عناصر الخطبة
1/ فلاح وفوز المؤمنين في الدنيا والآخرة 2/ صفات المؤمنين من خلال الآيات الأولى من سورة المؤمنين 3/ إكرام الله للمتصفين بصفات أهل الإيماناهداف الخطبة
اقتباس
نقف مع آيات عظيمة من كتاب ربنا -عز وجل- ذكرها الله -تعالى- في أول سورة من سور هذا القرآن العظيم سورة عظيمة استهلها الله -تعالى- بذكر أوصاف المؤمنين الكمل وذكر ما أعد لهم من عظيم الثواب وجزيل المآل، إنها سورة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71 - 70].
أما بعد:
فنقف مع آيات عظيمة من كتاب ربنا -عز وجل- ذكرها الله -تعالى- في أول سورة من سور هذا القرآن العظيم سورة عظيمة استهلها الله -تعالى- بذكر أوصاف المؤمنين الكمل وذكر ما أعد لهم من عظيم الثواب وجزيل المآل، إنها سورة المؤمنون في هذه السورة ذكر في أولها صفات أهل الإيمان بعدما أخبر الله -عز وجل- في الآية الأولى بتحقيق فلاح أهل الإيمان وفوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، فقال عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون: 1] أي قد تحقق فلاحهم وفوزهم وسعادتهم، فما هي صفاتهم؟ ما هي صفات أهل الإيمان التي استحقوا بها هذا الفلاح العظيم؟
تأملوا هذه الصفات ثم تأملوا ما أتبع ذلك من ذكر من ذكر لثوابهم وعظيم أجرهم عند رب العالمين، يقول سبحانه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 1- 11].
فتأملوا -عباد الله- كيف بُدأت هذه الصفات وختمت بذكر الصلاة، أول هذه الصفات: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 2]، وآخرها: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 9].
وهذا يدل على عظيم شأن الصلاة، وعلى أنها من أعظم وأفضل وأجل الأعمال للمؤمنين، فالصلاة هي عمود دين الإسلام، والصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، إنها أجل أعمال أهل الإيمان وأعظم طاعاتهم، وأرفع قرباتهم، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي عمل أحب إلى الله -تعالى-؟ قال: "الصلاة على وقتها" [البخاري: 527، مسلم: 264].
وهؤلاء ليسوا فقط محافظين على الصلاة، بل خاشعون فيها، والخشوع في الصلاة هو روحها وهو لبها، وهو المقصود الأعظم منها.
الخشوع في الصلاة -يا عباد الله- هو أول خصلة من خصال هؤلاء المؤمنين المفلحين، جعله الله -تعالى- أول صفة وأول خصلة، بل إن الله -سبحانه- قدمه حتى على المحافظة على الصلاة؛ لأن الخشوع في الصلاة شأنه عظيم، وأجره جزيل، ولهذا إذا كبر المصلي في صلاته أقبل الشيطان عليه بخيله ورجله حتى يوسوس له وحتى لا يخشع في صلاته؛ لأن الشيطان الرجيم عدو الإنسان يعلم الأجر العظيم والثواب الجزيل المرتب عن الخشوع في الصلاة، الخشوع في الصلاة هو الذي يجد بسببه المؤمن لذة العبادة ويشعر بسببه بزيادة الإيمان، وإذا خشع المصلي في صلاته فإنه يشعر بالسكينة، ويشعر بالراحة، الصلاة الخاشعة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فليحرص المسلم وليجاهد نفسه على الخشوع في الصلاة، فإنه روح الصلاة، وصلاة بلا خشوع كجسد بلا روح، وليس للمصلي من أجر صلاته إلا بمقدار ما عقل منها، وإن كانت تلك الصلاة وإن كانت تلك الصلاة وإن لم يعقل منها شيئا تتحقق بها براءة الذمة؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط والواجبات، ولكن من جهة الأجر والثواب ليس له من الأجر والثواب على صلاته إلا بمقدار ما عقل منها، فإن عقلها كلها فهذه هي الصلاة العظيمة التي قال عنها بعض أهل العلم: "إنها تكفر حتى كبائر الذنوب"، ولكن قل من يصل إلى هذه المرحلة أنه يخشع في جميع جميع صلاته من حين تكبيرة الإحرام إلى التسليم، وإن خشع في نصف الصلاة فله أجر النصف، وإن خشع في ثلثها فله الثلث، وإن خشع في ربعها فله الربع، وإن خشع بمقدار العشر فله عشر الأجر، وإن لم يخشع فيها كلها من حين أن كبر إلى أن سلم وهو في هواجيس ووساوس، فهذا ليس له من أجر صلاته شيء، لكن تحصل بها براءة الذمة، أي أنه لا يكون حاله كحال الذي لم يصل، إنما تكفر نفسها وتحصل بها براءة الذمة، لكن ليس له من أجر صلاته إلا بمقدار ما عقل منها.
والصفة الثانية من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 3].
واللغو يتناول كل باطل وأعظم ذلك المعاصي، وعلى رأسها: الشرك بالله، والبدع، والكبائر، ويشمل كذلك ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال.
فهؤلاء المؤمنون المفلحون أوقاتهم نفيسة لا يضيعونها فيما لا فائدة فيه، فضلا عن ما فيه ضرر، إن هؤلاء المؤمنين إذا حصل عندهم فراغ يغتنمون فيما يقربهم إلى الله -عز وجل- يشتغلون بذكر الله -سبحانه- يشتغلون بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وتلاوة القرآن، وما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، إنهم ليسوا بأهل بطالة يضيعون أوقاتهم أو يسمحون للآخرين بتضيعها لكنهم أهل عزيمة وأهل تشمير وجد يعرضون عن الجاهلين ولا يشتغلون بمناكفتهم والرد عليهم: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: 55]، (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63].
والصفة الثالثة من صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [المؤمنون: 4]، وهذا يتناول زكاة المال المفروضة، التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام ويتناول كذلك تزكية النفس بالأخلاق الفاضلة والآداب الكاملة: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 15 - 14]، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 9 - 10].
ومن صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) [المؤمنون: 5]، وهذه خلة عظيمة، وخصلة كريمة، فهم قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من الفواحش من الزنا أو اللواط أو غيرها، ولا يقربون سوى ما أحله الله لهم، وهي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم أي الإماء، ولا وجود للإماء في الوقت الحاضر ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، ولهذا قال: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) [المؤمنون: 7 - 6] أي ابتغاء قضاء الوطر في غير الأزواج والإماء: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 7] أي المعتدون.
عباد الله: العفة عن الحرام تعني قوة الصدر عن شهوة الفرج المحرمة، وهي وصف شرف للمؤمن، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" [البخاري: 5256، مسلم: 211].
ومن صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون: 8] فهم أصحاب مبدأ، وهم أهل وحفظ للأمانة ورعاية للعهد، والأمانة هي كل ما استؤمن الإنسان عليه من حقوق الله أو حقوق الخلق، فهم يراعون هذه الأمانات ويراعون هذه العهود، وهذا بخلاف حال المنافق الذي إذا عاهد غدر وإذا اؤتمن خان، قال بعض أهل العلم: "إن الزنا وشرب الخمر والميسر والربا وعقوق الوالدين من الكبائر، ولكن الله -تعالى- لم يتوعد مرتكبي هذه الموبقات بمثل ما توعد به ناكسي العهود وخائني الأمانات، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 77] وأي عقاب أشد من هذا العقاب، من عقاب من لا خلاق له في الآخرة، أي لا نصيب له من النعيم ولا يكلمه الله ولا ينظر إليه نظرة رحمة ولا يزكيه بالثناء، وذلك لأن مفاسد النكث والخيانة أعظم من جميع المفاسد التي حرمت لأجلها تلك الجرائم، فكان عقاب خائن العهود والمواثيق والأمانات كان عقابهم عظيم وجزاؤهم كبيرا.
ثم توجت هذه الصفات بالتأكيد على المحافظة على الصلاة، فختمت صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين، بقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) [المؤمنون: 9] فهم مهتمون بشأن الصلاة اهتماما كبيرا، فهم يحافظون على الصلاة يحافظون على إقامتها في وقتها ويحافظون على أدائها مع جماعة المسلمين في المسجد، فالاهتمام بالصلاة عندهم كبير وعال، فالصلاة هي أول اهتماماتهم، ولهذا كانوا في صلاتهم خاشعين، ولا يخشع في صلاته إلا من اهتم بها وحرص على تحقيق الخشوع فيها وجاهد نفسه على ذلك.
عباد الله: إن من كان الاهتمام إن من كان مستوى الاهتمام الصلاة عنده عال ورفيع، فإن الصلاة لن تفوته، ومهما وجد من العقبات والعراقيل لن تقف أمام هذا الاهتمام، ولهذا نجد بعض أهل الخير والصلاح لا يمكن أن تفوتهم صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد إلا بعذر بأن يكونوا مرضى أو مسافرين.
أما أن يكون في بيته صحيحا معافى فلا يمكن أن تفوته صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، وهكذا بقية الصلوات؛ لأنه قد قد اهتم بها اهتماما كبيرا، فهي أول اهتماماته.
أما من كان مستوى الاهتمام بهذه العبادة ضعيف فإنه سيجد من الأعذار ومن العقبات ومن العراقيل ما يعيقه عن المحافظة على هذه الصلاة وعلى هذه العبادة، من لم تكن الصلاة أكبر اهتماماته فسوف يغلبه النوم وسوف يغلبه الكسل، ولهذا كلما قوي إيمان العبد كلما ارتفع مستوى الاهتمام بهذه العبادة وبهذه الصلاة، وإذا إراد الإنسان أن يعرف ميزان الإيمان عنده اليوم فلينظر إلى حاله مع هذه الصلوات الخمس هل هو يحافظ عليها مع جماعة المسلمين في المسجد؟ فإن كان كذلك فهذا دليل على أنه على خير وإلى خير وأن مستوى الإيمان عنده كبير، أما من كان يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد فهذا مؤشر على قلة اهتمامه بهذه العبادة ومؤشر كذلك على ضعف الإيمان عنده، فعليه أن يحاسب نفسه وأن يتفقد أمره قبل أن قبل أن تحين ساعة النقلة فينتقل من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ويندم حين لا ينفع الندم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: حقيق بالمؤمن الذي وقف على هذه الصفات العظيمة التي هي أبرز صفات أهل الإيمان أن يجاهد نفسه على تحقيق هذه الصفات العلية وهذه الأوصاف الرفيعة، ليفوز الفوز العظيم الذي ذكره ربنا -عز وجل-، فإن الله -تعالى- قد أخبر في أول السورة بفلاح هؤلاء المؤمنين المتصفين بهذه الصفات، ثم بعدما ذكر هذه الصفات قال عز وجل: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون: 11 - 10].
والفردوس هي أعلى درجات الجنة، قد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن" [البخاري: 2581]، وقوله عز وجل في هذه الآية: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) [المؤمنون: 10] جاء تفسير ذلك في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) [ابن ماجة: 4341، وقال الألباني: "صحيح"].
فالمؤمنون يرثون منازل الكفار؛ لأنهم كلهم خلقوا لعبادة الله -عز وجل- فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة وترك أولئك ما أمروا وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم -عز وجل-، وهذه الآية هي كقول الله -تعالى-: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) [مريم:63]، وكقول الله -تعالى-: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف: 72].
فأهل الجنة يرثون منازل أهل النار ويأخذونها، وذلك أن هؤلاء أهل النار لهم منازل في الجنة لو أطاعوا الله -عز وجل- فلما لم يطيعوا الله -سبحانه- ودخلوا النار ورث منازلهم في الجنة أهل الجنة من أهل الإيمان والتقوى.
فتأملوا -عباد الله- هذه الصفات التي ذكرها الله -تعالى- لهؤلاء المؤمنين، فإن الله -تعالى- ما ذكرها إلا لأجل أن نسعى للاتصاف بها، وانظروا إلى عناية القرآن بشأن الصلاة وكيف أن أول هذه الصفات متعلقة بالصلاة وآخرها متعلقة بالصلاة، فانظروا إلى عناية الشريعة بهذه العبادة العظيمة وتعظيم الشريعة بشأن هذه العبادة العظيمة؛ لأنها هي الصلة بين العبد وبين ربه سبحانه، فإذا قطع العبد الصلة بين ربه إذا قطع العبد الصلة بينه وبين ربه فإنه لا يكون له إسلام ولا إيمان صحيح، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" [مسلم: 256].
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان يا رب العالمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل النفاق والمنافقين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم إن لنا إخوة في الشام قد مستهم البأساء والضراء، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وإنهم ضعفاء فارحمهم، وإنهم مساكين فانصرهم، اللهم انصرهم بنصرك يا قوي يا عزيز يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل النصر والتمكين والتأييد لأهل السنة يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، اللهم عليك بأعداء المسلمين من الصهاينة المعتدين والنصيرية وسائر الكفرة والملحدين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
التعليقات