عناصر الخطبة
1/القرآن آخر الكتب والإسلام أكمل الشرائع 2/حفظ المال من الضرورات التي اهتم بها الإسلام 3/من أضرار الربا ومفاسده 4/من صور الربا المنتشرةاقتباس
ومن صور الربا: بيع السندات، والسند عبارة عن ورقة تعرض للبيع، يتعهد مصدر هذه الورقة سواء كان فردا أو شركة أو دولة برد المبلغ وعليه فائدة معينة، تقل وتكثر حسب طول المدة، وفي الحقيقة أن هذه الصورة تعتبر من الربا المحرم بإجماع العلماء...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق لعبادته، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل إليهم الكتب؛ حتى يسلكوا طريق السعادة في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97]، وآخر هؤلاء الرسل هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبعثته عامة لجميع الثقلين الجن والإنس، قال -تعالى-: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)[الأعراف: 158]، وقال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: "وبعثت إلى الناس عامة".
وآخر الكتب هو القرآن، قال -تعالى-: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)[المائدة: 48]، أي: يحكم على جميع الكتب التي قبله، وآخر الأديان هو دين الإسلام، فلا يقبل الله -عز وجل- إلا هو، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].
ودين الإسلام صالح لكل زمان ولكل مجتمع، فما من خير إلا دلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه، فهو الدين الذي كمله الله -سبحانه وتعالى-، ورضي لعباده، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3].
وإن من الضرورات الخمس التي اهتم بها الإسلام حفظ المال، فبينت الشريعة الإسلامية الطرق الصحيحة التي يكتسب منها المال، وبينت مصارف هذا المال؛ ولذلك العبد سيسأل يوم القيامة: من أين اكتسب المال؟ وفيما أنفقه؟ ومنعت طرق الكسب والإنفاق التي تؤدي بالضرر على الفرد والمجتمعات.
ولما ترك بعض الأفراد وبعض المجتمعات طرق الكسب الصحيحة للمال، وسلكوا الطرق المحرمة للحصول على المال؛ أصابتهم النكبات وأصابهم الفقر، فالاقتصاد إذا قام على الحرام فإنه سرعان ما ينهار، ومن أعظم الحرام الربا؛ فإنه لا ينجح الاقتصاد الذي قام عليه.
كيف ينجح اقتصاد أسس على الربا، أسس على حرب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؟! قال -تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[البقرة: 278]، كيف ينجح اقتصاد محق الله بركته؛ (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)[البقرة: 276]؟ كيف يفلح اقتصاد لعن الله كل من سعى فيه؟ ففي صحيح مسلم عن جابر قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء".
فعلينا -عباد الله- أن نحذر من الربا بجميع صوره؛ فإنه من الموبقات يعني من المهلكات، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجتبوا السبع الموبقات"، وذكر منها: أكل الربا.
واسمعوا إلى الحديث العظيم الذي فيه شدة عقوبة آكل الربا -والعياذ بالله-، حديثِ سمرة بن جندب في صحيح البخاري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى في منامه نهراً من دم، فيه رجل قائم، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه؛ فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الرجل، فقيل له: هذا آكل الربا"، هذه عقوبته في البرزخ -والعياذ بالله-، يسبح في نهر مثل الدم، وكلما أراد أن يخرج أُلقم حجراً؛ فيرجع إلى مكانه من النهر.
عباد الله: إن الربا مفاسده وأضراره كثيرة:
فمن جهة خُلقية فإن من يتعامل بالربا يغلب عليه البخل، وضيق الصدر، وتحجر القلب، والأنانية، وعبودية المال، يضحي بكل أحد من أجل المال، فهو كالمجنون يلهث وراء المال؛ ولذلك كان الجزاء من جنس العمل، فيوم القيامة لا يقومون من قبورهم إلا كالذي أصابه المس والصرع، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[البقرة: 275].
ومن جهة اجتماعية، فالمجتمع الذي يتعامل أفراده بالربا مجتمع متفكك، تنتشر فيه العداوة والبغضاء، وتزول الرحمة بين أفراده.
ومن جهة اقتصادية، فهو سبب إعاقة التنمية والمشاريع التي تعود بالنفع للناس، وسبب للفقر، وتحمل الناس الديون الكبيرة.
فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
عباد الله: إن للربا صوراً كثيرة، ولعلنا نذكر بعض الصور حتى يحذرها المسلم، فمن هذه الصور: الفوائد البنكية، فبعض البنوك إذا وضع الإنسان فيها ماله تعطي على هذا المال نسبة من الفوائد، فهذه الفوائد ربا لا يجوز أخذه؛ لأن حقيقة المال الذي تضعه في البنك هو قرض للبنك، فالبنك يأخذ هذا المال ويعمل به ويعطيك عليه هذه الفائدة، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا بإجماع العلماء.
ولا يجوز للإنسان أن يضع ماله في البنوك الربوية؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، إلا في حالة ضرورة، فإذا وضعه للضرورة لا يأخذ هذه الفوائد؛ لأنها ربا.
ومن صور الربا: وهي من ربا الجاهلية "قلب الدين"، مثال ذلك: أن يبيع التاجر السيارة مؤجله إلى سنة بخمسين ألف، فإذا جاء وقت السداد والمشتري معسر ليس عنده هذا المبلغ، فإن التاجر يقول له أعطيك سيارة أخرى مثلاً بسبعين ألفاً، ألف دين مؤجل أكثر من الأول، فتبيعها وتسددني الخمسين ألف، وهذا هو ربا الجاهلية الذي حرمه الله -سبحانه وتعالى- في كتابه، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آل عمران: 130].
ومن صور الربا: وهو من ربا الجاهلية، يبيعه مثلاً السيارة إلى أجل أو غير السيارة، فإذا لم يستطع أن يسدد فإنه يزيد عليه القيمة، وكلما تأخر في السداد زادت القيمة.
ومن صور الربا: العينة، جاء في مسند الإمام أحمد وفي سنن أبي داود عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
وصورة العينة أن يبيع السلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بثمن أقل حالا، مثال ذلك: أن يبيع التاجر السيارة بثمانين ألفاً مؤجله خلال سنيتين، ثم يشتريها من المشتري بسعر أقل، كأن يشتريها بستين ألفاً، فهذه حيلة على الربا؛ لأنه في الحقيقة كأنه سلفه ستين ألفاً، ويردها ثمانين ألفاً.
ولكن لو أن المشتري باع السيارة على طرف ثالث ليس التاجر الأول، فإن ذلك صحيح بشرط ألا يكون هناك اتفاق بين البائع الأول وبين الطرف الثالث، فتكون هذه عينه ثلاثية، وهذه موجودة الآن بكثرة في معارض السيارات، يأتي المشتري إلى صاحب المعرض فيشتري السيارة مؤجلاً، ثم يبيعها على شخص ثالث من أصحاب صاحب المعرض، بينهما اتفاق مسبق أنه إذا اشتراها يبيعها على صاحبها الأول وهو صاحب المعرض.
ومن صور الربا المنتشرة بكثرة التي تدل على قلة ورع كثير من الناس، وأنهم لا يبالون بالحرام -والعياذ بالله-: الدخول في المساهمة في الشركات التي تتعامل بالربا.
ومن صور الربا: بيع السندات، والسند عبارة عن ورقة تعرض للبيع، يتعهد مصدر هذه الورقة سواء كان فردا أو شركة أو دولة برد المبلغ وعليه فائدة معينة، تقل وتكثر حسب طول المدة، وفي الحقيقة أن هذه الصورة تعتبر من الربا المحرم بإجماع العلماء، وهي تعتبر قرض جر نفعا، ففي الحقيقة أن هذه الشركة أو هذا البنك أو هذه الجهة تأخذ قروضاً وتردها بفائدة.
نسأل الله -تعالى- أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه.
التعليقات