خصائص مرحلة الشباب

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/التعريف بمرحلة الشباب 2/خصائص مرحلة الشباب 3/طرق التعامل مع مرحلة الشباب 4/بعض الأخطاء في التعامل مع الشباب.

اقتباس

إِنَّكُمْ بِتَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ تَبْنُونَ مُسْتَقْبَلَ الْأُمَّةِ بِإِعْدَادِ شَبَابِهَا؛ فَأَحْسِنُوا التَّعَامُلَ مَعَهُمْ، أَرْشِدُوهُمْ وَوَجِّهُوهُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ جُهْدٍ تَبْذُلُونَهُ مَعَهُمْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رِفْعَةٌ لِرَايَةِ الْإِسْلَامِ وَنَهْضَةٌ لِلْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الشَّبَابَ هُوَ أَغْلَى وَأَثْمَنُ وَأَهَمُّ مَرَاحِلِ الْعُمْرِ؛ لِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاغْتِنَامِهَا قَائِلًا: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ..."، وَذَكَرَ فِي مَطْلَعِهَا: "شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَلِلشَّبَابِ عُنْفُوَانٌ وَقُوَّةٌ، وَحُبُّ اسْتِطْلَاعٍ، وَرَغْبَةٌ فِي التَّطْوِيرِ، وَسِمَاتٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ عَنْ بَقِيَّةِ مَرَاحِلِ عُمْرِ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الشَّبَابَ قُوَّةٌ بَيْنَ ضَعْفَيْنِ؛ يَقُولُ -تَعَالَى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)[الرُّومِ: 54]، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ كَلِمَةِ: "شَبَابٍ"، يَقُولُ أَهْلُ اللُّغَةِ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ: "شَبَّ" الَّتِي تَدُلُّ عَلَى نَمَاءِ الشَّيْءِ وَقُوَّتِهِ؛ فَالشَّبَابُ مَرْحَلَةٌ عُمْرِيَّةٌ تَبْدَأُ مِنْ سِنِّ الْبُلُوغِ، وَتَنْتَهِي مَعَ أَوَّلِ مَرْحَلَةِ الْكُهُولَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ حُدُودِهَا بِالسِّنِينَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ: "زَمَنُ الْغُلُومِيَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، مُنْذُ يُولَدُ إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَهَا، ثُمَّ زَمَنُ الشَّبَابِيَّةِ مِنْهَا إِلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَنَةً، ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ إِلَى أَنْ يَمُوتَ"، وَقِيلَ: "الشَّابُّ: الْبَالِغُ إِلَى أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ"، وَقِيلَ: "ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ"، وَقِيلَ: "سِنُّ الشَّبَابِ مِنَ الْبُلُوغِ إِلَى أَنْ يُكْمِلَ أَرْبَعِينَ".

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ -كَمَا أَسْلَفْنَا- مَرْحَلَةٌ مُمَيَّزَةٌ، لَهَا سِمَاتُهَا الْخَاصَّةُ؛ وَمِنْهَا:

النُّضْجُ الْجَسَدِيُّ وَالْعَقْلِيُّ وَالنَّفْسِيُّ: حَيْثُ تَكْتَمِلُ هَذِهِ الْخَصَائِصُ مَعَ نُمُوِّهِ مُتَزَامِنَةً مَعَ اشْتِعَالِ شَهْوَتِهِ وَهُنَا وَجَّهَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: عُلُوُّ الْهِمَّةِ وَقُوَّةُ الْعَزِيمَةِ: فَالشَّبَابُ إِذَا آمَنَ بِهَدَفٍ تَفَانَى وَأَخْلَصَ فِي إِنْجَازِهِ وَتَحْقِيقِهِ، فَهَذَانِ شَابَّانِ؛ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، يَسْأَلَانِ يَوْمَ بَدْرٍ عَنْ أَبِي جَهْلٍ وَيُصَمِّمَانِ عَلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَفْعَلَانِ ثُمَّ يَذْهَبَانِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: "هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟"، قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، سَلْبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَيَحْزَنُ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ وَآخَرُ، فَأَلْحَقَ الْآخَرَ وَرَدَّهُ هُوَ، يَقُولُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَلْحَقْتَهُ وَرَدَدْتَنِي وَلَوْ صَارَعْتُهُ لَصَرَعْتُهُ. قَالَ: "فَصَارِعْهُ"، فَصَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَأَلْحَقَنِي. (إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ).

 

وَمِنْهَا: الْحَاجَةُ إِلَى التَّرْوِيحِ وَالتَّرْفِيهِ: فَهَذَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْرِكُ أَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ مِنَ اللَّهْوِ مَا لَا يَشْتَهِيهِ الْكَبِيرُ، لِذَا صَنَعَ مَا صَنَعَ مَعَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَحْكِي فَتَقُولُ: "كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ، فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ"؛ فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: حَاجَتُهُمْ لِلِّينِ وَاللُّطْفِ خَاصَّةً الْإِنَاثَ مِنْهُمْ، تَرْوِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَتَقُولُ: "وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ إِلَيْهَا وَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا، فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا. (صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، فَالْجَفَاءُ يَقْتُلُ قُلُوبَ الشَّبَابِ.

 

وَمِنْهَا: النَّظْرَةُ النَّقْدِيَّةُ وَكَثْرَةُ التَّسَاؤُلَاتِ: فَهَذَا الْفَارُوقُ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَذْهَبُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَقُولُ: "أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: "بَلَى"، فَيَقُولُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ، قَالَ: "بَلَى"، فَيَقُولُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: "إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي"، فَيَقُولُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، لَكِنَّهُ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَعَمِلَ لَهُ أَعْمَالًا.

 

وَتَسْمَعُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ"، فَتَتَسَاءَلُ قَائِلَةً: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟! فَيُجِيبُهَا: "يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَيَقْرَأُ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَوْلَهُ -تَعَالَى-: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ)[الْإِسْرَاءِ:97]، فَيَتَسَاءَلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ هُنَاكَ طُرُقًا وَأَسَالِيبَ لِلتَّعَامُلِ الْأَمْثَلِ مَعَ الشَّبَابِ؛ وَمِنْهَا:

أَوَّلًا: الِانْطِلَاقُ مِنْ عَاطِفَةِ الشَّفَقَةِ وَالْحُبِّ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُعَامِلَهُمْ بِقَلْبٍ مُمْتَلِئٍ شَفَقَةً وَحُبًّا وَعَاطِفَةً كَمَا كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ"، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: "أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

أَوْ كَمَا فَعَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ قَالَ لَهُ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

ثَانِيًا: التَّعَامُلُ مَعَهُمْ بِرِفْقٍ وَلِينٍ؛ وَلَنْ يَتَأَتَّى الْإِصْلَاحُ فِي سِنِّ الشَّبَابِ إِلَّا بِهِمَا، وَانْظُرْ إِلَى رِفْقِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ الشَّابِّ الَّذِي جَاءَهُ فَقَالَ: ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: "ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا" قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟"، "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" وَالشَّابُّ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. (صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

ثَالِثًا: تَفَهُّمُ طَبِيعَةِ ظُرُوفِهِمْ وَالْمَرْحَلَةِ الْعُمْرِيَّةِ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا نَتِيجَةً لِلتَّغَيُّرَاتِ الْهُرْمُونِيَّةِ الْجَسَدِيَّةِ وَالنَّزَعَاتِ وَالْأَفْكَارِ الْعَقْلِيَّةِ، وَلَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَاعِي ذَلِكَ وَيُقَدِّرُهُ؛ فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا، أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا، سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَيُقَدِّرُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَشَاعِرَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عِنْدَ مَقْتَلِ أَبِيهِ، يَحْكِي جَابِرٌ فَيَقُولُ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي، وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَنْهَانِي. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَهُوَ يَشْعُرُ بِمُصَابِهِ وَآلَامِهِ.

 

رَابِعًا: الْعِقَابُ الْمُنَاسِبُ عِنْدَ الْخَطَأِ؛ فَالشَّابُّ لَا يُعَاقَبُ كَمَا يُعَاقَبُ الصَّبِيُّ، بَلْ كَفَاهُ التَّأْدِيبُ بِالْإِعْرَاضِ أَوِ التَّوْبِيخِ.. وَلِكُلٍّ مَا يُنَاسِبُهُ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَقَوَّمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يُنَاسِبُهُ؛ وَذَلِكَ حِينَ قَتَلَ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَأَنَّبَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: "يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَلَقَدْ أَثَّرَ ذَلِكَ فِيهِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا حَتَّى قَالَ: "فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَلَا أُرَاهُ قَدْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا أَبَدًا.

 

وَنَخْلُصُ إِلَى أَنَّ طُرُقَ التَّعَامُلِ مَعَ الشَّبَابِ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طَبِيعَةِ كُلِّ شَابٍّ، فَمَا يُنَاسِبُ أَحَدَهُمْ قَدْ لَا يُنَاسِبُ الْآخَرَ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ بَعْضَ الْمُرَبِّينَ وَأَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ يَقَعُونَ فِي أَخْطَاءٍ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَ الشَّبَابِ فَوَجَبَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا؛ وَمِنْهَا:

التَّهَاوُنُ فِي إِلْزَامِهِمْ بِفَرَائِضِ اللَّهِ؛ فَلَا يُؤْمَرُونَ بِالصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا، وَلَا تُؤْمَرُ الْفَتَيَاتُ بِالْحِجَابِ وَالتَّسَتُّرِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَمَرَ قَائِلًا: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132]، وَهَدْيُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يَدْعُوا لِأَوْلَادِهِمْ: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)[إِبْرَاهِيمَ: 40]، وَيَسْتَعِيذُوا: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إِبْرَاهِيمَ: 35].

 

وَمِنْهَا: عَدَمُ احْتِرَامِ حُقُوقِهِمْ: فَفِي الْمَسْجِدِ يُؤَخِّرُونَهُ مِنَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ، وَفِي الْبَيْتِ لَا يَهْتَمُّونَ بِرَأْيِهِ، فَيَخْرُجُ مَهْزُوزَ الثِّقَةِ فِي نَفْسِهِ لَا يَرَاهَا أَهْلًا لِلْمَعَالِي! بَيْنَمَا كَانَ هَدْيُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِلَافَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ أُتِيَ بِشَرَابٍ يَوْمًا، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟"، فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَدِهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ.

 

وَمِنْهَا: كَثْرَةُ التَّوْبِيخِ وَالتَّأْنِيبِ: فَهَذَا يُحَقِّرُ الشَّابَّ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي قَالَ عَنْهُ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

فَيَا مَعَاشِرَ الْآبَاءِ: إِنَّكُمْ بِتَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ تَبْنُونَ مُسْتَقْبَلَ الْأُمَّةِ بِإِعْدَادِ شَبَابِهَا؛ فَأَحْسِنُوا التَّعَامُلَ مَعَهُمْ، أَرْشِدُوهُمْ وَوَجِّهُوهُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ جُهْدٍ تَبْذُلُونَهُ مَعَهُمْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رِفْعَةٌ لِرَايَةِ الْإِسْلَامِ وَنَهْضَةٌ لِلْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ، وَخُذْ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى مَا فِيهِ نَفْعٌ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
BwqIqBnRCeJoXOcB7xKZWUessCTPVfueQqceEluh.pdf
anGJdjYYUlLvhDz8PnstjXAhaswaUIPkQNSq8QFm.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life