عناصر الخطبة
1/مكانة الأشهر الحرم 2/سبب تسمية الأشهر الحرم 3/شدة حرمة الظلم في الأشهر الحرم 4/أنواع الظلم 5/محدثات شهر رجباقتباس
والمَعَاصِيَ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَشَدُّ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا، سَوَاءً كَانَتِ المَعَاصِي مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ اللهِ، أَمْ بِحُقُوقِ النَّاسِ؛ فَمَنْ كَانَ يَتَسَاهَلُ بالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَة؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].
عباد الله: مِنَ الأَزْمِنَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عباده بِتَعْظِيمِهَا، وَمُرَاعَاةِ حُرْمَتِهَا: الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ؛ قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة:36]، وقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"(رواه البخاري ومسلم).
وكانَتِ العَرَبُ في جَاهِلِيَّتِهَا تُعَظِّمُ هَذِهِ الأَشْهُرَ الحُرُمَ؛ فَلَا تَسْفِكُ فِيْهَا دَمًا، ولا تَأْخُذُ فِيْهَا بِثَأْرٍ، وجَاءَ الإِسْلَامُ لِيُؤَكِّدَ حُرْمَةَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ.
وسُمِّيَتْ هَذِهِ الأَشْهُرُ حُرُمًا؛ لأَمْرَيْن:
1- لِتَحْرِيمِ القِتَالِ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَبْدَأَ العَدُوّ.
2- وَلِأَنَّ المُحَرَّمَاتِ فِيْهَا أَشَدُّ مِنْ غَيْرِها من الشهور.
وَإِذَا كانَ المُسْلِمُ مُطَالَبًا بِتَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ في كُلِّ وَقْت، فَإِنَّ مُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ في الأَشْهُرِ الحُرُمِ آكَدُ وأَعْظَم؛ وَلِذَا قالَ تعالى: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].
وَالظُّلْمُ على نَوْعَين: ظُلْمُ النَّفْسِ بالمعاصي، وظُلْمُ الغَيْرِ بالاِعْتِدَاءِ بالقَوْلِ أَوْ الفِعْل.
وَكُلُّ المَعَاصِي ظُلْمٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَيَتَأَكَّدُ اجْتِنَابُهَا فِي الْأَزْمِنَةِ المُعَظَّمَةِ كَرَجَبٍ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُم.
والمَعَاصِيَ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَشَدُّ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا، سَوَاءً كَانَتِ المَعَاصِي مُتَعَلِّقَةً بِحُقُوقِ اللهِ، أَمْ بِحُقُوقِ النَّاسِ؛ فَمَنْ كَانَ يَتَسَاهَلُ بالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَة؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ، وَمَنْ كَانَ يَتَسَاهَلُ بِأَكْلِ الْحَرَام، مِنْ رِبًا أَوْ رِشْوَةٍ أَوْ غِشٍّ أوَ كَذِبٍ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ فَلْيُمْسِكْ عَنْ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ.
وَمَنْ كَانَ يَتَسَاهَلُ بالنَظَرٍ إِلَى الْحَرَام، فَلْيُمْسِكْ عَنْهَا فِي رجب.
وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْه، أو قَطَعَ رَحِمَهُ، أَوْ أَسَاءَ إِلَى جَارِهِ، أوَ ظَلَمَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ مِنْ خَادِمَ أَوْ عَامِل؛ فَلْيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ؛ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ رَجَبٍ، وَامتِثَالًا لقوله تعالى: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].
وَالتَّقصِيرُ فِي الْفَرَائِضِ، ظُلْمٌ وَمَعْصِيَةٌ؛ فَمَنْ كَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ المَفْرُوْضَةَ عَنْ وَقْتِهَا، أو يَتَخَلَّفُ عَنْ أَدَائِهَا مَعَ الجَمَاعَة؛ فَلْيُحَافِظْ على تِلْكَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ مَعَ الجماعة؛ تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ هذا الشهر.
وكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَمُرُّ عَلَيْهِ رَجَب، كَمَا يَمُرُّ غَيْرُهُ مِنَ الشُّهُورِ؛ لَا يَسْتَشْعِرُ حُرْمَتَهُ، وَلَا يَسْتَحْضِرُ عَظَمَتَهُ، وَلَا يُرَاعُي حَقَّ اللّهِ فِيه، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوب)[الحج:32].
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: إِنَّ تَعْظِيْمَ شَهْرِ رَجَب، لا يَعْنِي تَخْصِيْصَهُ بِعِبَادَةٍ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَذَلِكَ خُرُوجٌ عن السُّنةِ إلى البِدْعَةِ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَاَلَة، وَهِيَ مَرْدُوْدَةٌ على صَاحِبِهَا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ؛ فَهُوَ رَدٌّ"(رواه البخاري ومسلم).
وَمِمَّا أَحْدَثَهُ بَعْضُ المُسْلِمِيْنَ في شَهْرِ رَجَب: صَلَاةُ الرَّغَائِب، والعُمْرَةُ الرَّجَبِيَّة، واعْتِقَادُ فَضْلِهَا على غَيْرِهَا مِنَ الشُّهُور، والاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاج، وغَيْرِهَا مِنَ البِدَعِ والمُحْدَثَاتِ التي لا تَزِيْدُ صَاحِبَهَا مِنَ اللهِ إِلَّا بُعْدًا، قالَ ابنُ القَيّم: "وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي ذِكْرِ صَوْمِ رَجَبٍ، وَصَلاةِ بَعْضِ اللَّيَالِي فِيه؛ فَهُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى".
فَحَرِيٌّ بِالمُسْلِمِ أَنْ يَتَّبِعَ لا أَنْ يَبْتَدِع؛ فَإِنَّ مَحَبَّةَ اللهِ وَرَسُوْلِه، لا تُنَالُ إِلَّا بالاِتِّبَاعِ لا بِالاِبْتِدَاع! قال عَزَّ وَجَل: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران:31].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات