رمضان تبشير الرسول به وأحوال الناس فيه

صالح بن محمد باكرمان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/تبشير النبي أصحابه بقدوم رمضان والحكمة منه 2/بعض خصائص هذا الشهر ومميزاته 3/عظم رحمة الله وكرمه في رمضان 4/من أعظم بركات شهر رمضان

اقتباس

استقبلوا شهركم بالتوبة إلى الله -تعالى-, توبوا إلى الله توبة نصوحا من كل ذنب, استقبلوا شهركم بالعزم على التغيير إلى الأحسن, إلى إصلاح النفس وتزكيتها, استقبلوا شهركم بالعفو والتغافر فيما بينكم...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده وسوله, صلى الله عليه وعلى آله صحبه وسلم.

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102], (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].

 

أيها المسلمون: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم, يخبرهم بقدومه مبشرا به وحاثا عليه ومعظما لشأنه, ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ, شَهْرٌ مُبَارَكٌ, فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ, تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ, وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ, وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ, لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ, مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ"(رواه الإمام أحمد والنسائي, وهو حديث صحيح صححه الألباني).

 

يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بقدوم الشهر, وكلهم يعلم أن الشهر قد قدم؛ ولهذا كان هذا الإخبار هو تهيئة, هو تبشير, هو بيان للفضائل, هو حث على استغلال الفرصة, هو حث على تعظيم شعيرة من أعظم الشعائر؛ "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ, شَهْرٌ مُبَارَكٌ"؛ باركه الله -عز وجل-, بارك في وقته, بارك في الحسنات فيه، بارك في العبادة فيه، بارك فيه بالعفو والغفران والنجاة من النيران, بارك الله -عز وجل- فيه بليلة القدر, "شَهْرٌ مُبَارَكٌ"؛ باركه الله -عز وجل- وجعله كله بركة.

 

"فَرَضَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ"؛ الفرض: الواجب, أي: إن صوم رمضان هو ركن من أركان الإسلام، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس...", وذكر منها: "صيام رمضان".

 

إن صيام رمضان فرض من الله -سبحانه وتعالى- فيجب على المؤمن أن يصومه إيمانا واحتسابا, لا عادة واتباعا للخلق؛ "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(متفق عليه)؛ "إيمَاناً" بالله -عز وجل-, "إيمَاناً" بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، "إيمَاناً" بالقران, "إيمَاناً" بالإسلام, "إيمَاناً" بفرض الصوم, "وَاحْتِسَاباً" للأجر, وابتغاء وجه الله والدار الآخرة, لا رياء ولا سمعة, ولا نفاق ولا اتباع عادة.

 

ثم ذكر الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بعض خصائص هذا الشهر ومميزاته, فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ, وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ", وفي رواية أخرى للترمذي: "وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ", هنا يربطنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالآخرة, الدار الحقيقية, بالجنة والنار, وكم غفلنا عن الآخرة!, غفلت القلوب عن الموت وما بعده, عن الجنة؛ عن نعيمها, عن أشجارها, عن أنهارها, عن الخلود فيها, غفلت القلوب عن النار؛ عن عذابها ولهيبها, وسعيرها وزمهريرها, وسلاسلها وأغلالها!.

 

يربطنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالآخرة الجنة والنار بعيدا عن الماديات والدنيا التي تلهينا, التي تغشى على القلب رانا وغبارا, فلا يذكر ولا ينتبه؛ "تفتح أبواب الجنة" الثمانية في هذا الشهر الكريم؛ باب الصلاة, وباب الريان للصائمين, وباب الجهاد, وباب الصدقة, وباب الأخلاق, والصلة, وباب التوبة, كل الأبواب تتفتح للصائمين, للمصلين, للتائبين, للمتخلقين بالأخلاق الحسنة.

 

"وتغلق أبواب الجحيم", قال -تعالى-: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)[الحجر: 44], تغلق أبواب الجحيم في هذا الشهر الكريم, تغلق دركات النار من رحمة الرحيم -سبحانه-؛ يريد لعباده أن يقبلوا عليه, وأن يتوبوا إليه أن يستغفروه, أن يعملوا خيرا حتى يدخلهم جنته، من رحمة الرحمن الرحيم -سبحانه- لا يريد أن يعذبنا, ولا يريد أن ندخل النار؛ (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)[النساء: 147], رحمة الله -عز وجل- وغفرانه معروضة في هذا الشهر لمن أرادها, لمن طلبها, لمن سعى فيها.

 

تتفتح أبواب الجنة, وتغلق أبواب الجحيم، وفي رواية الترمذي: "وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ", فالأوان أوان الخير وليس الأوان أوان الشر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ", وفي رواية: "صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ"؛ المردة من الشياطين: أهل العتو يصفدون بالأصفاد والأغلال والقيود يسلسلون.

 

العدو "الشيطان" الذي نغفل عنه كثيرا, يذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا, فأعظم شر في العالم سببه إبليس الذي أخرج أبوينا من الجنة, وأقسم بعزة الله -عز وجل- أن يغوينا؛ (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ)[الأعراف: 27]؛ لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة, ماذا فعل؟ ينزع لباسهما, هذا هو مراده هذا هو طريقه إلينا، الشهوة وكشف العورات سبيل الشيطان؛ لينزع عنهما لباسهما, ليريهما سواءتهما؛ ليحرك الشهوة, ومن الشهوة ينطلق، يدخل علينا من هذه الأبواب ويضلنا بعد ذلك.

 

(لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ)؛ تحذير من الله -سبحانه وتعالى-, ومن رحمة الله -سبحانه وتعالى-, ومن بركة هذا الشهر الكريم أن الله -عز وجل- يقيد مردة الشياطين العتاه منهم, لا يقيد كل أحد وإنما المردة, فكل شيطان مارد عات يقيد؛ من أجل أن يخف الشر, وتقل الوطأة على الناس, ويبقى بعض الشياطين يوسوسون للناس من أجل الابتلاء.

 

خلق الله -عز وجل- الشياطين من أجل الابتلاء, خلقك الله -يا عبدالله- وأرسل الرسل وأنزل الكتب, وجعل لك عقلا تفهم به, وأنار لك الطريق, وعرفك طريق الخير وطريق الشر؛ (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[الإنسان: 2، 3], أبان الطريق, وأعطاك المشيئة والإرادة, وخلق الشياطين وليس بيدهم شيء إلا الوسوسة, لا سلطان له علينا إلا بالوسوسة, ثم النفوس هي التي تتبع, ومع ذلك في هذا الشهر الكريم تصفد الشياطين ومردة الجن؛ فيتهيأ الناس للتوبة وللإقبال على الله, وللاستعداد للفيوضات الربانية, والنفحات الإلهية في هذا الشهر المبارك, جعلنا الله -عز وجل- وإياكم ممن تناله هذه البركات.

 

وأعظم البركات بركة ليلة القدر؛ "فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ", فضل العمل فيها خير من ثلاثة وثمانين سنة, فضل عميم, وبركة عظيمة؛ "مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ", من حرم خير هذه الليلة فقد حرم الخير كله, ومن الذي يحرمه الله -عز وجل- منها؟! هو الذي لم يتهيأ لها من أول يوم من رمضان؛ أخذ يفعل المعاصي, ويفرط في الواجبات, ولا يصلح نفسه, مشغول بالدنيا وبالملهيات, فإذا جاء زمانها حرمها, و"مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ".

 

فاتقوا الله -عباد الله-, واستغلوا شهركم في ما يقربكم إلى ربكم, قلت ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

 

أيها الصائمون: بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقدوم الشهر وذكر خصائصه وفضائله ومزاياه؛ حثا على استغلال الفرصة فيه, حثا على التوبة, حثا على الإقبال على الله -عز وجل-, وزجرا عن انتهاك حرمة شعيرة من شعائر الله العظيمة؛ (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].

 

ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الخصائص من أجل أن ننتهز الفرصة بالبيئة الصالحة المتيسرة للتوبة والعمل الصالح, التي ينادي المنادي: يا باغي الخير أقبل, ويا باغي: الشر أقصر, ولكن الناس مع ذلك ليسوا على حال طيب أو وتيرة واحدة مع هذه البشارة ومع هذا الشهر الكريم؛ فالناس تختلف أحوالهم في هذا الشهر, منهم من انتبه لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- واستمع لكلامه, واستقبل الشهر بالتوبة, وبالعزيمة على تغيير النفس, يصوم صوما خالصا نقيا, يكثر فيه من ذكر الله, وقراءة القرآن, ويعنى فيه بالصلاة وقيام الليل, ويستعد فيه لرحمة الله -تعالى-.

 

وصنف آخر لم ينتبه لهذه الوصية, لم ينتبه لهذه البشارة, وهو في غفلة من أمره؛ ينام النهار, ويغفل بالليل مع التلفاز, ومع المواقع الاجتماعية, وصفحات التواصل الاجتماعية, فهو في غفلة من أمره؛ (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)[الأنبياء: 1 - 3], أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن لا يجعلنا وإياكم منهم.

 

وصنف ثالث واقع في المعاصي مفرط في الواجبات, يصوم ولا يصلي, أو يصلي ويترك, أو يصوم وينتهك الحرمات, وبعضهم ينتهك الحرمات في ليالي رمضان, ظنا منه أنه لا حرج عليه في ذلك, أو أن الأمر يسهل في ليالي رمضان, فهذا الذي ينتهك الحرمات, وينتهك حدود الله -عز وجل-, متوعد بالوعيد, موعود بعذاب الله -عز وجل- إذا ترك صلاة من الصلوات, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكفر تَرْكَ الصَّلاَةِ"(رواه مُسلِم).

 

الذي يترك الصيام أو بعض أيامه, أو يختان نفسه برؤية المحرمات في هذا الشهر الكريم, عليه أن يتذكر الموت والرحيل عن هذه الدنيا, والوقوف بين يدي الله -عز وجل-؛ (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[المطففين: 6], سوف يسأل عن كل شيء؛ فإما إلى الجنة, وإما الى النار, بل هو متوعد بالنار -والعياذ بالله-, وهؤلاء ينبغي زجرهم, ينبغي تذكيرهم, وينبغي الأخذ على أيديهم من قبل الدولة, من ينتهك الحرمات, من يرى يفطر في نهار رمضان, من يضايق النساء في نهار أو ليالي رمضان؛ "فإن الله -عز وجل- يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران", كما قال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

 

وصنف رابع -أيها الأحبة- هم المنافقون, والمنافقون في كل زمان, وإذا كان المنافقون قد كانوا موجودين على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أفلا يكونون موجودين في هذا الزمان, وفي كل زمان؟! (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[المنافقون: 1], المنافقون هم أعظم خطر؛ (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[المنافقون: 4], يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ يفتحون لهم المسلسلات والأفلام والمقاطع الباطلة, وكل ما يعطل المسلمين عن طاعة الله -عز وجل-, يوجدون كل ما يحرف المسلم عن طاعة الله, ويوقعه في معصية الله -تعالى-, قال الله -تعالى- عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19], نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي المنافق.

 

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا), كيف كان عبدالله بن أبي يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ بمجرد إفكه وقذفه لعائشة -رضي الله عنها- وإعلان ذلك, بمجرد إشاعته: أن الزنا وقع في المجتمع المسلم بدلا من ستره, إشاعته لفاحشة مكذوبة في بيت النبوة؛ (يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا), فكيف بمن يقدم على الفاحشة, ويزين الفاحشة, ويهيئ الفاحشة, ويدفع إلى الفاحشة؟!.

 

اعرف عدوك -عبد الله- واحذر منه، انتبه لنفسك من أن تضل عن طاعة الله -عز وجل-، إذا كانت شياطين الجن تقيد وتصفد فشياطين الأنس لا تقيد ولا تصفد .!

 

اتقوا الله -عباد الله- استقبلوا شهركم بالتوبة إلى الله -تعالى-, توبوا إلى الله توبة نصوحا من كل ذنب, استقبلوا شهركم بالعزم على التغيير إلى الأحسن, إلى إصلاح النفس وتزكيتها, استقبلوا شهركم بالعفو والتغافر فيما بينكم؛ (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[النور: 22], استقبلوا شهركم باستغلال الفرصة, وإعداد النفس من أوله؛ حتى تحوزوا خيره في آخره.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يكرمنا ببلوغ شهر رمضان, وأن يوفقنا فيه للصيام والقيام والذكر والطاعات، وأن لا يعلنا من الغافلين, اللهم اجعلنا من خيرة الصائمين, واجعلنا من خيرة المصلين, واجعلنا من خيرة العابدين, اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات؛ إنك سميع قريب مجيب الدعوات, اللهم اغفر لنا وارحمنا, وعافنا واعف, عنا وتب علينا, اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمعلمينا ومن أوصانا بالدعاء, اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان, اللهم رحماك بنا يا رب العالمين في الدنيا والآخرة.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ؛ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90], فاذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات
Rg6hgPIgseAmNOEhkiR45ISboRXlMqdMyqfPIj9q.pdf
4zFlJ9Iz0udebrNknJPvSUW2uPaU3Qn11j0E3OqI.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life