عناصر الخطبة
1/تفاضل الشهور والأزمان 2/ارتباط الأشهر القمرية بالعبادة 3/فضائل الأشهر الحرم 4/بعض البدع والمحدثات في شهر رجب 5/دعاء أول شهر رجب.

اقتباس

شهر رجب لا مزية له على سائِر الشهور إلا كونه من الأشهر الحُرم، وعليه فلا يُخَصُّ بعبادةٍ دون غيره، ولا بذِكْر يكون عند أول ليلةٍ من لياليه، أن الله -جَلَّ وَعَلَا- يصبُّ على عباده الرزق صبًّا، فلم يأتِ بهذا خبرٌ صادقٌ عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-....

الخطبةُ الأولَى:

 

إنَّ الحَمْدَ لِله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فلا هادي له.

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه صلى الله عليهِ وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين وسار على نهجه واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ عباد الله: فاتقوا الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: مايز الله -جَلَّ وَعَلَا- بين الأماكن وبين الأزمان، بل وبين عباده، بل وبين رُسله، بل وبين درجات الناس في جناته جناتِ عدن حكمةً منه -سبحانه-؛ (حِكْمَةٌ ‌بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)[القمر: 5].

 

ومن ذلكم هذه الأشهر القمرية التي عليها مدارُ عباداتكم في صيامكم وحجكم وزكاتكم، فترتَّب عليها ثلاثة أركانٍ من أركانِ الدين متوقفةٌ على الأشهُر القمرية لا على الأشهر الشمسية الميلادية؛ فقال الله -جَلَّ وَعَلَا- في آيةِ سورةِ التوبة: (إِنَّ ‌عِدَّةَ ‌الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التوبة: 36].

 

 وقد بيَّن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- هذه الأشهر الحُرم فقال: "ثلاثٌ متوالية: شهر ذي القعدة، وذي الحجة، وشهر الله المُحرَّم، والرابع رجبُ مُضر الكائِن بين جُمادى وشعبان"، ونُسِب الشهر إلى مُضر؛ لأنها زادت على عمومِ قبائل العرب تعظيمًا له وتبجيلاً، فنُسبَ إليهم.

 

عباد الله: شهر رجب لا مزية له على سائِر الشهور إلا كونه من الأشهر الحُرم، وعليه فلا يُخَصُّ بعبادةٍ دون غيره، ولا بذِكْر يكون عند أول ليلةٍ من لياليه، أن الله -جَلَّ وَعَلَا- يصبُّ على عباده الرزق صبًّا، فلم يأتِ بهذا خبرٌ صادقٌ عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 ومما أحدثه الناس في رجب: أنه في ليلة أول جمعة منه يعتقدون أنها ليلةٌ رغيبة أو ليلة الرغائِب حتى يُهنئ بعضهم بعضًا بذلك، وهذه بدعةٌ أُخرى، وأيضًا قولُ بعضِهم: إن ليلة الرغيبة تُحيا بألفِ ركعة، ولم يأتِ بهذا هديُ نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وإنما هي من البدع المحدثةِ في دين الله يُزَيِّنها الشيطان؛ شيطان الجن مع شيطان الإنس في قلوب هؤلاءِ الضعفة حتى يُشغلهم عن عبادة الله بالشريعة الصحيحة وبالسُنةِ الثابتةِ عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

 ومن البدع -يا عباد الله- في هذا الشهر: تخصيصه عن غيره بالصيام، ولم يَصُم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- رجب، وإنما كان أكثرُ ما يصوم في شعبان؛ لأنه كالراتبةِ القبليةِ في رمضان، ففي الصحيحين من حديث عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قالت: "ما رأيت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في شهر أكثر من أن يصومَ منه في شهر شعبان، كان يصومه كله إلا قليلاً".

 

وأما رجب فلا يُخصُّ بصيامٍ ولا بصلاة، ولا يُخصُّ أيضًا باحتفالات كما يُحدثه الناس في آخر ليالي هذا الشهر في ليلة السابعِ والعشرين مما يسمونها ليلة الإسراءِ والمعراج، وهذا إنما حدث في الناس بعد القرنِ الرابع، أحدثهُ الباطنيون العُبيديون القرامطةُ -أخزاهم الله-.

 

 وليلة إسرائِه ومعراجهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لم تكن في رجب، وإنما كانت على الصحيحِ في شهر ربيع الأول، ومع ذلك لم يُحييها -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، ولم يحثنا على إحيائِها بأيّ نوعس من الذِكر أو العبادة.

 

فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا البدع، فإنها بريدٌ إلى الكُفر وذريعةٌ ووسيلة إلى خروجكم عن دين الله -عَزَّ وَجَلَّ-، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ‌شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21].

 

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وما فيهِ من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فعظِّموا أوامر الله -جَلَّ وَعَلَا- بالمُسارعةِ إلى إتيانها، وعظِّموا نواهيه بتجنبها والمُبادرةِ إلى التحذير منها.

 

واعلموا -عباد الله- أن الحديث الذي يُروى عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه يقول عند فاتحة دخولِ رجب: "اللهم بارِكْ لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان" أنه لا يصحُّ عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فهو لا يصحُّ سندًا ولا متنًا، وأما إذا قاله القائِل دعاءً من غير اعتقاد أن النبي قاله فهذا لا حرج فيه.

 

عباد الله: إن هذه السُّنن ما ظهر منها سُنةٌ إلا وأماتت بدعة، وإن هذه البدع -يا رعاكم الله!- ما ظهرت وإلا وأماتت في مُقابلها سُنة حتى تفشو البدع وتعم وتغيب السُنن وتندثر بالجهل الذي يظنه الناس لهم دينًا؛ (أَفَمَنْ ‌زُيِّنَ ‌لَهُ ‌سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)[فاطر: 8].

 

ثم اعلموا أن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم عزًّا تُعزّ به أولياءك، وذلاً تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، ويُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم من ضرنا وضر المؤمنين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد علينا فكِد عليهِ يا خير الماكرين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم من أراد بلادنا أو أراد أمننا أو أراد ولاتنا وعلماءنا وأراد شعبنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيرهُ تدميرًا عليه، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا.

 

 اللهم كن للمُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، كل لنا ولهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ارحم المُسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

 اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى، والعفاف والغنى، ونسألك عزًّا للإسلام وأهله وذلاً للكفر وأهلهِ يا ذا الجلال والإكرام، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life