عناصر الخطبة
1/لا يقع شيء إلا بتدبير الله -تعالى- 2/من أسماء الله الدالة على عظمته 3/من دلائل حبس المطر 4/الحث على التوبة 5/دعاء الاستسقاءاقتباس
إن الله حين يُقدِّر الشدةَ, ويحبس القطر, ويحل بالأرض الجدب, فما ذاك من قِلّةٍ حاشاه, ولكنه لحكمةٍ كي تؤوب القلوب لربها, وترتدع عن ذنوبها, أوليس هو القائل -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم: 41]؟, فإن نفعتهم البلايا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله العزيز الغفار، الكريم الوهاب، يغفر الذنوب جميعًا ويجيب الدعاء، وينزل الغيث من السماء، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار التائبين المنيبين، ونسأله من فضله العظيم؛ إنه هو البر الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وعبد ربه مخلصًا حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وراقبوه ولا تعصوه، وتوبوا إليه واستغفروه؛ (فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)[الإسراء: 25].
عندما تُجدِب الأرض، وينقطع الغيث، وتشتد اللأواء، ويفشو الغلاء, يرجع أولو الألباب إلى أنفسهم، فيتفكرون في بواعث ذلك، ويتدبرون قول ربهم -تبارك وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولأمَّته من بعده: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)[النساء: 79], (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30].
واليقينُ عند المؤمنين أن في تدبير الله الحكمة؛ فهو الحكيم, لا يدبر إلا لحكمة وإن غابت عنا, وهو -سبحانه- القادر؛ قادرٌ أن يمسك السماء فلا تمطر, والأرضَ فلا تنبت, وقادرٌ على تغيير ذلك في طرفة عين, وهو الرحيم؛ يرحم عباده إذا لجؤوا إليه وتضرعوا, والسميع؛ يسمع دعواتهم إذا رفعوا الأكف وله جأروا, والبصير؛ يرى حاجتهم ويرى خروجهم, وقد تركوا ملذاتهم ليستسقوا.
وهو الرزاق, كلُّ أرزاقهم منه, ومهما فعلوا فلن يخرجوا عن قوله: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)[الذاريات: 22], وهو المجيب؛ لا يخيّب رجاء عباده إذا سألوا, وهو التوّاب؛ يتوب عليهم إذا تابوا من ذنوبٍ حالت بينهم وبين الرزق من السماء.
كم نحتاج -يا كرام- اليوم أن نخرج ونحن نتأمل في هذه الأسماء العظيمة لذي العظمة والجلال؛ فهي أعظم بلسم وأشرفُ بابٍ, به نحسن الظن بالله, ونستمطره ونستعتبه.
نعم, نحن مقصرون, نعم, في الأرض ذنوبٌ عامة وخاصة, نعم, نوقن أن شؤم المعاصي وبيل, ولكننا اليوم نخرج ونحن محسنون الظن بربنا أن يرحم ضعفنا, ويجبر خللنا, ويعفو عن قصورنا, ويرحم بهائمنا ويحسن إلينا.
إن الله حين يُقدِّر الشدةَ, ويحبس القطر, ويحل بالأرض الجدب, فما ذاك من قِلّةٍ حاشاه, ولكنه لحكمةٍ كي تؤوب القلوب لربها وترتدع عن ذنوبها, أوليس هو القائل -سبحانه-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم: 41]؟, فإن نفعتهم البلايا وارتدعوا, وإلا فقد تكون العقوبة أشد؛ حين تموت القلوب, وقد ذم -سبحانه- الذين لا تورثهم الشدائد استكانة، ولا تعقبهم تضرعًا له فقال: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)[المؤمنون: 76].
فالله الله بالصدق في التوبة, واللهجِ بالاستغفار, وأن تتوب القلوب مع الألسن, وتندم النفوس وتستغفر, وربنا -عز وجل- قال: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النمل: 46], (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31], وقال -سبحانه- حكاية عن نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 10 - 12], وقال -عز وجل- حكاية عن هود -عليه السلام-: (وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هود: 52].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
اللهم أسقنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، طبقًا مجللًا، سحًّا عامًّا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل، تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والبادِ, اللهم سُقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق.
اللهم اسقِ عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت, اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك، واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا على طاعتك، وبلاغًا إلى حين.
اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك, (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف: 23], (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[البقرة: 286].
اللهم يا من وسعت رحمته كل شيء، يا من تتابع عطاؤه ونواله, يا من عمّ البرية فضله وإنعامه: ارحم ضعفنا وأجب سؤلنا, وأغث بلادنا, ارحم الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، والبهائم الرُّتَّعَ، وارحم الخلائق أجمع، برحمتك يا أرحم الراحمين.
التعليقات