة العامة، وضيعت الأمانة.
بالرشوة تُهدَر الحقوق، وتُعطَّل المصالح، وبها يُقدَّم السفيه الخامل، ويُبعد المجدُّ العامل، فكم ضيَّعت من حق، ورفعت من لئيم، وأهانت من كريم!.
حقيقة الرشوة -عباد الله- كلُّ ما يدفعه المرء لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين؛ ليتوصَّل به إلى ما لا يحل له، وهي تأتي على صور كثيرة، من أعظمها ما يُعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو لظلم أحدٍ من الناس.
ومن صُورها: دفع المال في مقابل قضاء مصلحةٍ يجب على المسؤول عنها قضاؤها بدون هذا المقابل، ومن صورها أيضاً مَنْ دفع الرشوة ليُعْطى ما ليس له، أو ليدفع حقاً قد لزمه، أوليُفضَّل أو يقدَّم على غيره من المستحقين.
الرشوةُ في الإسلام محرَّمةٌ بأي صورة كانت، وبأي اسم سُمِّيت، سواء سُميت هديةً أو مكافأة؛ فالأسماء لا تغيِّر من الحقائق شيئاً، فقد نهت الشريعة عن استغلال المناصب للمصالح الشخصية، أو أخذ الهدايا عليها، وقد وبخ النبي -صلى الله عليه وسلم- مَنْ يستغل منصبه وعمله في استجلاب منافعه الخاصة، فقال: "مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي، يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ: أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟"(أخرجه البخاري)؛ "وفي الحديث دليل على أن هدايا العمال والولاة والقضاة سحت؛ لأنَّه إنَّما يُهدَى إلى العامِلِ ليغمضَ له في بعض ما يجِب عليه أداؤُه، ويبخَس بحقِّ المساكينِ، ويُهدَى إلى القاضي ليَميلَ إليه في الحُكمِ، أو لا يُؤمَن من أن تحملَه الهدِيَّةُ عليه"(شرح السُّنة 5/498)، وقال النووي: "وفي هذا الحديث بيانُ أنَّ هدايا العمال حرام وغلول؛ لأنه خانَ في ولايته وأمانته"(شرح مسلم).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ"(رواه أحمد)، فهدايا العمال حرام؛ لأنها طريق يوصل إلى تضييع الأمانة بمحاباة المهدي لأجل هديته.
ويعظم جُرم الرشوة إذا كانت لتعطيل حدِ من حدود الله، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ولا يجوز أن يؤخذ من الزاني أو السارق أو الشارب أو قاطع الطريق ونحوهم مال تعطل به الحدود، لا لبيت المال ولا لغيره، وهذا المال المأخوذ لتعطيل الحد سحت خبيث، وإذا فعل ولي الأمر ذلك فقد جمع بين فسادين عظيمين أحدهما: تعطيل الحد، والثاني: أكل السحت، وترك الواجب وفعل المحرم"(السياسة الشرعية).
ومن مظاهر الفساد دفع الرشوة لغرض تزوير الشهادات والتقارير في التعليم والتدريب والتوظيف، ومما يعطل المصالح ويضر بالأرواح الرشوة في تزوير شهادات ومناقصات البناء والمقاولات والرقابة على الدواء والغذاء وغيرها من مصالح البلاد والعباد.
وصور الرشوة كثيرة، وتختلف من بلد إلى آخر، ومن مصر إلى مصر، فاتقوا الله -أيها المسلمون- واستجيبوا لنداء ربكم، وأطيعوا أمره واجتنبوا نهيه، واحذروا أسباب غضبه، تسعدوا في الدنيا والآخرة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا.
وبعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واعلموا أن جريمة الرشوة من أخطر جرائم الفساد التي تعود سلبًا على الفرد والمجتمع؛ لما ينتج عنها من تعطل المصالح، وفساد الأخلاق، وإسقاط الحقوق، فالواجب محاربتها، والإبلاغ عن مرتكبيها، بالطرق المتاحة، وبذل النصح والتواصي بالحق، وإلا أُخِذَ العامة بذنب الخاصة، قالت زينب -رضي الله عنها-: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ"(متفق عليه).
فاتقوا الله -عباد الله- واحرصوا على الكسب الحلال؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ سورة البقرة)[البقرة:168]، وقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل: "يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!"(رواه مسلم).
هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية، وأزكى البشرية محمد بن عبد الله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وارض اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المرضيين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، اللهم وفقهما لهداك، واجعل عملهما في رضاك، وهيئ لهما البطانة الصالحة يا رب العالمين.
التعليقات