عناصر الخطبة
1/التعصب غُلُوّ وتطرف وكراهية وفُرْقَة 2/من آثار التعصب وأضراره 3/وسائل علاج التعصب 4/ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ووطنهاقتباس
حقيقة التعصب هو: عدم قبول الحق ممن جاء به، مع ظهور دليله بسبب ما في النفس من أغراض وأهواء وانحياز، التعصب دفاع بالباطل حينما يرى المتعصبُ أنه هو الذي على الحق دائما بلا حجة وبلا برهان، وغيره هو المخطئ دائما، وهو الذي على الباطل دائما...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله حمد الشاكر، سبحانه وبحمده، لا يَحْصُر نعمَه حاصرٌ، خيرُه فائضٌ، وإنعامُه وافرٌ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أدخرُها ذخرًا لليوم الآخر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير حامد وأفضل ذاكر، صلِّ اللهُ عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغُرّ الميامين، كُلُّهم لدين الله ناصرٌ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلم التسليمَ المزيدّ المتكافئَ.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، ولا تكونوا من المتكلفين، فمن التكلف -حفظكم الله- التكلم بغير علم، ومنازعة المرء مَنْ فوقَه، والدخول فيما لا يعنيه، وَمَنْ دخَل فيما لا يعنيه لَقِيَ ما لا يرضيه.
ومن علامة إعراض الله عن العبد: أن يشغله فيما لا يعنيه، واختلاف المسلم مع صاحبه لا يُبيح عِرْضَه، ولا يحل غيبته، ولا يُجيز قطيعتَه، وقد قال العقلاء: "إن الآراء للعَرْض لا للفرض، ووجهة نظر للإعلام لا للإلزام".
وفرَّق الحكماء بين أدب الخلاف وخلاف الأدب، فالسعيد يا عبد الله من كان غنيا بقناعته، كبيرا بتواضعه، عظيما بحسن أخلاقه، (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص: 86].
معاشر المسلمين: داء عضال، وخطر داهم يقضي على معاني الإنسانية، داء يصيب الفرد والأمة والمجتمع حينما يستفحل ويتفشَّى فإنه يفتك في الناس فَتْكًا، داء إذا ذَرَّ قرنُه فإنه لا يفرِّق بين متعلم وغير متعلم، ومتحضر وغير متحضر، ومتدين وغير متدين، هو أحد مصادر الغرور، ومنابع الظلم، وأسباب الكراهية، وطرق الفساد والإفساد؛ ذلك يا عباد الله هو التعصب والعصبية، وكل ذلك دعوى الجاهلية وحمية الجاهلية.
التعصب غلو وتطرف وكراهية وفُرْقَة وضلال وشحناء، انقياد عاطفي مقيت لتصورات ومفاهيم ومسالك تتعارض مع الحق والعدل والموضوعية، التعصب حماس أعمى ومشاعر جارفة وأحكام مسبَقَة واستهانة بالآخرين، التعصب خضوع مطلق وسير من غير بصيرة مع الجماعة أو الفئة أو الحزب، أو القبيلة أو الطائفة أو العِرْق، التعصب غلو في التعلق بالأشخاص، والتمسك بالأفكار والإصرار على المبادئ، لا يدع مكانًا للتسامح، ولا مجالا للتفاهم، ولا فرصةً للقبول، التعصب ينطلق من تصورات مسبَقَة في تصنيف الناس والمجتمعات إلى فئات دينية وعرقية ومذهبية وقبلية وسياسية وفكرية ومناطقية ورياضية وغيرها.
معاشر المسلمين: حقيقة التعصب هو: عدم قبول الحق ممن جاء به، مع ظهور دليله بسبب ما في النفس من أغراض وأهواء وانحياز، التعصب دفاع بالباطل حينما يرى المتعصبُ أنه هو الذي على الحق دائما بلا حجة وبلا برهان، وغيره هو المخطئ دائما، وهو الذي على الباطل دائما، ولو كان معه الحجة والبرهان، والعناد والانغلاق والتحجر وعدم التوافق ورفض التعايش كلها أنواع من التعصب، وكلها تمد صاحبها بأسباب الكراهية والشحناء وتفوت فرص الاجتماع والتآلف وحل المشكلات والبناء والتعاون، والتعصب لا يجتمع مع التسامح والانفتاح وقبول الآخر.
معاشر الأحبة: التعصب والعصبية داء فتاك يقود إلى اللجاجة والتقليد الأعمى ويولد حجابا غليظا يصد عن قبول الحق وقبول الجديد المفيد ويجعل القبيح حسنا ويقلب الحسن قبيحا، وقد قال بعض الحكماء: "التعصب عدو مستتر لم يدرك كثيرٌ من الناس خطورتَه الماحقةَ وآثاره المدمرة".
العصبية نعرة مهلكة تنمو في النفس البشرية في البيئة التي تحتضنها، يتربى عليها الصغير، ويهرم فيها الكبير، رجالا ونساء، تمزق العلاقات الاجتماعية وتسلب روح الوحدة والألفة وتنشر بذور النفاق والفرقة وتبدد الطاقات وتضعف القوى وتهدم البناء، وهل رأيت أعظم من متعصب يرى شرار قومه خيرا من خيار الآخرين؟
التعصب يورث التمييز والانحياز والتصنيف ويبني حجابا كثيفا على العقل والبصر، ويمنع من إدراك الحق وابتغائه والتمييز بين المصلحة والمفسدة.
معاشر المسلمين: وللتعصب مظاهر؛ منها: احتقار الآخرين وتنقُّصهم وعدم الاعتراف بأحقيتهم وحقوقهم، وَمِنْ أظهرِ مظاهرِ التعصبِ تقديمُ الولاءات على الكفاءات، وقد يظهر التعصب في سوء القول والتعبير، وقد يترقَّى إلى تجنُّب التعامل مع من يتعصب ضده ثم يترقى هذا المتعصب إلى أن يمنع جماعته وفئته من التعامل مع هذا المخالف، وقد يترقى إلى الاعتداء عليه، وقد يصل إلى قتله والتخلص منه عياذا بالله.
عباد الله: وكم أثارت النعرات العصبية من حزازات سياسية بشعارات عقائدية وتترست بنداءات دينية فأنبتت فرقة وتحزبا وتشرذما، وكم أدى التعصب في درجات شديدة إلى التمييز والتصنيف والعدوان والقتل، وقد يصل إلى الإبادة الجماعية عياذًا بالله، كما يؤدي إلى التشريد والتهجير والنفي، التعصب يقود التشويه وإساءة التفسير وتجاهل الحقائق والوقائع.
أيها الإخوة: إن أضرار التعصب وخسائره ومساوئه قد سوَّدت صحائف التاريخ، وكم وَاجَهَ الأنبياءُ -عليهم السلام- والمصلحون من عوائق في طريق هداية الناس، وإصلاح البشرية، وقائدُ ذلك ورائدُه التعصبُ، وقد قال إمامهم ورائدهم إلى النار: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غَافِرٍ: 29]، بسبب التعصب سُفكت الدماءُ، وضاعت الحقوق، وفشى الظلم، في التعصبِ هدرٌ لطاقات الأمة عجيبٌ، بل هو من أعظم معوقات التنمية؛ فإذا دخلت العصبية خطط التنمية فَقُلْ: على أهلها السلام، وسواء في ذلك الاقتصادية أو السياسية أو التعليمية أو الإدارية أو الثقافية أو الدينية أو غيرها.
معاشر الأحبة: وقد يسلك بعضُ الناس مسلكَ التعصب لإشباع غروره ولستر نقص في نفسه أو خبراته أو قدراته أو تسويغ فشله، وقد يوظِّفه ليجعل له مكانة أو مركزا في الدين أو السياسة أو الثقافة سواء أكان ذلك في كتابات أو مؤلفات أو تكوين أحزاب وجماعات وطوائف ومؤسسات تقوم على الأساس العرقي أو المذهبي أو المناطقي أو القبلي أو الانتماء الفكري.
أيها المسلمون: إن تشخيص الداء والكشف عن المرض هو السبيل الأقوم والطريق الأنجع للعلاج ومحاصرة آثار المرض السلبية في المجتمع وفي الحياة؛ ومن أجل هذا -عباد الله- فلا بد من النظر في أسباب ظهور التعصب ومثيرات العصبية، يأتي في مقدمة هذه الأسباب -حفظكم الله- التربية والنشأة الاجتماعية، فمن نشأ في بيئة تغذي العصبية فإنها تنتج متعصبين؛ مما ينتج عنه الظلمُ والتطاولُ والفجورُ في الخصومة والإقصاء؛ فالإنسان لا يولد متعصبا، الإنسان لا يولد متعصبا، ولكنه يأخذ ذلك بالتقليد والتلقي والتربية.
ومن أسباب ظهور التعصب: غياب القيم والأخلاق من العدل والإنصاف والتجرد والمساواة؛ مما يولد العدوانية والكراهية والانكفاء إلى الفئات والانحياز إلى الجماعات، ومن ذلك الغلو في الأشخاص من العلماء والمشايخ والكبراء ورؤساء المجتمع، ومن أعظم الأسباب وأكبرها: إثارة الخلافات المذهبية والنعرات القبلية والتمايزات المناطقية والإقليمية؛ ومن ثم تثار معها مشاعر الأحقاد والكراهية وبخاصة حينما يجترُّون أحداثا تاريخية سالفة عفا عليها الزمن لم تكن في وقتها مما يُحمد أو يشرِّف، فكيف وقد دفنها الزمنُ ويريد هؤلاء غير الحكماء أو المغرضون المفسدون يريدون إحياءها وإثارتها، ويريدون إسقاط الحاضر على ذلك الماضي غير المجيد ولا الشريف، وهذا المسلك المنحرف يستنزف القوى ويهدر الطاقات ويفرق الأمة ويشتت الأهداف ولا ينتج إلا عصبية مقيتة وتوجهات متطرفة ومسالك موغلة في الغلو ويحرمون المجتمع من أن يجتمع على مودة ورحمة وأخوة؛ ومن هنا تذهب ريح الأمة وتستباح بيضتها، وتفتح الأبواب مشرعة للأعداء يدخلون عليها من كل باب، طعنا في الدين وَغَمْطًا للمكان ونهبا للخيرات وتقطيعا للأوصال.
ومما يلفت النظر مع الأسف أن بعض القنوات الفضائية وأدوات التواصل الاجتماعي تتبنَّى مثلَ هذا بقصد أو بغير قصد في أطروحات وتغريدات ومن خلالها تثور الخلافات المذهبية والعصبية القبلية والتمايزات المناطقية والفتن الحزبية وهؤلاء جميعا مع الأسف لا ينقصهم إرث تاريخي يؤجج مثل هذا، بل إن الإعلام المشبوه هذه هي بضاعته، وهؤلاء هم جنوده.
معاشر الإخوة: أعظم وسائل العلاج تربية الأجيال في مناهج التربية على التسامح وحفظ حقوق جميع الناس واحترامهم، ومن أهم وسائل العلاج: سَنّ الأنظمة التي تَحُول دون التعصب، ووضع سياسات واضحة لمحاربة مختلف أشكال التمييز والتصنيف وتحقيق العدل وحفظ الحقوق مع التنبيه لعظم دور الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام بكل أدواته، ووضع الخطط في ذلك.
ومن أكبر وسائل العلاج: تحري الحق والتسليم له والسعي إليه وقبوله ممن جاء به.
وبعدُ -حفظكم الله-: فمتى كان اختلاف البشر في ألوانهم يعطيهم فضلا على بعض؟ ومتى كان الميلاد فوق أرض يجعل أرضا أرقى من أرض؟ وهل يكون جَنِين في بطن معيَّن يخلق نسبًا أشرفَ من نسب؟ وقد قال نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "لَا يَأْتِينِي النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ وَتَأْتُونَنِي بِأَنْسَابِكُمْ" (متفق عليه)، ويقول لابنته فاطمة وهي بُضْعَة منه وسيدة نساء العالمين -رضي الله عنها- وأرضاها: "يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا" (متفق عليه).
وقد قال الله لنوح -عليه السلام- في ابنه: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هُودٍ: 46]، فالعصبيات -عباد الله- ما هي إلا غلبة أوهام يستكثر بها الصغار أمجادا موهومة، إنها أمجاد لا تكلف ثمنا، ولا تستغرق جهدا ولا تُنتج ثمرا، فالإنسان مسئول بنفسه عن نفسه، يقدمه ما اكتسب من خير، ويؤخره ما اكتسب من شر، ويرفعه لباس التقوى؛ ذلك خير.
وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ" (رواه أبو داود)، وفي الحديث الآخر: "مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّتِهَ، وَيَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، وَيَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ" (رواه مسلم).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) [النَّجْمِ: 36-42].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغ قائلها مقعد صدق عند مليك مقتدر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، المؤيد بالآيات والسور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه عز بهم الدين وانتصر ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المحشر.
أما بعد فيا أيها المسلمون: ليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ووطنه؛ فالتعصب غير الانتساب إلى قبيلة، وغير الانتماء لمذهب، وغير حب الوطن، فهذه سُنَّةُ اللهِ في خلقه؛ إذ جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا وحبَّب إليهم أوطانَهم وديارَهم (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) [الْبَقَرَةِ: 246]، ولكن العصبية التعصب للباطل، وغمط الحق والانحراف عن العدل والإقرار على الظلم والإعانة عليه والمفاخرة به من أجل القبيلة أو المذهب أو الفكر أو المبدأ أو التراب، فما نُقلت الخرافات والعادات السيئة والتقاليد المذمومة إلا بسبب العصبية والتعلق المذموم بالآباء والأجداد، وكلما تلاشت العصبية من الفرد والجماعة تعامل الناس بحكمة وعقل وعدل وهدوء ورحمة وديانة صحيحة، وفي نبذ العصبية سوف يزول كثير من أسباب الخلاف والنزاع، ويعيش المجتمع بطمأنينة ومحبة وأخوة، والمجتمعات تنهض على دعائم الخير والصلاح والتقوى لا على مزاعم الالتفاف الأجوف والعصبية العمياء.
ألا فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أن بين أيديكم وافدا تضبط به النوازع وتروَّض فيه الغرائز والطبائع وتُختبر فيه الإرادة؛ فهو برهان قوة الرباط والتحكم وابتغاء الحق والخير والفضل للنفس وللناس، إنه وافد عظيم ووافد كريم ونعمة كبرى يقدرها حق قدرها العاملون الصالحون المخلصون، فيا لسعادة من مدَّ اللهُ في أَجَله وأنسأ له في عمره فأدرك هذه الفرصة الثمينة واستشعر هذا الفضل العظيم.
والعمل الجادّ النافع -حفظكم الله- لا يقوم به صاحبه على وجهه وكماله إلا إذا تهيأ له تمامَ التهيؤ فيستثير همته ويقوِّي عزيمته في استقبال هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، تجديد لأوقات الصفاء والطهر وترفع عن موارد الإثم والخطيئة، صيام وقيام وصلوات وصلات وأذكار وإحسان وقرآن وتسابيح، والهمم تعلو حين يطرد أصحابها اللذائذ وتنفطم عن كثير من الرغائب، والراحة لا تُنال بالراحة والمعالي جسورها التعب والنصب ومن طلب عظيما خاطر بعظيمته وسلعة الله غالية والنفوس الكبار تتعب في مرادها الأجسام، والإنسان حين يقوده رشده فإنه يحكم رغائبه وإلا فهو إلى الأنعام أقرب.
ألا فاتقوا الله ثم اتقوا الله -رحمكم الله- وأكرِمُوا هذا الوافدَ، وجاهِدُوا واجتهِدُوا في الطاعات وبادِرُوا بالتوبة والرجوع إلى الله وجدِّدُوا العهدَ مع ربكم، وشدوا العزمَ على الاستقامة، فكم من مؤمِّل أصبح رهين القبور، فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، فَأَرُوا اللهَ من أنفسكم خيرا.
هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلكم ربكم في محكم تنزيله فقال وهو الصادق في قيله قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين والأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك وإكرامك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عباد المؤمنين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وَأَعْلِ به كلمتك، واجعله نصرةً للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى، اللهم وفقه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى والسنة يا رب العالمين.
اللهم وأصلح أحوال المسلمين، اللهم وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم واحقن دماءهم واجمع على الحق والهدى والسنة كلمتهم، وول عليهم خيارهم واكفهم أشرارهم وابسط الأمن والعدل والرخاء في ديارهم، وأعذهم من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم وصوب رميهم واشدد أزرهم وقو عزائمهم وثبت أقدامهم واربط على قلوبهم وانصرهم على من بغى عليهم، اللهم أيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ونعوذ بك اللهم أن يغتالوا من تحتهم، اللهم ارحم شهداءهم وداو جرحاهم واحفظهم في أهلهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء.
اللهم يا ولي المؤمنين وناصر المستضعفين انصر إخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين وفي بورما وفي أفريقيا الوسطى وفي ليبيا وفي العراق وفي اليمن وفي سوريا، تعرضوا للظلم والطغيان والتشريد والحصار، سُفكت دماؤهم وقُتل أبرياؤهم اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا منجي المؤمنين انتصر لهم وتولَّ أمرهم واكشف كربهم وارفع ضرهم وعجل فرجهم وألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم، اللهم إنا نسألك لهم نصرا مؤزرا وفرجا ورحمة وثباتا، اللهم عليك بالطغاة الظالمين، ومن شايعهم ومن أعانهم، اللهم فرق جمعهم وشتت شملهم ومزقهم كل ممزق، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم يا رب العالمين.
اللهم عليك باليهود الصهاينة الغاصبين المحتلين فإنهم لا يعجزونك، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا وارحم موتانا.
(عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [يُونُسَ: 85]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182].
التعليقات