عناصر الخطبة
1/قصة يوم الوشاح 2/بعد العسر يسر 3/من فوائد هذه القصة 4/وصية إلى كل مبتلى.اقتباس
إِنَّ فِي خَبَرِ يَوْمِ الْوِشَاحِ لَبُرْهَانًا سَاطِعًا وَدَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى أَنَّ اللهَ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ لَطِيفٌ بِهِمْ، وَأَنَّ مَآلَاتِ الْفِتَنِ وَثِمارَ الْمِحَنِ لِمَنْ صَبَرَ، وَلَمْ يَجْزَعْ خَيْرٌ عَظِيمٌ، فَإحْسَانُ الظَّنِّ بِاللهِ، وَحُسْنُ الثِّقَةِ بِهِ يُعَجِّلُ بالْفَرَجَ، وَيَأْتِي بِالْخَيْرِ، فَلَا نَجَاةَ إلَّا بِاللُّجُوءِ إِلَى اللهِ، وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ لَهُ، فَلَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلَّا إِلَيْهِ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ, صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى, وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ: حَدِيثُ الْيَوْمِ عَنْ قِصَّةٍ أَوْرَدَهَا الْإمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ؛ تَتَجَلَّى فِيهَا حِكْمَةُ اللهِ، وَتَظْهَرُ فِيهَا رَحْمَته، فَكَمْ مِنْ حَادِثٍ يَمُرُّ بِالْإِنْسَانِ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ، وَبِدَايَتُهُ الْكَرْبُ، وَباطِنُهُ الرَّحْمَةُ، وَمَآلُهُ الْفَرَحُ وَالْفَرَجُ وَالْخَيْرُ!.
إِنَّهَا قِصَّةُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا, فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ:
وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا *** أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي
فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَمَا يَوْمُ الْوِشَاحِ؟! قَالَتْ: خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي، وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ، فَسَقَطَ مِنْهَا فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الْحُدَيَّا؛ وَهِيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا, فَأَخَذَتْهُ فَاتَّهَمُونِي بِهِ، فَعَذَّبُونِي حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي، فَبَيْنَاهُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي؛ إِذْ أَقْبَلَتْ الْحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا، ثُمَّ أَلْقَتْهُ فَأَخَذُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ".
إِنَّ هَذِهِ السَّوْدَاءُ تَعَرَّضَتْ لِمِحْنَةٍ عَظِيمَةٍ، وَتُهْمَةٍ مُؤْلِمَةٍ، اتُّهِمْتْ بِالسَّرِقَةِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، اسْتَغَلُّوا ضَعْفَهَا وَعَدَمَ وُجُودِ نَاصِرٍ لَهَا، فَلَا أُمٍّ تَرْحَمُهَا، وَلَا أَبٍ يَحْنُو عَلَيْهَا، وَلَا قَبِيلَةَ تَعْتَضِدُ بِهَا، وَلَيْسَ لَهَا رُكْنٌ شَدِيدٌ تَأْوِي إِلَيْهِ، وَعِنْدَمَا فَقَدُوا حَاجَةً لِإِبْنَتِهِمْ, كَانَ أَيْسَرَ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ الْبَحْثُ عَنْ ضَحِيَّةٍ يَتَّهِمُوْنَه؛ فَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهَا التُّهْمَةُ مِنْ دُونِ قَرَائِنَ، وَلَا مُبَرِّرَاتٍ، وَلَا حُجَجٍ، وَلَا بَرَاهِينَ، فَهِيَ الْجِدَارُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَسْهُلُ الْقَفْزُ عَلَيْهِ؛ حَتَّى أَذَلُّوهَا أَيَّمَا إِذْلَالٍ، وَفَتَّشُوا عَنْ حَاجَتِهِمْ فِي عَوْرَتِهَا الْمُغَلَّظَةِ؛ لَعَلَّهُمْ يَعْثُرُونَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَيَاءٍ أَوْ رَحْمَةٍ، وَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى إِذْلَالِهَا وَقَهْرِهَا جَاءَ الْفَرَجُ مِمَّنْ بِيَدِهِ الْفَرَجُ وَالنَّصْرُ, فَعَادَتْ الْحِدَأَةُ -ذَلِكَ الطَّائِرُ الَّذِي يُشْرَعُ قَتْلُهُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ- فَأَلْقَتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَاجَتَهُمُ الَّتِي اتَّهَمُوا بِهَا الْمِسْكِينَةَ.
فَكَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ سَبَبًا لِتَرْكِهِمْ لَهَا، وَنَجَاتِهَا مِنْ قَهْرِهِمْ وَتَسَلُّطِهِمْ، فَكَانَ مَآلُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْخَيْرَ الْعَظِيمَ، وَكَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[النور: 11]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)[البقرة: 216], حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ تَبْحَثُ عَنْ مَكَانٍ تَأْوِي إِلَيْهِ، فَهَدَاهَا اللهُ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ لِتَلْقَى خَيْرَ الْبَشَرِيَّةِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَسْلَمَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاتَّخَذَتْ مَكَانًا لَهَا فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ أهْلُ الْمَدِينَةِ أَهْلَهَا، وَكَانَتْ تَزُورُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَتَأْنَسُ إِلَيْهَا وَتُكْرِمُهَا، وَتُكَرِّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَزُورُ فِيهِ عَائِشَةَ قَوْلَهَا:
وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ أَعَاجِيبِ رَبِّنَا *** أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي
فَسَأَلَتْهَا عَائِشَةُ عَنْ سِرِّ تَكْريرِ هَذَا الْبَيْتِ فَأَخْبَرَتْهَا بِسَبَبِ قُدُومِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ, وَأَنَّهُ بِسَبَبِ الظُّلْمِ الَّذِي لَاقَتْهُ، وَالْقَهْرِ الَّذِي عَانَتْهُ، وَكَمَا قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ عُثَيْمِين -رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ- فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَديثِ بِأَنَّهُ: "رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٌ؛ فَإِنَّ هَذَا الضَّغْطَ الَّذِي حَصَلَ عَلَيْهَا أَوْجَبَ لَهَا أَنْ تَأَتِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتُسْلِمَ". انْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ-.
وَكَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ-: "إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخُرُوجَ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ الْمِحْنَةُ، وَلَعَلَّهُ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرٌ لَهُ، وَفِيهِ فَضْلُ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، وَإِستِجَابَةُ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا؛ لِأَنَّ إِسْلَامَهَا كَانَ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَدِينَةَ". انْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ-.
عِبَادَ الله: إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ قَبْلَ إِسْلَامَهَا نَكِرَةً لَا تُعْرَفُ، وَبَعْد كُرْبَتِهَا، وَإِسْلَامهَا نَالَتْ شَرَفَ الْصُّحْبَةِ، فَكَانَتْ رِحْلَتُهَا مِنْ بِلَادِ قَوْمِهَا خَيْرٌ لَهَا.
ارْحَلْ بِنَفْسِكَ مِنْ أَرْضٍ تُضَامُ بِهَا *** وَلاَ تَكُنْ مِنْ فِرَاقِ الأَهْلِ فِي حُرَقِ
فالعنبرُ الخامُ روثٌ في مواطنهِ *** وَفِي التَّغَرُّبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُنُقِ
والكحلُ نوعٌ منَ الأحجارِ تنظرهُ *** فِي أرضِهِ وَهْوَ مَرْمِيٌّ عَلَى الطُّرُقِ
لمَّا تغرَّبَ حازَ الفضلَ أجمعهُ *** فَصَارَ يُحْمَلُ بَيْنَ الْجَفْنِ وَالْحَدَقِ
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ فِي خَبَرِ يَوْمِ الْوِشَاحِ لَبُرْهَانًا سَاطِعًا وَدَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى أَنَّ اللهَ رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ لَطِيفٌ بِهِمْ، وَأَنَّ مَآلَاتِ الْفِتَنِ وَثِمارَ الْمِحَنِ لِمَنْ صَبَرَ، وَلَمْ يَجْزَعْ خَيْرٌ عَظِيمٌ، فَإحْسَانُ الظَّنِّ بِاللهِ، وَحُسْنُ الثِّقَةِ بِهِ يُعَجِّلُ بالْفَرَجَ، وَيَأْتِي بِالْخَيْرِ، فَلَا نَجَاةَ إلَّا بِاللُّجُوءِ إِلَى اللهِ، وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ لَهُ، فَلَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلَّا إِلَيْهِ, انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ كُلَّمَا تَذَكَّرَتْ يَوْمَ تُهْمَتِهَا؛ فَرِحَتْ بِمَا آلَتْ إِلَيْهِ نَتَائِجُ تِلْكَ الْمِحْنَةِ، وَمَا أَثْمَرَتْهُ عنه تِلْكَ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَعَرَّضَتْ لَهَا, لَقَدْ أَثْمَرَتْ تِلْكَ الْمِحْنَةُ أَنَّهَا عَرَفَتِ اللهَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَقَادَتْهَا تِلْكَ الرَّحْمَةُ الْإلَهِيَّةُ إِلَى أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَإِلَى كُلِّ مُبْتَلًى وَمَكْرُوبٍ: خُذْ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعِظَةَ وَالْعِبْرَةَ؛ فَإِنَّ فَرَجَ اللَّهِ قَرِيبٌ، فَثِقْ بِاللهِ، وَلَا تَجْزَعْ، وَلَا تَعْجَلْ، وَفَوِّضِ الْأَمْرَ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْأَمْرُ، أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
عِبَادَ اللَّه: وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْجَلِيْلَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَة: أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ، وَلَا يَسْتَغِلَّ ضَعْفَهُ لِإِلْقَاءِ التُّهَمِ عَلَيْهِ بِدُونِ حِجَجٍ وَبَرَاهِين، لَا تَقْبَلُ الْجِدَال وَلَا النّقّاش, وَأَنّ هُنَاكَ -خَاصَّةً مِنْ رَبَّاتِ الْبُيُوت- إذَا فَقَدَتْ شَيْئاً مِنْ مَتَاعِهَا، بَادَرَت بِاِتِّهَامِ الْعَامِلَاتِ مَعَهَا، دُونَ أَنْ تَتَثَبَّت، أَو تَتَبَيَّن، وَتَزْرَعُ الشَّكَّ فِي هَذِهِ الْعَامِلَة، وَتَبْدَأُ بِتَفْتِيشِ أَمْتِعَتِهَا، باسْتِغلالٍ لضَعْفِهَا، وَبَعْضُ هَذِهِ الْعَامِلَاتِ قَدْ تَكُونُ مِنْ أَصْلَحِ النِّسَاءِ، ومِنْ أَتْقَى النِّسَاء، وَلَكِنَّ الضَّعْفَ الَّذِي تُعَانِيه، وَالْغُرْبَة، وَاِبْتِعَادُهَا عَنْ أَهْلِهَا، وَشَظَفُ الْعَيْشِ الَّذِي تُعَانِيْ مِنْهُ، جَعَلَهَا تَتَحَمَّل هَذَا الظُّلْمُ عَلَى مَضَضٍ!.
فَعَلَيْنَا أَن نَتَّقِيَ اللَّهُ فِي أَنْفُسِنَا، وَأَنْ لَا نَسْتَغِلَّ ضِعْفَ الضَّعِيف لِنَظْلِمهُ، وَنَزِيد عَلَيْه الْأَلَم ألماً، وَالْعَذَاب عَذَابًا، كَذَلِك عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ اللَّهَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، يَقْبَلُ الدُّعَاءَ مِنَ الْكَافِرِ إذَا كَانَ مَظْلُوماً، وَمِنَ الْفَاجِرِ وَالْفَاسِقِ إذَا كَانَ مَظْلُوماً، فَلْنَتقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، كَذَلِك عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ عَبْدِه وَلَوْ كَانَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِسْقِ وَالضَّلَال إذَا كَانَ مظلوماً؛ فَإِنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسهِ، وَجَعَلَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ مُحَرَّما، فَلَا تَظَالَمُوْا.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا, الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ اُنْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، وَاِرْبِطْ عَلَى قُلُوبِـهِمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِيـنَ, اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.
التعليقات