عناصر الخطبة
1/قصص نبوية رائعة في رد الجميل 2/حفظ الجميل من أخلاق الأوفياء الكبار 3/أعظم جميل في عنق الإنسان 4/التعامل الراقي مع أصحاب الفضل والإحسان.

اقتباس

حِفظُ الجَميلِ .. خُلُقٌ جليلٌ .. بل هو من أخلاقِ الأوفياءِ الكِبارِ .. الذي لا ينسونَ المعروفَ ولو طالَتْ بهم الأعمارُ .. فلا يزالُ الكريمُ أسيرًا لصاحبِ الجميلِ .. يُظهرُ له الوِدَّ ويُمطرُه بالثَّناءِ الجزيلِ .. وأما اللَّئيمُ فهو يتجافى عن أصحابِ العطايا الكبيرةِ .. لأنَّه يظُنُّ أنَّهم إنما أحسنُوا إليه لمصالحِ الدُّنيا الحقيرةِ ..

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الذي رفعَ السماءَ بِلا عَمدٍ، الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ، الفردِ الصَّمدِ، الذي لم يلدْ ولم يولدْ، ولم يكن له كُفوًا أحدٌ، الحمدُ للهِ الذي خَلقَ الإنسانَ في كبدٍ، أحمدُه –سبحانَه- وأشكرُه كثيرًا بلا عددٍ، خَلقَ الخلقَ وأحصاهم عَددًا، ورزقَ الخلقَ ولم ينسَ منهم أحدًا.

 

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ بإذنِه وسِراجًا منيرًا، رسولَ البَشريةِ، ومعلمَ الإنسانيةِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كلامُ اللهِ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

 

بعدَ عَودةِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وبصحبتِه زيدُ بنُ حارثةَ من الطَّائفِ، وقد لَقيَ من ثَقيفٍ ما لقيَ من الإيذاءِ والضَّربِ بالحجارةِ، قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟، فَقَالَ: "يَا زَيْدُ إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ"، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حِرَاءٍ فَأَرْسَلَ رَجُلاً مِنْ خُزَاعَةَ إِلَى مُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ يَسْأَلُهُ: "أأَدَخُلُ فِي جِوَارِكَ؟"، فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلاَحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَامَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا فَلاَ يَهِجْهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ، فَانْتَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ وَمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَوَلَدُهُ مُحِيطُونَ بِهِ.

 

وبعدَ سنواتٍ من هذه الحادثةِ هاجرَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إلى المدينةِ، ثُمَّ ماتَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ على الشِّركِ قبلَ غزوةِ بدرٍ، وفي يومِ بدرٍ نصرَ اللهُ –تعالى- المسلمينَ، وأُسرَ من المشركينَ سبعينَ، وكانَ الرَّأيُ أن يؤخذَ منهم الفِداءَ ..

 

والآن.. اسمعوا لهذا الكلامِ الذي يرويهِ جُبيرُ بنُ مُطعِمٍ بنِ عَدِيٍّ -رَضيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"، لأطلَقَهم له جميعًا دونَ فديةٍ، ردًَّا للجميلٍ الذي كانَ منه في مكةَ.

 

وفي المدينةِ .. في السَّنةِ التَّاسعةِ للهجرةِ ماتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ رأسُ المنافقينَ، بعدَ سنواتٍ من عداوةِ الإسلامِ، والكيدِ للنَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، والطَّعنِ في عِرضِه الطَّاهرِ من الآثامِ، فيحضرُ قبرَه، ويستغفرُ له، ويُلبسُه قميصَه، أتعلمونَ لماذا؟، لأنَّ العباسَ -رضيَ اللهُ عنه- عمَّ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- لمَّا جيءَ بهِ أسيرًا يومَ بدرٍ، لم يكنْ له ثوبٌ، وكانَ رَجُلاً طويلاً، فلم يجدوا قميصًا يُناسبُه إلا قَميصَ ابنِ سلولَ، فأعطاهُ العباسَ .. فلم ينسَ له رسولُ اللهِ -صلى اللهِ عليه وسلمَ- هذا الجميلَ في عمِّه.

 

وهكذا أيُّها الأحبَّةُ كانَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- لا يتركُ جميلاً إلا ردَّه بما هو أحسنُ منه انطلاقًا من قولِه تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)[الرحمن: 60]، حتى إنَّه في ذلك اليومِ الذي يَفرُّ النَّاسُ بعضُهم من بعضٍ، ولا ينظرُ فيه أحدٌ إلى أحدٍ، وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، يبقى جميلٌ واحدٌ قد حفظَه النَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- لصاحبِه .. فمن هو ذلكَ الرَّجلُ؟ .. جَاءَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِلنَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فَقَالَ لَهُ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ -يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ-، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟، قَالَ: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"، شفاعةٌ خاصةٌ لعمِّه الذي دافعَ عنه وحماهُ، ولولا الكُفرُ لشفعَ له حتى من العَذَابِ نجَّاهُ.

 

وإذا كانت هذه بعضُ مواقفِه -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في ردِّ الجميلِ مع المُخالفينَ لدينِه، فماذا تتوقعونَ فِعلَه مع أحبابِه وأتباعِ دينِه، ولذلكَ اسمعوا ماذا قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ، ما خلَا أبا بكرٍ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ، ومَا نفَعَنِي مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِني مالُ أبي بِكْرٍ، ولَوْ كنتُ متخِذًا خَلِيلاً، لاتخذْتُ أبا بكرٍ خلِيلاً، أَلَا وَإِنَّ صاحبَكُمْ خليلُ اللهِ".

 

حِفظُ الجَميلِ .. خُلُقٌ جليلٌ .. بل هو من أخلاقِ الأوفياءِ الكِبارِ .. الذي لا ينسونَ المعروفَ ولو طالَتْ بهم الأعمارُ .. فلا يزالُ الكريمُ أسيرًا لصاحبِ الجميلِ .. يُظهرُ له الوِدَّ ويُمطرُه بالثَّناءِ الجزيلِ .. وأما اللَّئيمُ فهو يتجافى عن أصحابِ العطايا الكبيرةِ .. لأنَّه يظُنُّ أنَّهم إنما أحسنُوا إليه لمصالحِ الدُّنيا الحقيرةِ .. وصدقَ الشَّاعرُ:

إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ *** وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللَّئيمَ تَمَرَّدَا

 

هناكَ أُناسٌ قد اصطفاهم ربُّ العالمينَ، ليسَ لهم همٌّ إلا سعادةَ الآخرينَ، وليسَ لهم شُغلٌ إلا مساعدةَ الآخرينَ، فهم لغيرِهم بينَ سعادةٍ ومُساعدةٍ، لا يريدونَ من أحدٍ جزاءً ولا شُكورًا، وإنما يخافونَ من ربِّهم يومًا عبوسًا قمطريرًا .. يضعونَ بينَ أعينِهم: "اصْنَعِ الْمَعْرُوفَ إِلَى مِنْ هُوَ أَهْلُهُ، وَإِلَى مِنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، فَإِنْ كَانَ أَهْلَهَ، فَهُوَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلَهَ، فَأَنْتَ أَهْلُهُ" .. ولسانُ حالِ أحدِهم:

ازرعْ جميلاً ولو في غيرِ مَوضعهِ *** فَلا يضيعُ جميلٌ أينما زُرِعا

إنَّ الجميلَ وإن طالَ الزمانُ بهِ  *** فليسَ يَحصدُهُ إلا الذي زَرَعا

 

ولذلكَ فإنَّه ينبغي لنا أن نُقابلَ هذا الإحسانَ والمعروفَ، بالمُكافأةِ وإن لم يَكنْ فبالدُّعاءِ ورفعِ الكُفوفِ، كما أَمَرَ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في الحديثِ: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ"، فيجبُ مكافأةُ الجميلِ، ولو كانَ بالدُّعاءِ والثَّناءِ الجزيلِ.

 

بل وأنكرَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- على مَن يرُدُّ الجميلَ حتى على بهيمةٍ .. فعَنْ عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ، وَقَدْ كَانُوا أَصَابُوا قَبْلَ ذَلِكَ نَاقَةً لِرَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، قَالَ: فَرَأَتْ مِنَ الْقَوْمِ غَفْلَةً، فَرَكِبَتْ نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، ثُمَّ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرَهَا إِنْ نَجَّاهَا اللهُ تَعالى، قَالَ: فَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَتْ أَنْ تَنْحَرَ نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، فَمُنِعَتْ مِنْ ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، فَقَالَ: "بِئْسَمَا جَزَيْتِيهَا أَنْ حَمَلَكِ اللَّهُ عَلَيْهَا وَنَجَّاكِ بِهَا ثُمَّ تَنْحَرِينَهَا"، ثُمَّ قَالَ: "لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ".

 

ولقد كانَ النَّاسُ في أيامِ الخيرِ، يُجازونَ على الجميلِ بالكَثيرِ، أَقبَل سعيدُ بنُ العاصِ يَومًا يَمشي وحدَه من المسجدِ، فقامَ إليه رجلٌ من قُريشٍ، فمشى عن يَمينِه، فلمَّا بلَغَا دارَ سعيدٍ، التفتَ إليه سعيدٌ فقال: ما حاجتُكَ؟، قال: لا حاجةَ لي، رأيتُكَ تَمشي وحدَكَ فوصَّلتُك، فقالَ سعيدٌ لقَهْرَمانِه –أي: خازنِ المالِ- ماذا لنا عندَك؟، قالَ: ثلاثونَ ألفًا، قالَ: ادْفعها إليهِ.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، أوجبَ علينا الشُّكرَ عندَ النِّعمِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

 

فأخبرني كيفَ ترُدُّ الجميلَ لزوجتِك الوفيَّةِ التي أفنتْ شبابَها وجمالَها لكَ، ونَثرتْ بطنَها لك؟، اسمعْ إلى مِثالٍ عظيمٍ في ذلكَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا، كَانَ النَّبِي -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَها لَمْ يَسْأَمْ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ: "قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ".

 

وأما أعظمُ حقٍّ وجميلٍ على الإنسانِ بعدَ حقِّ اللهِ –تعالى- وحقِّ رسولِه -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، هو حقُّ الوالدينِ، فأخبرني كيفَ ردُّكَ للمعروفِ والجميلِ، لأصحابِ الفضلِ ووصيةِ العزيزِ الجليلِ.

 

واسمع كيفَ علَّمَنا اللهُ العليمُ السَّميعُ، أن نتعاملَ مع أصحابِ الفضلِ الرَّفيعِ.. تَوجيهٌ رَبَّانيٌّ، لمن أنجَبَني وربَّاني: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، إحسانٌ (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)، احترامٌ (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا)، قولٌ جميلٌ (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، تواضعٌ (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23- 25]، دُعاءٌ .. ولا يزالُ لسانُ الحالِ يُردِّدُ:

 

ولو أنني أُوتيتُ كلَّ بَلاغةٍ *** وأفنيتُ بحرَ النُّطقِ في النَّظمِ والنَّثرِ

لَما كُنتُ بعدَ القَولِ إلا مُقصِّرًا *** ومُعترفًا بالعجزِ عن واجبِ الشُّكرِ

 

اللهمَّ أعنَّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، ربَّنا اجعلنا لك ذاكرينَ، لك شاكرينَ، إليكَ أوَّاهينَ منيبينَ، اللهم أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ بها علينا، اللهم اجعلنا من عبادِك الشاكرينَ.

 

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحولِ عافيتِك، وفجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سخطِك، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ يا أرحمَ الراحمينَ، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النارِ.

 

 

المرفقات
رد-الجميل.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life