خطبة عيد الأضحى 1443هـ- الإخوة والأخوات جمال الحياة

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/تأملات في معاني العيد 2/عظم حقوق الإخوة والأخوات 3/منزلة الصلة وعظم جرم القطيعة 4/تعامل بعض الأنبياء مع إخوتهم 5/من وسائل تعميق أواصر الأخوة 6/العيد من شعائر الدين.

اقتباس

مِنَ الخسارةِ والغبنِ ألَّا تَعرِفَ مكانةَ أخيكَ إلَّا بعدَ أَنْ تَفقِدَه، نَعَمْ، تَفقِدُه؛ إمَّا بموت أو بسبب مطامع الدنيا، فتبقى وحيدًا لا تَقدِر على شيء، كم مِنْ أخٍ بكى على قبرِ أخيه متمنيًا لو اصطَلَحَا قبلَ لحظة الفِرَاق، إنَّ الحفاظ على الأُخوَّة في قوتها ومتانتها تحتاج إلى عَقْل، وحكمة، وصَبْر، وتحمُّل، وتضحية....

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله كثيرًا والله أكبر كبيرًا، الله أكبر خلق الخلقَ وأحصاهُم عدداً وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، الله أكبر عز سلطانُ ربنا وعم إحسانُ مولانا، خلق الجنَ والإنسَ لعبادتِه وعنت الوجوهُ لعظمتِه وخضعت الخلائقُ لقدرته، والله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

 

 أَمَا بَعْدُ: أَيُها الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واعرفوا نعمته عليكم بإدراك هذا اليوم العظيمِ يومِ الحجِ الأكبر؛ ففي هذا اليومِ يجزلُ اللهُ للحجاجِ والمقيمين الأجر الأكبر، ولقد امتلأت القلوب بهذا العيد فرحاً وسروراً، وازدانت به الأرض بهجة ونوراً، يومٌ يخرج المسلمون في الأمصارِ إلى صلاة العيد لربهم مكبّرين مهللين حامدين مخبتين، ويذبحون ضحاياهم بنعمة مولاهم مغتبطين، ويُتمُّ فيه الحجاجُ نسكَهم من رميٍ لجمرة العقبة، وحلق وطواف بالبيت، ويستقرون بمنى، مكبرين شاكرين؛ فلله الحمد رب العالمين..

 

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

واعلموا أن من أعظم معاني العيد التي يجب علينا أن نمتثلها في هذا العيد السعيد، تقوية أواصر القربى بالأقربين من الإخوة والأخوات، وإعادة وصلها إن كانت مقطوعة أو تنشيطها إن كانت فاترة، فهم أولى القرابة بالوصل بعد الوالدين وهم من الدرجة الثانية من ذوي الأرحام الذين تجب صلتهم؛ قال الله -تعالى- محذراً من قطيعة الرحم، فقال: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد:22-23].

 

قال الشيخ السعدي في تفسير هاتين الآيتين كلاماً عظيماً حري بالمؤمن أن يتفهمه، أي: فهما أمران؛ إما التزام لطاعةِ الله، وامتثالٌ لأوامره، فثَمَّ الخيرُ والرشدُ والفلاحُ، وإما إعراضٌ عن ذلك، وتولٍ عن طاعة الله، فما ثَمَ إلا الفسادَ في الأرضِ بالعملِ بالمعاصي وقطيعةِ الأرحام. (أُولَئِكَ الَّذِينَ) أفسدوا في الأرض، وقطعوا أرحامهم (لَعَنَهُمُ اللَّهُ) بأن أبعدَهم عن رحمته، وقَرُبُوا من سَخَطِ الله، (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)؛ أي: جعلَهم لا يسمعون ما ينفعُهم ولا يبصرونه، فلهم آذانٌ، ولكن لا تسمعُ سماعَ إذعانٍ وقبول، وإنما تسمعُ سماعاً تقوم به حجةُ اللهِ عليها، ولهم أعينٌ، ولكن لا يبصرون بها العِبَرَ والآيات، ولا يلتفتون بها إلى البراهين والبينات. اهـ

 

ويَقُولُ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- في فضل الصلة وضرر القطيعة: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ"(رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ). وَيَقُولُ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- في الصلة: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأَ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ).

 

وقَالَ الرَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ عز وجل تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهَا لِسَانٌ طَلْقٌ ذَلْقٌ تَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنِّي قُطِعْتُ، يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيءَ إِلَيَّ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، قَالَ: فَيُجِيبُهَا رَبُّهَا -عز وجل- فيقول: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟"(روى البخاري جزء منه وروى الباقي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ).

 

فِي هذا الحَدِيثِ يُخبِرُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ، أي: شُعبةٌ متَّصلةٌ، "مِن الرَّحمنِ"؛ لأنَّ اسمَها مُشتَقٌّ مِن اسمِ الله: الرَّحمنِ، كما في الحَديثِ القُدسيِّ عند الترمذيِّ: "أَنَا الرَّحْمنُ، خَلْقُتُ الرَّحِمَ وشَقَقتُ لها اسمًا مِن اسمِي". والشِّجْنةُ في الأصلِ: عُروقُ الشَّجرِ المشتَبِكةُ، والمرادُ هنا: أنَّها مُشتقَّةٌ "مِن الرَّحمنِ"، أي: مِن اسمِ الرَّحمنِ، فكأنَّها مُشتبِكةٌ بمَعاني الرَّحمةِ به اشتِباكَ العُروقِ؛ لكَونِها مِن أصلٍ واحدٍ، والمعنى: أن الرحم أثر من آثار رحمته -تعالى- مشتبكة بها فمن قطعها كان منقطعًا من رحمة الله -عز وجل- ومن وصلها وصلته رحمة الله -تعالى-.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أيها الإخوة والأخوات: هذه إشارة عن منزلة الصلة وعظم جرم القطيعة جعلتها بين يدي حديثي عن الإخوة والأخوات ذلكم الحديث المحبب إلى قلبي؛ فَبَيْنَ الْآبَاءِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَوْلَادِ اتِّصَالٌ نَسَبِيٌّ يُقَرِّبُ بَيْنَهُمْ وَيَجْعَلُهُمْ لُحْمَةً وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ عَلَى الْأُلْفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعَاوُنِ وَصِيَانَةِ الْحُقُوقِ. قال الشيخ صالح بن حميد -حفظه الله-: "مِنْ صُلب الأبِ خرَجُوا، أو في رَحِمِ الأمِّ اجتمعوا، أو فيهما جميعًا نشؤا؛ إنهم الإخوة الأشقاء، والإخوة لأب، والإخوة لأُمّ، إنهم -جميعًا- إخوان النسب، بطن الأم حمَلَهم، وحِضنُها ضمَّهم، ومن لبنِها أرضعَتْهم".

 

وَالأخُوَّة: رابطةٌ نَسَبيَّةٌ كريمة، ومحبَّةٌ فطريَّة حميمة، وقُربةٌ شرعية عظيمة.

الإخوةُ والأخواتُ هُم جَمالُ الدنيا، وإنسانُ العينِ، بوصلهم تتوثَّق الحياةُ، وبحبهم تحلُّ السعادةُ، وبصِلَتِهم تكون طاعةُ الله وابتغاءُ مرضاته.

 

العَلاقةُ بينَ الإخوة من أرقِّ العلاقاتِ وأَرْقَاهَا، وأَشدِّها وأَقْوَاها، وأقدِرها على البقاء، ومِنْ أصلَبِها في الْمُلِمَّات، ومِنْ أوثَقِها في مواجَهة الصعاب والأزمات.

 

أيها الإخوة والأخوات: وتبدأ هذه العلاقةُ الكريمةُ في التوثُّق والتمتُّن من الوالدين؛ فالوالدانِ هُمَا اللذانِ يُربِّيانِ أبناءَهما تربيةً تَزرَع فيهم حقوقَ الأُخُوّةِ، إنَّ تعامُلَهما مع أبنائهما هو سرُّ العَلاقةِ التي تنشأ بين الإخوة، وأعظمُ ذلك وأكبرُه تحقيقُ العدلِ في كل أنواع التعامُل معَهم؛ من النظرات، والقُبُلات، والهدايا، والأُعطِيَات، وتجنُّب المقارَنات الخاطئة، والبُعد عن الغِلظة في المعامَلة لبعضهم دون بعض، والحَذَر من تشجيعِ مَنْ يستحق التشجيعَ بتحقير الآخرينَ، أو الحطِّ مِنْ قَدرِهم.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أيها الإخوة والأخوات: الحياة مع الإخوة في بيت الوالدينَ نعمةٌ عظيمةٌ، وصلةٌ حميمةٌ، يتبيَّن جَمالُها، ويَظهَر الحنينُ إليها حينما ينتقل الأخُ من بيت أبيه إلى بيت الزوجية؛ فتنبعِثُ الأشواقُ إلى إخوته وأخواته، وإلى منزل والديه، مأدبةِ الطعام المشترَك، ومشارَكة الحياة في العواطف، وأحاديثِ المودةِ، وارتفاعِ الأصواتِ وانخفاضِها في انسجام، وأَخْذ وردّ، وعَفْو، وتسامُح، وعطاء وتغافُل، والتماس للأعذار.

 

بيئةٌ كريمةٌ تُصان فيها الحقوقُ، وتُغرَس الفضائلُ، توقيرٌ للكبير، ورحمةٌ بالصغير، واحترامٌ للنِّدِّ، والمثيل.

 

أخوكَ تعطيه ويعطيكَ، وتأخذ منه ويأخذ منكَ، تتَّفِق معه وتختلف، تُعاتِبه ويعاتبكَ، ثم تصطلحون، وفي آخِر النهار تضحكونَ وتسمرون.

 

يَفرَحُ لفرحكَ، ويحزَنُ لحزنكَ، يردُّ غَيبَتَكَ، ويستر عَيبَتَكَ، إذا مددتَ يدكَ إلى خيرٍ مدَّها، وإِنْ رأى فيكَ ثغرةً سدَّهَا، وإِنْ نزلَتْ بك نازلةٌ واساكَ، وإِنْ سألتَه أعطاكَ، وإن سكتَّ ابتدأك، يُؤثِرُكَ في الرغائب، ويتقدَّم عليكَ في النوائب، إذا غبتَ افتقَدَكَ، وإذا غفَلَتْ نبَّهَكَ، وإذا ضَلَلْتَ أرشدَكَ، وإذا دعَا ربَّه لم يَنْسَكَ، هو التاج على الرأس، والقلادة على الصدر.

 

أخوك إذا وقَع فارْفَعْهُ، وإذا احتاج فساعِدْه، وإذا ضَعُفَ فَأَسْنِدْهُ.

الإخوان على نوائب الدهر أعوان، يُستظلّ بهم، ويُعتَمَد عليهم، أوثقُ مَنْ يُستوثَق، وأودَعُ مَنْ يُستودَع.

 

أخوكَ عضيدٌ لا يَلِينُ، ولا يتراخى، ولا يُدبِر، ولا يتخلَّى، هو مَكمَنُ السرِّ، ومحلّ الستر.

أخاكَ أخاكَ ينشر الحسناتِ، ويطوي السيئاتِ، إذا خدمتَه صانَكَ، وإذا صحبتَه زانَكَ، أُنسُ الخاطرِ، وسلوةُ القلبِ، وقرةُ العينِ، وهو عصاكَ التي تتوكَّأ عليها.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أيها الإخوة والأخوات: وللنبيين الكريمين؛ يوسف وموسى -عليهما السلام- مع الإخوة شأن عجيب، مع قوله -سبحانه-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)[الْأَنْعَامِ:90].

 

أمَّا يوسف -عليه السلام- فقد قال -عز شأنه-: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ)[يُوسُفَ:7]، ومن أعظم الآيات في هذه القصص العظيمة تعامل يوسف مع إخوته، في جميع مراحل حياته وابتلاءاتها، في بأسائها ونعمائها، في سرائها وضرائها، في حالي ضَرَّائه وسَرَّائه: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يُوسُفَ:36]، وقوله -تعالى-: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ:92].

 

فاصبروا -رحمكم الله-، اصبروا أيها الإخوة والأخوات، اصبروا كما صبر، واعفوا كما عفا، وأحسنوا كما أحسن، ومن أدبه -عليه السلام- وحُسْن تَعامُلِه أنَّه لم يعاتبهم، ولم يَنسِب الخطأَ إليهم، بل قال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)[يُوسُفَ:100]، لم تَصدُر منه عبارةُ لومٍ، أو لفظةُ عتابٍ، أو حالةُ استعلاءٍ، أو هيئةُ افتخارٍ، بل قال: (أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي)[يُوسُفَ:90]، ذكَر اسمَه المجرَّدَ مِنْ كُلِّ لقَبٍ أو منصبٍ.

 

ومن آيات هذه القصص العظيمة أن يوسف -عليه السلام- وهو يُعدِّد نِعَمَ اللهِ عليه قال: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ)[يُوسُفَ:100]، ولم يذكر واقعة الجُبّ؛ حفظًا لحقِّ إخوانه، وكرمًا منه؛ لئلَّا يخذلهم أو يُظهِر الغلبةَ عليهم.

 

أمَّا موسى -عليه السلام- فلَه شأنٌ مع أخته وأخيه؛ أما أخته فهي محل الرحمة، واللطف والشفقة، (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)[الْقَصَص:11]، أما أخوه فمحل القوة، وشَدّ العَضُدِ، والمرء مهمَا بلَغ من المنزلة ولو كانت النبوةَ لا غِنى له عن دفء الأُخُوَّةِ؛ ولهذا حينما عَظُمَتِ المهمةُ لدى موسى -عليه السلام- وقد مرَّت به من الشدائد والكروب، وقد فرَّ من قومه للذنب الذي اقترفه، وغاب في فراره سنين عددًا، فلما جاءته هذه المهمة العظيمة وهي النبوة، وهي أعظم مهمة على الإطلاق، حينئذ سأل موسى ربَّه العونَ، بل عَلِمَ أنَّه ليس له بعد الله إلا أخوه، فقال: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)[طه:29-32]؛ فأجابه ربُّه: (وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا)[الْفُرْقَان:35]، فقال: (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)[الْقَصَص:35].

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أيها الإخوة والأخوات: مِنَ الخسارةِ والغبنِ ألَّا تَعرِفَ مكانةَ أخيكَ إلَّا بعدَ أَنْ تَفقِدَه، نَعَمْ، تَفقِدُه؛ إمَّا بموت أو بسبب مطامع الدنيا، فتبقى وحيدًا لا تَقدِر على شيء، كم مِنْ أخٍ بكى على قبرِ أخيه متمنيًا لو اصطَلَحَا قبلَ لحظة الفِرَاق، إنَّ الحفاظ على الأُخوَّة في قوتها ومتانتها تحتاج إلى عَقْل، وحكمة، وصَبْر، وتحمُّل، وتضحية؛ (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[يُوسُف:36].

 

لا تُقابِلْ تصرُّفاتِ إخوانكَ بالتحليل والتدقيق، فأغلبُها أو جُلّها عفويةٌ تلقائيةٌ، لا تَقبَل التحليلَ ولا التعمقَ، ولا تَستَحِقُّ الوقوفَ عندها.

 

واعلم أنَّه مَهمَا طالَتْ عَلاقَتُكَ بإخوانكَ فهي لن تدوم، فلسوفَ يَقطَعُها أقربُكم أَجَلًا، وأعجَلُكم موتًا، فبَادِرْ -حَفِظَكَ اللَّهُ- بكلِّ خيرٍ ومَكرُمةٍ، قولًا وفعلًا، (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)[الْمُدَّثِّر:6].

 

إذا كنتَ ذا علمٍ، أو منصبٍ، أو جاهٍ، أو ثراءٍ، أو شهرةٍ، فَانزِعْ عنكَ هذه العباءاتِ كلَّها حينما تكون مع أَهلِكَ وإخوانِكَ.

بَادِرْ بالتواصل مع إخوانكَ حتى ولو كنتَ ترى أنَّ الحقَّ لكَ.

احْرِصْ على ضبطِ التعاملاتِ الماليةِ بالدقةِ، وكتابتِها، والإشهادِ عليها، وتوثيقِها.

 

مِنَ الكمالِ والجَمالِ والمروءةِ أن تُظْهِر افتخارَكَ بإخوانكَ، وبما يمتازونَ به مِنْ فضلٍ ومكانةٍ.

أخبارُكَ وأحوالُكَ ينبغي أن تَصِلَ إلى إخوانكَ عن طريقكَ، لا عن طريق غيركَ، بعدَ تقديرِ المصلحةِ في ذلك.

 

واعلم -حفظك الله- أن كثرة الشيء تُرخِصُه، فلا تَكُنْ كثيرَ اللومِ، والنقدِ، والعتابِ، والاستقصاءِ، والتَّشَكِّي، واعلم أن كثرة العتاب طريقُ النُّفرةِ والاجتنابِ، يقول علي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَنْ لم يَحمِلْ أخاه على حُسن النية لم يَحمَدْه على حُسْن الصنعة".

 

ويقول حمدون القصَّار -رحمه الله-: "إذا زَلَّ أخوكَ فاطلُبْ له سبعينَ عذرًا، فإن لم يَقبَلْه قَلبُكَ، فاعلم أنَّ العيبَ فيكَ؛ حيث ظهَر لكَ سبعونَ عُذرًا ثم لَمْ تَقبَلْه".

 

ما أجمَلَ الأُخُوَّةَ في أَسْمَى معانيها، خلافٌ، ثم هدوءٌ، ثم سكونٌ، ثم اعتذارٌ، فتسامُحٌ فدعاءٌ فاستغفارٌ؛ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الْأَعْرَافِ:151].

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

واعلموا -حفظكم الله- أن حل الخلاف بين الإخوة إمَّا بالحكمة، وإما بالمحكمة، أما المحكمة فبابها عريض، وسلمها طويل، وعتباتها كثيرة، في مداخل متعرجة، وسراديب ملتوية، ونهايتها بعيدة، وتكون سعيدة أو غير سعيدة، وأما الحكمة فبابها صغير، وطريقها قصير، خالٍ من العتب، وسالم من السلالم، تدخل هذا الباب، وتصل نهايته حال دخولك ونهايته سعيدة.

 

وبعدُ حقيقة الأُخوّة: مودَّةٌ في القلبِ، ولُطفٌ باللسان، ورِفْدٌ بالمال، وحُسْنُ الذَّبِّ عن العيب، وتناصُرٌ، وتعليمٌ، ونقلٌ للخبرات.

 

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُها الإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتُ: عيدكم مبارك وعيدكم سعيد، والحمد لله أن بلغنا العيد، وعيدنا مظهرٌ من مظاهر الدين، وشعيرةٌ من شعائره المعظمة التي تنطوي على حِكم عظيمةٍ، ومعانٍ جليلة، وأسرارٍ بديعة لا تعرفُها الأممُ في شتى أعيادها.

 

ففي العيد يُهدي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المُخلصةِ المُحِبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.

والعيدُ يومُ النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.

 

ولقد شرع اللهُ لنا أن نؤديَ صلاة العيدِ في هذه الساعة لنقيم ذكره، ثم ننصرف إلى ذبح الأضاحي مقتدين برسولنا، فَبَذْلُ المال في الأضاحي أفضل من الصدقة بثمنها. ومن السنة أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه إن أمكن وإلا فليحضر ذبحها..

 

اللهم إنا عبيدك أتينا إلى أداء شعيرة عظيمة من شعائر دينك اللهم لا تفضّ جمعنا الا بذنب مغفور وأجر موفور ورزق واسع وتجارة لن تبور.

 

اللهم تقبل من الحجاج حجهم وأتمه عليهم واجز من يقوم على خدمتهم خير الجزاء واكتب لهم مثل أجر الحاجين، اللهم ارفع عنا الوباء واجعل حياتنا صفاء.

 

 اللهم وفق خادم الحرمين وولي عهده للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم سدد أقوالهم وأعمالهم واجعلهم هداة مهتدين، اللهم انصر جنودنا على حدودنا سدد رميهم وعجل بنصرهم واجزهم عنا خير الجزاء..

 

المرفقات
YemkLQTUDXWVbvwcjaKEpunKcxjhnAbQ4bVvgOGe.pdf
m6O3Xj9PTxxbkO3EphFFXqWsPVgtNvpfzVMvMZTF.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life