عناصر الخطبة
1/وجوب الصبر على المصيبة 2/حقيقة التشاؤم والتحذير منه 3/علاج التشاؤم وطرق دفعه 4/آثار التشاؤم وعواقبه 5/من فوائد التفاؤل.اقتباس
احذر لسانك أن تقول قولاً فيه تشاؤم, ولكن قل قولاً فيه تفاؤل وخير, قال الماوردي -رحمه الله-: "وَأَمَّا الْفَأْلُ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْعَزْمِ وَبَاعِثٌ عَلَى الْجِدِّ وَمَعُونَةٌ عَلَى الظَّفَرِ, فَقَدْ تَفَاءَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزَوَاتِهِ وَحُرُوبِهِ, وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ كَلِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ: "أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ"...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء, وجعل أمر المؤمن كلَّه له خير, إن أصابته سرَّاء شكر؛ فكان خيراً له, وإن أصابته ضرَّاء صبر؛ فكان خيراً له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-, وتوبوا إلى ربكم؛ فإنَّه -سبحانه- تواب رحيم.
عباد الله: إنَّ ما يلاقيه المسلم في حياته من شدائد ومصاعب وعقبات إنَّما هي ابتلاءات, فمن صبر ورضي بأقدار الله؛ فليبشر بالأجور والحسنات, ورضا رب الأرض والسماوات, فمن ابتلي بشيء من الخوف أو بشيء من الجوع أو بنقص مال, بخسارته في تجارة أو بضياع شيء منه, أو بمرضه أو بموت أو بمرض من يحب, فصبر واسترجع فله البشرى؛ قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155 - 157]؛ قال السعدي -رحمه الله-: "من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً, واحتسب أجرها عند الله، وعلم أنَّ ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكونُ نعمةً في حقِّه؛ لأنَّها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب"(ينظر تفسير السعدي).
عباد الله: إنَّ المصائب قد تسبب التشاؤم لبعضهم, فيفتح المتشائم على نفسه طريقاً إلى التعاسة والشقاء, والهموم والأحزان, والتسخط من قضاء الله وقدره, فليحذر كل من أصيب بمصيبة أن يفتح عليه باب يأس وتشاؤم؛ فإنَّهما بابان جالبان للشرور والأضرار, والآثام والأوزار, قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "الإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم; ضاقت عليه الدنيا، وصار يتخيل كلَّ شيءٍ أنَّه شؤم، حتى إنَّه يوجد أناسٌ إذا أصبح وخرج من بيته ثم قابله رجل ليس له إلا عين واحدة تشاءم، وقال: اليوم يوم سوء، وأغلق دكانه، ولم يبع ولم يشتر -والعياذ بالله-, وكان بعضهم يتشاءم بيوم الأربعاء، ويقول: إنَّه يوم نحس وشؤم، ومنهم من يتشاءم بشهر شوال، ولا سيما في النكاح، وقد نقضت عائشة -رضي الله عنها- هذا التشاؤم، بأنَّه -صلى الله عليه وسلم- عقد عليها في شوال، وبنى بها في شوال, فكانت تقول: "أيكنَّ كان أحظى عنده مني", والجواب: لا أحد"(القول المفيد على كتاب التوحيد).
عباد الله: إنَّ التشاؤم هو توقع الشر, وهو حالة نفسية تقوم على اليأس والنظر إلى الأمور من الوجهة السيئة, والاعتقاد أنَّ كل شيء يسير على غير ما يرام, فما بال أقوام في تشاؤم مستمرٍّ ووهمٍ مستقرٍّ!, يتوقعون حصول السوء كلَّما أصابهم شيء قالوا: "هذا سحر, هذا عين, هذا حسد", مما قد يتسبب في قطيعة وبغض وتدابر, فهلَّا كفَّ عن هذا ليستريح من أوهامه, ولا يقع في إثم قطيعة وتدابر!.
يا مَن تشاءم: دعِ التشاؤم وتفاءل, وتوكل على الله وعلِّق قلبك به وحده, وتوقَّعِ الخير وانظر إلى قادم الأيَّام نظرة إيجابية, ترى فيها أيَّاماً أجمل, ترى فيها التوفيق والسعادة, ترى فيها حالاً أفضل وعاقبة حميدة, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ" قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: "كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ"(أخرجه الشيخان), قال العلماء: "وَإِنَّمَا أحبَّ الْفَأْلَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَمَّلَ فَائِدَةَ اللهِ -تَعَالَى- وَفَضْلَهُ عِنْدَ سَبَبٍ قَوِيٍّ أَوْ ضَعِيفٍ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ فِي الْحَالِ, وَإِنْ غَلِطَ فِي جهة الرجاء فالرجاء له خَيْرٌ, وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- فَإِنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُ"(ينظر شرح النووي على مسلم).
أيها المتشائم: تفاءل, وتوكَّل على الله, فمن توكَّل عليه كفاه؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3]؛ قال السعدي -رحمه الله-: "أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك, (فَهُوَ حَسْبُهُ)؛ أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء"(تفسير السعدي).
وقال -رحمه الله-: "متى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله؛ اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه"(الوسائل المفيدة للحياة السعيدة).
أيها المتشائم: أحسِن الظن بالله -تعالى- قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "كُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ... فَإِنَّهُ لَا أَشْرَحَ لِلصَّدْرِ، وَلَا أَوْسَعَ لَهُ بَعْدَ الْإِيمَانِ مِنْ ثِقَتِهِ بِاللهِ وَرَجَائِهِ لَهُ, وَحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ"(ينظر مدارج السالكين).
أيها المتشائم: دعِ التشاؤم وتفاءل, وإن أصابك ما تكره فتذكَّر قوله -تعالى-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216], وقوله -تعالى-: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة: 51], وقوله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30], وقوله -عليه الصلاة والسلام-: "مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني), وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ؛ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ"(أخرجه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
أيها المتشائم: لا تنطقن نطقاً فيه تشاؤم؛ فقد تُبتلى بما تقول, قال الشاعر:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى *** إنَّ البلاء موكَّل بالمنطق
وقال آخر:
لا تنطِقنَّ بما كرهتَ فربَّما *** عبث اللسان بحادث فيكونُ
وقال المؤمِّل الشَّاعِر:
شَفَّ المؤمِّلُ يَوْمَ الحِيرةِ النّظرُ *** لَيْتَ المؤمِّلَ لم يُخلق لَهُ بَصَرُ
فَلم يلبث أَن عمي فما نفعه قوله, بل أضرَّ به فعميَ بعد إبصار, وروي عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنَّه قال: "الْبلَاء مُوكَّلٌ بالقول", ويشهد لمعناه حديث ابْن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: "لاَ بَأْسَ طَهُورٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ-" فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرَهُ القُبُورَ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَنَعَمْ إِذًا"(أخرجه البخاري), وفي زيادة عند الطبراني: قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّا إِذَا أَبِيتَ فَهِيَ كَمَا تَقُولُ، وَمَا قَضَى اللهُ فَهُوَ كَائِنٌ", قَالَ: فَمَا أَمْسَى مِنَ الْغَدِ إِلَّا مَيِّتًا.
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "قد يجعلُ الله -سبحانه- تطيُّر العبد وتشاؤمه سببًا لحلول المكروه به؛ كما يجعلُ الثِّقةَ به والتوكُّل عليه وإفرادَه بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفعُ بها الشرَّ المتطيَّر به"(مفتاح دار السعادة).
عبد الله: احذر لسانك أن تقول قولاً فيه تشاؤم, ولكن قل قولاً فيه تفاؤل وخير, قال الماوردي -رحمه الله-: "وَأَمَّا الْفَأْلُ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْعَزْمِ وَبَاعِثٌ عَلَى الْجِدِّ وَمَعُونَةٌ عَلَى الظَّفَرِ, فَقَدْ تَفَاءَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَزَوَاتِهِ وَحُرُوبِهِ, وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ كَلِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَقَالَ: "أَخَذْنَا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني), فَيَنْبَغِي لِمَنْ تَفَاءَلَ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْفَأْلَ بِأَحْسَنِ تَأْوِيلَاتِهِ, وَلَا يَجْعَلَ لِسُوءِ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِهِ سَبِيلًا"(أدب الدنيا والدين).
وقال النخعي -رحمه الله-: "إِنِّي لَأَجِدُ نَفْسِي تُحَدِّثُنِي بِالشَّيْءِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا مَخَافَةَ أَن ابْتُلى بِهِ"(الصمت لابن أبي الدنيا).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمه العظيمة, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-, وأطيعوا ربكم تفلحوا وتفوزوا.
عباد الله: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعيش التفاؤل في كل أحواله, ويتفاءل بالاسم الحسن, لمَّا أرسلت قريش سهيل بن عمرو ليفاوضه يوم الحديبية, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ"(أخرجه البخاري), وعن بريدة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ عَامِلًا سَأَلَ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ فَرِحَ بِهِ, وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهُ رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا فَرِحَ وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ"(أخرجه أبو داود وصححه الألباني).
ومن تفاؤل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه لما اشتد أذى المشركين له, أظلته سحابة فنظر فإذا فيها جبريل -عليه السلام- فقال: إِنَّ الله قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ!، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"(أخرجه الشيخان)؛ انظروا مع شدة إيذائهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أنَّه تفاءل بأن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً.
أيها المتشائم: تفاءل ولو بلغت منك المصائب مبلغها, وأحسن الظن بالله وادع الله؛ فإنَّه قريب سميع مجيب الدعاء, وأختم بهذه القصة التي رواها البرقي قال: "رَأَيْت امْرَأَة بالبادية، وَقد جَاءَ الْبرد فَذهب بزرع كَانَ لَهَا، فجَاء النَّاس يعزونها، فَرفعت طرفها إِلَى السَّمَاء، وَقَالَت: "اللَّهُمَّ أَنْت المأمول لأحسن الْخلف، وبيدك التعويض عَمَّا تلف، فافعل بِنَا مَا أَنْت أَهله، فَإِنَّ أرزاقنا عَلَيْك، وآمالنا مصروفة إِلَيْك". قَالَ: فَلم أَبْرَح، حَتَّى جَاءَ رجل من الأجلاء، فَحُدِّثَ بِمَا كَانَ، فوهب لَهَا خمس مائَة دِينَار"(الفرج بعد الشدة للتنوخي).
معاشر المسلمين: من فوائد التفاؤل: حسن الظن بالله -عز وجل-, وحصول السعادة وراحة القلب وسروره, وفيه تقوية للعزائم ومعونة على الظفر, وفيه اقتداء بالسنة المطهرة حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل في حروبه وغزواته, ومن مضار التشاؤم أنَّه سوء ظن بالله -تعالى-, وأنَّه يجلب التعاسة والشقاء وسوء العاقبة.
اللهم إنا نعوذ بك من التطير والتشاؤم, ونسألك أن ترزقنا حسن الظن بك يا ربنا, وأن ترزقنا التوكل عليك حق التوكل.
معاشر المسلمين: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه, وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وعن الصحابة والتابعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين, واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين, اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده وارزقهما بطانة صالحة ناصحة تدلهم على الخير وتعينهم عليه, وأبعد عنهما بطانة السوء.
اللهم أصلح أحوال المسلمين وولِّ عليهم خيارهم, ووفق ولاة أمور المسلمين للحكم بكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-, اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وانصر قوات التحالف العربي وأهلنا في اليمن, ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الحوثيين وأعوانهم, اللهم عليك بأعداء الدين الذين يحاربون دينك ويكذبون رسلك, مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وصُبَّ عليهم سوطاً من عذاب, اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين وأصلح قلوبنا وأعمالنا وأصلح لنا في ذرياتنا.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, أغثنا برحمتك وجودك وكرمك وإحسانك, اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً برحمتك يا أرحم الراحمين, (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201], (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182]
التعليقات