عناصر الخطبة
1/ نعمة الولد 2/ بعض معاناة الآباء في تربيته 3/ استهداف الأعداء لأبناء الأمة 4/ نصائح وتوجيهات مهمة للأبناء
اهداف الخطبة

اقتباس

ولدي الغالي، هل تأذن لي أن أهمس لك بهمساتٍ أرى أنها خرجت من صميم قلبي؟ لقد كتبتها لك لتكون نبراساً لك في حياتك، هي ذكريات وخواطر دارت وسارت في روحي وعقلي.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل نعمة الولد من أجلّ النعم وأزكاها، والصلاة والسلام على رسولنا محمد الذي ربانا على العناية بمسؤولية تربية أولادنا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".

 

أما بعد: ولدي الغالي، هل تأذن لي أن أهمس لك بهمساتٍ أرى أنها خرجت من صميم قلبي؟ لقد كتبتها لك لتكون نبراساً لك في حياتك، هي ذكريات وخواطر دارت وسارت في روحي وعقلي.

 

ولدي الحبيب: لقد كنتُ أدعو الله كثيراً بأن يرزقني بابن صالح يكون سعادةً لي وقرة عينٍ لي ومعيناً لي في هذه الحياة، لا تعلم كم كانت سعادتي لما بدأتْ أعراض الحمل بك على والدتك، رغم المعاناة التي تشعر بها الأم، ولكنه الشوقُ لك.

 

ولما جاء وقتُ الولادة طارت قلوبُنا شوقاً لرؤيتك، وخرجتَ، وسمعنا صوت بكائك فاختلطتْ فرحتنا بك بدموع الفرح، فلك الحمد يا رب!.

 

أخبرتُ أصحابي بك، وجهزتُ الوليمة لكي ينزلوا في ضيافتي شكراً لله على نعمةِ الولد، شعرتُ بفرحٍ كبير وهم يباركون لي ويهنئونني بك.

 

بدأتْ حياتُك، وأصبحَ وجودك في البيت من النعم الكبيرة، كانت ضحكاتُك تسعدنا، بدأتَ تحبو فزاد جمالك، وظهرت طفولتك، نسهرُ كثيراً عليك حينما تمرض، نُسعفك للمستشفى ونطارد النوم، وربما دفعنا مالاً كثيراً لعلاجك.

 

وتمضي السنوات، وتأتي المراحل الأولى من دراستك، فتكون فيها فرحتنا كبيرة، وتمضي السنوات، ثم تبدأ مراحل المراهقة لديك، وكنتُ حريصاً على معرفة فنون التعامل معك حينها، ولقد أتعبتنا كثيراً؛ كنتَ تعصيني أحياناً، وتقدم نفسك وأصدقاءك عليّ! كنتُ أقلق عليك من صحبةِ السوء، وكنتُ أدعو لك في سجودي أن يحفظك الله من كل شر.

 

يا ولدي، كم أفرح حينما أراك في المسجد تصلي مع الناس؛ لأن الصلاة بوابة الرحمة، وطريق الرضوان، ومفتاح السعادة لك؛ وكم أتألم حينما أراك نائماً عن صلاتك، بعيداً عن مناجاة ربك.

 

يا ولدي، أما سمعت بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت صلح باقي عمله، وإن فسدت فسد باقي عمله" صحيح الترغيب.

 

يا ولدي، جاهد نفسك على الصلاة، واستعذ بالله من نزغات الشيطان الذي يريد أن يصدك عن الصلاة.

 

ولدي الحبيب، تُعجبني فيك رجولتك، ولكن اعلم أن الرجولة ليست بالقوة على الآخرين والتسلط عليهم؛ بل بالقيام بحقوقهم، وضبط النفس عن إلحاق الضرر بهم.

 

يا بني، كن هادئاً في تعاملك مع الآخرين، ولا يحملك حماسك على الخصومات معهم، والله! إن في السجونِ لشباب قادتهم نفوسهم إلى إحداث المشكلات مع الناس حتى كان السجنُ منزلاً لهم.

 

 ولدي الغالي، إن الأعداء يتنافسون في إفساد أخلاقك عبر تلك القنوات الماجنة، والصور المحرمة، فاحذر -يا حبيبي- من إطلاق البصر في تلك المحرمات، وخاصةً مع تيسر سبل التواصل في الجوالات.

 

إن نهاية الشهوات مصائب وهموم، وضيق للصدر، وقد قال الرب -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124].

 

 ولدي الحبيب، لعلك سمعتَ ببعضِ قصصِ المخدرات ومآسيها ونهاياتها المؤلمة، فهذا يموتُ وهو متعاط لتلك المخدرات في دورة المياه، وهذا وجدوه ميتاً عند صندوق النفايات وقد اسودّ وجهه، وثالث يموت في شقته ولا يعلم به أحد ويجدونه بعد أيام وقد أكل الدودُ بعض جسمه، وخرجت منه رائحة كريهة.

 

إن هؤلاء لم يكونوا ليقعوا في جحيم المخدرات لولا صديق السوء؛ صديق السوء هو البداية لكل جريمة، وهو مفتاح الشهوات والمخدرات، صديق السوء يزين لك المخالفات ويقنعك بلذةٍ ونشوةٍ عند ممارستك لتلك المحرمات، ولكنه يتخلى عنك في أي لحظة ليتركك تعيش وحيداً تلك المآسي والآلام.

 

 يا بني، لا تكن سبباً لجلب الهموم لي والأحزان عبر صحبتك لهؤلاء الأشرار، ارحم قلب أمك، ولا تجعل الهموم تحيط بها بسبب جريمة تقع فيها مع هؤلاء الفجار.

 

يا بني، احذر من البدايات، لتنجو من جحيم النهايات؛ كم يسعدني أن تكون متميزاً في دراستك، متفوقاً على زملائك! لا تلهينّك مواقع التواصل وألعاب الجوال والأجهزة الذكية و"البلي ستيشن" عن مذاكرة دروسك.

 

أفرحُ كثيراً حينما أراك في أوائل الطلاب الذين حازوا على الامتياز، إنك قادرٌ على التفوق والطموح وبلوغ الدرجات العالية؛ أنت ذكيٌ جداً، ولديك مهارات عالية في الدراسة، ولكنك بحاجةٍ إلى مزيد من الاجتهاد والاعتكاف على دراستك.

 

يا ولدي، لقد وضعنا لك كل الإمكانات التي تسهل دراستك، اخترنا لك المدرسة المناسبة، بل قد ندفع لك المال في بعض مراحلك الدراسية، لم نطالبك بشيء من خدمات المنزل، بقي عليك أن تجتهد في دراستك وتجعل والديك يفرحانِ بك.

 

ولدي الغالي، حينما تفشل في الامتحان فتأكد أنك تجلبُ لعيني الدموع، ولقلبي الحزن، فيا ولدي، هل تريد أن يفرحَ الناسُ بنجاح أولادهم وأنا بينهم أتجرع مرارة الألم بفشلك؟ يفرحون ويصنعون ولائم الفرح لأجل تفوق أولادهم وأنا في وسطهم مطأطئ رأسي، أنت الذي يرفع رأسي حينما تكون المتميز بينهم، أرجوك يا ولدي ارفع رأسي، وأدخل السرور على قلبي، لماذا تعاقبني؟ ماذا فعلت بك؟.

 

يا بني، الزم صحبة الأخيار الذين معك في المدرسة أو في الحي، الصديق الصالح تنتفع برؤيته قبل كلامه، تقتبس منه الخلق الحسن، وتسمع منه الكلمة الطيبة، يلعب معك، يضحك معك بكل صدق ووفاء، تذهب معه للرحلات لتمارسوا الترفيه في بيئةٍ محافظة تحيط بها الأخلاق الحسنة من كل جانب.

 

يا بني، كم كنتُ أتمنى وأنا صغير أن تكون حلقات التحفيظ موجودة في حارتنا القديمة، ولقد فرحتُ كثيراً لما علمتُ بأنك قد وضعت اسمك في حلقات القرآن التي في مسجدنا.

 

استمر -يا ولدي- في تلك الحلقات؛ لتكون من خير الناس الذين قال عنهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري، والتزم بأحسن الأخلاق مع أصدقائك في الحلقة، ومع معلمك بالأخص.

 

كن متميزاً بجودة الحفظ، وكثرة المراجعة؛ ليثبت القرآن في صدرك، وأبشر بشفاعة القرآن لك يوم القيامة! ولعلك سمعت بحديث: "اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم.  

 

يا بني، استفد من وقتك في المفيد من الأعمال، اقرأ وتعلم، ومارس مهنةً جميلة، وطور مهاراتك، ولا تستسلم للانهزامية النفسية، ولا تجعل نفسك تقودك لكي تعيش فوضوياً، نعم، امرح والعب، ولكن لا يصح أن تكون حياتك كلها لعباً.

 

الزمن لا يرحم، والحياة تتطلب الجد لكي تضع لك بصمةً في الوجود، هناك عاطلون عن العمل، وآخرون حققوا طموحات؛ فمن أيهما تريد أن تكون؟.

 

غامر في حياتك، ولاتكن عالةً على أحد، واعلم أن العرق الذي يتصبب منك نتيجة اجتهادك خير لك من مالٍ تأخذه من صديق قد يمن به عليك.

 

يا بني، آن الأوان بعد أن رزقك الله بهذه الوظيفة أن تتزوج لتعف نفسك عن الحرام، ولتكمل نصف دينك، وتبدأ في تكوين أسرة صالحة تؤانسك في الحياة.

 

نحن معك في جودة الاختيار، وفي بقية متطلبات الزواج، ولن نتخلى عنك.

 

يا ولدي، لا يلهينك جمال تلك الفتاة عن البحث عن دينها وأدبها، فلن يبقى لك جمالها أبد الدهر، أما الدينُ والأدب فهو ملازمٌ لك طوال بقائك معها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يوصيك: "فاظفر بذات الدين".

 

يا بني، حينما تختلف مع زوجتك فلا تتخذ قراراً سريعاً في حل تلك المشكلة، استشر حكيماً قبل أن تفعل أي شيء، وإياك والغضب! اخرج من المنزل، واهدأ قليلاً، ولا تطع الشيطان الذي يقنعك بفكرة الطلاق والخلاص منها.

 

وتأكد أنه لا يخلو بيت من مشكلة، وأن الصبر علاج لا بد منه، وأن النصيحة والتغافل مطلبان مهمان في حياتك الأسرية.

 

يا بني، كن حازماً في ضبط مالك عن المصروفات التي لا تنفعك، ولاتكن بخيلاً على نفسك وعلى أسرتك، اجمع مالك، وتعلم كيف تصنع من راتبك مشروعاً صغيراً يعينك على الحياة.

 

قصة النجاح تبدأ من الرغبة الصادقة، والإرادة القوية؛ استعن بالله لتحقق نجاحات كثيرة في حياتك.

 

 يا بني، كم أتألم من إصرارك على شرب الدخان وأنت تعلم ضرره وسوء عاقبته على صحتك ومالك! وقبل ذلك "دينك"! لقد مات الكثير بسبب السرطان ولا نريد أن نخسرك.

 

يا ولدي، استعن بالله، وجاهد نفسك على تركه، واعلم أن هناك الكثير ممن تركه بكل يسر وسهولة وأبدله الله بصحة عالية، وبركةٍ في ماله وأسرته.

 

يا بني، لا تضيع شبابك في التدخين وجلسات المدخنين والشيشة، والله! لن ينفعوك لا في الدنيا ولا في الآخرة.

 

أرجوك -يا ولدي- من هذه اللحظة، اعزم على ترك التدخين لتدخل السرور على قلبي وعلى قلب أمك التي تبكي عليك وأنت لا تعلم.

 

اللهم أصلح أولادنا وبناتنا يا رب العالمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله.

 

وبعد: ولدي الغالي، إن التعامل مع الآخرين له فنون وآداب، فاحرص على احترام الكبير، وكن منصتاً له حينما يتحدث، وسلم عليه بحفاوة وتكريم وعبارات جميلة، وارحم الصغير، وتواضع مع العمال، وتصدق عليهم بما يتيسر بين يديك، وحافظ على نظافة الحي، ولا ترم ببقايا الطعام في الطرقات أو في المنتزهات.

 

يا بني، لقد مات صاحبك في السيارة على سوء الخاتمة، نعم، مات وصوت الغناء يخرج من سيارته، لقد قال له بعض الذين حضروا اللحظات الأخيرة من حياته: قل: لا إله إلا الله. فلم يقدر على النطق بها، بل قال: أنا في سقر، لم أكن أصلي!.

 

يا بني، عد إلى ربك، وجدد علاقتك بمولاك، كفى ذنوباً وإعراضاً عن الله، افتح صفحةً جديدةً مع الله، ليضيءَ قلبُك بالهداية، لتشرق أنوار التوبة على وجهك، لتنال محبة الله، فالله مع التوابين.

 

يا ولدي، الحق بركب الصالحين، واحذر فجأة الموت التي قد تأخذك وأنت على غفلةٍ، فحينها تقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون: 99-100].

 

يا ولدي، أنا أحبك، وأريد أن نلتقي سوياً في جنات الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

 

أسأل الله أن يغفر لي ولك وأن يهدينا إلى سواء السبيل.

 

يا بني، هذه ومضات خرجت من قلبي عبر هذه السطور، خذها من قلبٍ يحبك ويرجو لك دوام السعادة والسرور.

 

 

 

 

المرفقات
رسائل من أب لابنه.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life