عناصر الخطبة
1/ فرحة العيد وحاجتنا للفرحة بتعاليم ديننا 2/ محاسنُ ديننا وصورٌ لِتشويهنا له 3/ من صور الهزيمة النفسية 4/ دعوة للتصافي التسامح 5/ العيد والتذكير بالهموم الكبرى ومعاني التضحية 6/ الوعد بالنصر رهن استدعاء الإرادات والعزائماهداف الخطبة
اقتباس
إن العيد يأتي بعد العمل، والحياة الحقيقية تكبر بقدر التضحية، والمعاني الجميلة تأتلق في حياة إنسان بقدر العزائم والإرادات، والعيد اليوم يذكّر النائم أنه قد آن أوان الاستيقاظ، ويعظ المثقل بالهموم بأن يطرحها على جانب الطريق، ويصيح في أذن القاعد اليائس من النجاح صيحة المثقل بالفرح، والمترع بالنصر، ويردد: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون: عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير، وهنيئاً بأيام الأفراح والمسرات.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
هذا هو يوم عيدنا أهلَ الإسلام، وهذا هو ديننا، يهب القلب حقه من الفرح، ويتيح للمشاعر أن تأتلق في أيام العيد، ويضع لها ميعاداً كبيراً مع الفرح في أيام الأعياد، فلله! ما أجمله من دين!.
إن النفوس تظل محتاجة لأوقات من عمرها تعبّر فيها عن أفراحها، وتهب لمشاعرها فيها من أوقاتها، فجاء الإسلام يتيح كل ذلك، ويجعل لهذه النفوس حقها، ويتركها ترفل في يوم عيدها، كما أرادت وفق دائرة هذا الشرع وفي مساحته المشروعة.
هذا نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة وهم يلعبون في يومين، فقال: "ما هذان اليومان؟". قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قد أبدلكما الله خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى".
بالأمس كان الإسلام لوحة عريضة في عبادة الصيام والقيام، وظل معنى الإسلام الحقيقي في ترك المباح تعبداً لله تعالى، والقيام بين يديه في ساعات الليل ولحظات السحر، واليوم التعبد لله تعالى في اعتناق المباح، ولبس الجديد، والعناية بالزينة في أرقى معانيها، وأرحب لحظاتها، وهكذا هو دين الإسلام.
إن النفوس تظل محتاجة إلى لحظات الطاعة والوقوف بين يدي الله تعالى، ويظل زكاء الأرواح مرهوناً بهذا المعنى في حياة كل إنسان، فشرع الله تعالى لذلك ماشرع من أوقات العبادة والطاعة، ومن ذلك صيام هذا الشهر الكريم وقيامه، وتظل في ذات الوقت محتاجة إلى أن تعبّر عن أفراحها وسعادتها، وأناقتها وسرورها، فشرع الله تعالى لها أيام الأعياد، وتظل هذه المعاني بعض أسرار الإسلام وأناقته في عين كل من عاش لحظاته، وذاق بعض معانيه.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلم: ما أحوجنا اليوم إلى العز والفرح بديننا دين الإسلام! ما أحوجنا إلى أن ترتوي قلوبنا فرحاً به، ونفوساً عزاً بذكره، وحياتنا بتمثّل معانيه في الأرض! ما أحوجَنا أفراداً وجماعاتٍ إلى الاعتزاز بديننا من جديد، والفرح بتعاليمه، والتمسك به، والتشبّث بكل آثاره وقضاياه، وهذه بعض معاني العزة التي يجدها الإنسان في قلبه وهو يتمثّل دينه في الأرض.
إن هذا الدين ليس خياراً في الأرض بين متفرقات، كلا! وإنما هو اختيار الله تعالى لنا، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19]، وهو وصية أمام الحنفاء لأبنائه: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة:132]، والراغب عن هذا الدين -كما أنزل الله تعالى- راغب عن عزه وكرامته وفلاحه وسؤدده، وواقع في درك السفه وضياع الغايات الكبرى من حياته، (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة:130].
إن هذا الدين ليس صورة فارغة من محتواها، وإنما هو دين يصبغ حياة الإنسان كلها، من حينما يستيقظ إلى لحظة نومه، (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة:138].
وهو دين يصحب الإنسان قبل أن يخلق نطفة، فيشّرع للإنسان الأرض الخصبة لميلاده، كما في قول نبيك -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ"، وما يزال يصحبه في كل لحظة من لحظات حياته حتى آخر لحظة يودّع فيها الدنيا، "مَن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة"، وتظل مساحة هذا الدين تعيش عمر الإنسان كله، وتسيطر على لحظاته، (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:162]، (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].
إن من صور تشويه هذا الدين أن نخضعه لشهواتنا ورغباتنا، فنأخذ منه ما يعجبنا، ونرفض منه ما عدا ذلك، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة:208]، وجعل التشهي في الدين، والاختيار منه مِن تتبُّع خطوات الشيطان، (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:208]، إن قمة العبودية لله تعالى، والشرف بدينه، تأتي من الاستسلام لله تعالى في كل صغير وكبير في كتابه أو في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
إن الفرق كبير جداً، والمساحة شاسعة بين رجلين، أحدهما يتحرج من الشبهة، والآخر يطمس في الحرام البيّن، فالأول عبدٌ لربه، ومولىً عند سيده، والثاني عبدٌ لشهوته، ومولىً لرغبته، وأسيرٌ مكبَّلٌ بين قدمي شيطانه، فيا له مِن فَرق كبير بين عبوديتين!.
أيها المسلم: إن دين الإسلام ليس ثوباً نخيطه على حياتنا كيف شئنا، ونفصِّله كيفما أردنا، هذه صور تسلب الدين روحه، وتفقده معناه، وتحيله إلى صور ميتة، وجثث خالية من الحياة؛ الدين أمْرٌ ونهْيٌ، استسلام وذل، عبودية وانقياد، وحين يقف الإنسان مُجِلَّاً لقول ربه تعالى، ومعظِّماً لسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أياً كانت، فتلك اللحظة أشرف لحظات إنسان في الحياة! وأعظم لحظات مخلوق في الأرض! وما عدا ذلك نقص في روح الإسلام ومعناه، قبل أن تكون نقصاً في صوره وأشكاله.
أيها المسلم: إنَّ أعظمَ ما يُواجه الأمة اليوم زعزعة القيم والمبادئ الإسلامية في نفوس أصحابها، وخلخلة المعتقدات الكبرى من عقولهم، وباتت المــُسَلَّمات والْمُحْكَمَات شُبَهَاً وظنِّيَّات في نفوس كثير من المسلمين، ولا أدلّ على ذلك من أن الحرام البيّن بالأمس بات ظنياً محتملاً اليوم، وسد الذرائع بات مفهوماً مضطهداً أمام فتحها، و"دَع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ضيق وعطن عند كثير من المتفيقهة.
وتحوّل الحجاب، عنوان العفة والحشمة والحياة والقيم المثلى، إلى محل نزاع، والغناء الماجن السخيف الهابط إلى محل خلاف، وصلاة الجماعة الواجبة إلى: في المسألة أقوال، ويكفي العولمة نجاحاً تحقق مثل هذه الصور في أبناء المسلمين، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي على الناس زمانٌ الصابرُ فيهم على دينه كالقابض على الجمر".
والهزيمة النفسية أكثر أثراً من هزائم الحروب والمعارك، وليس أصدق اليوم على ذهاب العزة بهذا الدين، وضياع هوية كثير من المسلمين، من هذه الصور التي يستحي فيها الشاب أن يترك شعر لحيته اقتداءً بنبيه -صلى الله عليه وسلم-، أو أن يرفع ثوبه فوق كعبيه، وفي المقابل تراه وهو يعبث بقيمه ومبادئه لا يفكر أدنى تفكير في ناقد أو شامت، وباتت سنة نبي الله -صلى الله عليه وسلم- في طي النسيان، وسيرة لاعبي الكرة والتمثيل والغناء يعرفها صغار المسلمين قبل كبارهم.
أيها المسلم: إن قيمة الإنسان الحقيقية في الأرض تأتي من تمثله لدينه، وتمسكه بقيمه ومبادئه، وتأتي من الانتصار على الشهوة، والارتفاع عن الأماني الفارغة، ومن الثبات على المبدأ، والحياة على المعتقدات المثلى في دينه.
وقمة العزة بهذا الدين تراها في صورة شاب استقام على منهج الله تعالى، وتمثل سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وركض على شهوته، وخرج سافراً يدعو الناس لتمثل دينه وقيمه.
وتراها في صورة امرأة تعتز بحجابها، وتفخر بدينها، وترتفع بقيمها، وتبدو شامة كبرى في زمن الفوضى والتحلل، وكلما تحللت امرأة من قيمها وفضائل دينها زادت رقياً بحجابها وعفتها، وتراها في صورة رجل تتعرّض لها الفتن، وتزين له في الطريق الشهوات، ويقف يركل كل عثرة، ويثبت أمام كل لحظة شهوة.
أيها المسلم: إن من صور الهزيمة النفسية تتبع الفتاوى الشاذة، والفرح بها، وتوسيع شهرتها ودائرتها، وتحريكها بالنقاش الموسّع لها في أوساط الأمة، واستبيح -مع كل أسف- حِمى الشريعة من كل ضعيف في دينه، مهموز في فكره ومعتقده، فأصبحنا نرى الفتاوى على صفحات الجرائد، وفي الإعلام المرئي، والمسموع، وتناقش مسائل كان يجمع لها أهل بدر في زمن الكبار، ويحلل ويحرم في شريعة الله سفهاء لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، ولا صلة تربطهم بكيان هذه الشريعة الغراء، وتلقفها بعض الناس فرحين مستبشرين!.
إن الفتوى دين، يجب ألا تؤخذ إلا من أهلها الموثوقين، ولا تبرأ ذمة إنسان إلا باستفتاء أهل العلم المعروفين بحسن الديانة، ومتانة العلم، وقد قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:43، الأنبياء:7]، وقد قال جملة من السلف: إن هذا العلم دين، فانظروا عن مَن تأخذون دينكم.
أيها المسلم: الدين، قبل أن يكون كلمة تُردد على اللسان، وفرحة يجدها القلب، هو قبل ذلك سلامة قلب من الدغَل والحسد والبغضاء، ونظافة باطن من نزاع وفرقة وهجر وعداء، وحين يلبس إنسان ثوباً جميلاً في العيد يتعبد به لربه يجب عليه قبل ذلك أن يتعاهد قلبه وسريرته من ظلمة الهجر والقطيعة والبغضاء، وقد قال ربك تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
إن العيد لحظات نقية صافية جميلة لا تحتمل إلا الود والإخاء والصفاء، وحين تكون هذه اللحظات محملة بالهجر والبغضاء والنزاع والفرقة فصاحبها أحق بالتعزية من تهنئة العيد؛ ذلك أن عمله الذي يباهي به اليوم صيام رمضان وقيامه لم يعرض بعدُ على ربه، ولم يقبله تعالى منه، ولم يُثِبْه عليه، وقد قال نبيك -صلى الله عليه وسلم- موضحاً ذلك: "تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أَنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا. أَنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا".
فأي عيد هذا في حق صاحبه؟! يالها من فاجعة أن يخرج إنسان يشارك أهله في ساحات العيد وربه لم يقبل عمله، ولم يعرض عليه صيامه وقيامه بعد! يالها من فاجعة حين يكون الصائم القائم أقرب إلى اللعنة من الرحمة! (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].
أما آن للقلوب المتهاجرة اليوم أن تتصافح؟! أما للنفوس المتشاحنة أن تتغافر وتتسامح؟! إنها دعوة العيد لكل إنسان أن يعتق نفسه قبل أن يتحسر على فوات لحظاتها.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلم: سل نفسك في يوم عيدك: ما هو همك؟ وما هدفك العريض في الحياة؟ ما مشروعك الذي تتعبد لله تعالى بتحقيقه في الأرض؟ ما هي مشاريعك لنفسك، وبيتك، وأسرتك ومجتمعك وأمتك؟ ما هي أعمالك ومشاريعك وإنجازاتك التي تفاخر بها في البناء؟! قم فاحسب ذلك من حياتك، وعد ذلك من تاريخك، واكتب ما تجده في دفاتر ذكرياتك، فما عدا ذلك هباء لا فائدة فيه، وحياة لا متعة لها، وتاريخ لا يُفرح بسطوره.
الكبار -أيها السامع- هم من يعيشون لبناء مجتمعاتهم وأمتهم، وصدق القائل: مَن عاش لنفسه عاش صغيراً، ومات يوم يموت وهو صغير، ومن عاش لغيره عاش كبيراً، ومات يوم يموت وهو كبير، إن العيد اليوم يذكرك بهذه المعاني، ويبين لك أن الصورة الحقيقة للإنسان في اجتماع الكلمة والهدف والرسالة والمسؤولية، وها أنت اليوم مأمور بأن تتعبد على هذا الوجه الجماعي، وهي دعوة لتمثل ذلك مبدءاً كبيراً في حياتك في قادم الأيام، واستغرق هذا المعنى شهراً كاملاً لتعميقه في الصيام.
إن المجتمع الحقيقي ليس هو عدد أفراده كماً، وإنما هو مجموعة القيم والأخلاق والفضائل التي يحملها هذا المجتمع تجاه بعضه البعض، ومشروع الإنسان وأهدافه وقيمه هي التي تعطيه أحقية الانتساب لهذا المجتمع من عدمه.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلم: إن العيد يأتي بعد العمل، والحياة الحقيقية تكبر بقدر التضحية، والمعاني الجميلة تأتلق في حياة إنسان بقدر العزائم والإرادات، والعيد اليوم يذكّر النائم أنه قد آن أوان الاستيقاظ، ويعظ المثقل بالهموم بأن يطرحها على جانب الطريق، ويصيح في أذن القاعد اليائس من النجاح صيحة المثقل بالفرح، والمترع بالنصر، ويردد: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ويقول واعظاً ومذكراً لكل سامع اليوم: إن دين الإسلام هو الدين الحق: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ) [آل عمران:19]، وما عداه في أصقاع في الأرض خرافات وأباطيل لا رصيد لها في الواقع، ولا قيمة لها في الحياة، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينَاً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
والسعادة والآمال والأحلام كلها في ساحات هذا الدين وفي لحظاته، (مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل:97]، والنصر الحقيقي للإنسان في الأرض مرهونٌ بالقدَر الذي يعتقد فيه الإنسان صلاح هذا الدين لتطبيقه في واقع الحياة، وما يزال يردد واعظاً ومذكراً أن الله تعالى وعدكم الحسنى، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج:40]، وأبان لكم أن لحظة الحسم بأيديكم: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128]، وطمْأَنكم بأن اللحظات الخاتمة في الأرض من نصيبكم: (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصف:8].
ومهما كانت صور الهزيمة والتخلي اليوم كبيرة فإن حديث رسولنا يبعث الأمل: "تقاتلون اليهود على نهر بالأردن أنتم شرقيه وهم غربيه، تقاتلونهم حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعال فاقتله".
وكل ذلك مرهون بأن تقف على قدمك، وتستنهض همتك، وتستدعي إراداتك وعزيمتك، وقبل ذلك تُسر بهذا الدين، وتفرح بكل ما فيه، وتحسن أن تستجيب لكل أمره، (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
ألا وصلّوا وسلّموا...
التعليقات