عناصر الخطبة
1/ مكانة المساجد الثلاثة 2/من حِكم الربط بين المسجدين: بيان وحدة العقيدة, التذكير باللفتة التاريخية بينهما, التأكيد على عظمة المسجدين, بيان وراثة الإسلام لما سبقه من رسالات سماوية 3/نحو تحرير الأقصىاقتباس
التهديد للمسجد الأقصى تهديد للمسجد الحرام، وأنّ النّيل من المسجد الأقصى توطئة للنيل من المسجد الحرام، لأنّ المسجد الأقصى بوّابة الطّريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين ووقوعه في أيدي اليهود هو في حدّ ذاته تهديد للمسجد الحرام وللبلاد الإسلامية بأسرها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, الحمد لله العلي الأعلى الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى, ودفع عنا من النقم ما لا يعد ولا يستقصى, سبحانه من إله عظيم, أسرى بعبده محمد -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى, وأراه من آياته العظمى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا, قال وقوله الحق: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) [الإسراء:1] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الهدى وخير الورى, والشفيع يوم القيامة في كل من وحّد الله واهتدى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء, وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء, وسلم تسليماً.
عباد الله: لقد شرف الله المساجد وعظمها، وأعلى شأنها ورفع قدرها، واختار من بينها المساجد الثلاثة المشهورة المعروفة، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويكفيها قدراً وفخراً وشرفاً أن الله اختارها من بين المساجد كلها، وما ذلك إلا لعظمة شأنها وعلو منزلتها.
فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض، وهو قبلة المسلمين إلى قيام الساعة، وأحد المساجد التي يشد إليها الرحال، والبقعة التي حرم الله فيها القتال، ومنه انطلقت رحلة الإسراء والمعراج، يقول الله -جل وعلا-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة : 125].
وأما المسجد الأقصى فإنه ثاني مسجد وضع في الأرض، وقبلة المسلمين الأولى، صلى إليه المسلمون ستة عشر شهرا، وأحد المساجد التي يشد إليها الرحال، وإليه انطلقت رحلة الإسراء من المسجد الحرام، وقد وصف الله أرض بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية، كما قال -تبارك وتعالى- حاكياً عن موسى -عليه السلام-: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة:21]، فوصفها بالقداسة والطهارة، وقال عز وجل: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف:137]، فوصفها أيضاً بالبركة، وقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه) [الإسراء:1].
وقد أمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بالأنبياء -عليهم السلام، وفتحه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وحرره صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله-، ونحن اليوم لا نريد أن نتكلم عن قصة الإسراء وما حدث فيها من وقائع وأحداث، ولكن نريد أن نتكلم عن قضية الربط بين المسجدين، ولماذا أسري بالرسول -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟ وما العلاقة بين هذين المسجدين؟ وما السر في جعل الرحلة تنطلق من المسجد الحرام وتمر بالمسجد الأقصى، ومن هناك كان العروج إلى السماء؟ فلماذا هذا المرور على المسجد الأقصى مع أن الله -سبحانه وتعالى- قادر على أن ينقل نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء دفعة واحدة من المسجد الحرام مباشرة دون المرور على المسجد الأقصى؟
يقول الله -سبحانه وتعالى- في سورة كاملة سماها سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء : 1].
إن أول ما يذكرنا في موضوع الربط بين المسجدين هو أن العقيدة بين الأمم هي عقيدة واحدة، والتوحيد هو القاسم المشترك بين دعوة الأنبياء كلهم، فنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- دعا في المسجد الحرام إلى التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء قبله في المسجد الأقصى وما حوله، ولهذا قرن الله بين المسجدين، وأسرى برسوله -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليؤكد على هذا الرابط ويقوي هذه العلاقة، فالملة ملة واحدة، والعقيدة عقيدة واحدة وإن اختلفت الأحكام والشرائع، (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) [المائدة : 48].
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلَّاتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ" [البخاري (3442) مسلم (2365) ]، والإخوة لعلات هم الأخوة الذين أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفة، والمعنى أن شرائعهم متفقة من حيث الأصول والعقائد وإن اختلفت من حيث الأمور الفقهية والفرعية، ولو تأملنا بداية سورة التين لظهر لنا هذا المعنى يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين: 1: 3]، فالتين فيه إشارة إلى نبي الله عيسى -عليه السلام- وأرض الشام، والطور فيه إشارة إلى نبي الله موسى -عليه السلام-، والبلد الأمين هو مكة المكرمة وهي إشارة واضحة إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ودينه دين الإسلام، فذكرت الآيات الديانات الثلاث كلها، وجاءت الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لتؤكد أن الدين واحد، ولا فرق بين العقائد السماوية المنزلة من عند الله، فكلها في النهاية شيء واحد.
ومن اللفتات العظيمة في ذكر الربط بين المسجدين التذكير باللفتة التاريخية والتوافق الزمني لتاريخ المسجدين، فإن المسجد الحرام هو الأخ الشقيق الأكبر للمسجد الأقصى، وبينهما مسافة زمنية قصيرة أخبر عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم فعن أَبَي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ المَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الفَضْلَ فِيهِ" [البخاري (3366) مسلم (520) ].
وقد كان المسجد الأقصى المبارك هو قبلة المسلمين الأولى، فقد صلى إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون نحو ستة عشر شهراً من تاريخ المسلمين، ومن هنا تتجلى حكمة ربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام في آية الإسراء، وأن ذلك يدل دلالة قاطعة على العلاقة التاريخية الوطيدة بين المسجدين، فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع في الأرض، والمسجد الأقصى يليه في الزمن مباشرة فهو ثاني مسجد وضع في الأرض.
وقد أدرك الصليبيون هذه العلاقة التاريخية بين المسجدين، ولذلك فإنهم حينما استولوا على المسجد الأقصى حاولوا الوصول إلى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، ولكن المقاومة الشديدة التي أبداها المماليك، وكذا العثمانيون، حالت دون إتمام لهذا المخطط الجهنمي.
وحينما استولى اليهود على فلسطين في عام 1967م وقف دافيد بن غوريون زعيم اليهود، بعد دخول الجيش اليهودي القدس، يستعرض جنوداً وشباباً من اليهود، بالقرب من المسجد الأقصى، وألقى فيهم خطاباً نارياً، اختتمه بقوله: "لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب" وقال: "إنّني أشمّ رائحة أجدادي في المدينة والحجاز، وهي بلادنا التي سوف نسترجعها".
إنّ هذا الربط بين المسجدين يشعر المسلمين بمسؤوليتهم نحو المسجد الأقصى ونحو تحريره، وهذا الرّبط يشعر بأنّ التهديد للمسجد الأقصى تهديد للمسجد الحرام، وأنّ النّيل من المسجد الأقصى توطئة للنيل من المسجد الحرام، لأنّ المسجد الأقصى بوّابة الطّريق إلى المسجد الحرام، وزوال المسجد الأقصى من أيدي المسلمين ووقوعه في أيدي اليهود هو في حدّ ذاته تهديد للمسجد الحرام وللبلاد الإسلامية بأسرها، فكلها مقدسات إسلامية واحدة.
وهذه العلاقة التاريخية بين المسجد ليست من زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هي علاقة قديمة جداً منذ نشأة الأرض، كما هو واضح في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، مروراً بعهد سيدنا إبراهيم -عليه السلام- الذي كانت علاقته بالمسجدين علاقة قوية ومتينة، وما هجرته من فلسطين إلى مكة إلا تأكيداً على هذه العلاقة التاريخية، حيث انطلق بولده إسماعيل من أرض الخليل -وهي من ضواحي بيت المقدس- إلى أرض مكّة المكرّمة، وأسكنه هناك وهو طفل صغير مع أمّه، حتّى إذا ما شبّ وكبر قام هو وولده برفع قواعد البيت العتيق في مكّة المكرّمة، وأقامه للناس ليكون لهم بيت عبادة ومركز هداية يقول الله -جل وعلا-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة 127: 129].
فكان إبراهيم -عليه السلام- بجوار بيت المقدس، وكان إسماعيل بجوار البيت العتيق، وكلاهما كان يقومان بنشر دين الله تعالى ويحرسان عقيدة التوحيد، وكان التواصل بين الابن وأبيه تجسيداً لهذه العلاقة بين المسجدين، وإذا كان إبراهيم -عليه السلام- قد قام برحلة التواصل ما بين بيت المقدس ومكّة المكرّمة، وعمل على تجديد بناء الكعبة وجعلها منطلقاً للموحدّين بالله، فإنّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- جدّد المكانة الرّفيعة لبيت المقدس وأقام دين التوحيد على أرضه بالوصول إليه والصلاة فيه، ومن ثمّ العروج منه إلى السموات العلا (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء : 1].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الطول الإنعام والفضلِ والإحسان، أنعم على رسوله برحلة الإسراء والمعراج، وجعلنا من أهل الإسلام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله وخليله ومصطفاه، هدانا الله به من الضلالة، وبصّرنا به من العمى، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقين، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها الناس: من حكم الربط بين المسجدين أيضاً التأكيد على عظمة المسجدين، وبيان أهميتهما، والتذكير بفضلهما، ولهذا قرنا معاً، فلا يذكر المسجد الحرام إلا ويذكر معه المسجد الأقصى لما بينهما من علاقة روحية مباشرة، وشاء الله أن يجعل أقصانا مسجدنا الأول وقبلتنا الأولى، وأن يجعل المسجد الحرام قبلتنا الثانية، (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة : 144].
هذه العلاقة الروحية بين المسجدين ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى" [البخاري (1189) مسلم (1397) ]، فلا يجوز السفر إلى بقعة في الدنيا كلها بقصد العبادة، إلا لهذه الأماكن الثلاثة، لأن الله اختارها وجعل الصلاة فيها أفضل من الصلاة في غيرها، وورد في حديث آخر إلا أن فيه ضعفاً عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى " [أحمد (7739) ].
ومن حكم الربط بين المسجدين في الإسراء والمعرج أن في ذلك إشارة إلى وراثة الإسلام لما سبقه من رسالات سماوية سابقة، وانتقال القيادة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام تعني انتقال القيادة الدينية للبشرية من بني إسرائيل الذين كانوا خير الأمم آنذاك إلى أمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي هي خير الأمم وأفضلها على الإطلاق، فكان من حكم الربط بين المسجدين إخبار اليهود بهذا الانتقال، وأنهم من تلك الليلة ليلة الإسراء والمعراج سيعزل اليهود عن منصب قيادة الأمة الإنسانية؛ لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجال لبقائهم على هذا المنصب، وإعلامهم أن الله سينقل هذا المنصب فعلاً إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويجمع له مركزي الدعوة الإبراهيمية كليهما.
فقد آن أوان انتقال القيادة الروحية من أمة إلى أمة، من أمة ملأت تاريخها بالغدر والخيانة والإثم والعدوان، إلى أمة تتدفق بالبر والخيرات، ولا يزال رسولها يتمتع بوحي القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، وقد ختمت الشرائع بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فصار لا يقبل من أي أحد شريعة إلا الشريعة التي جاء بها محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ما تم التأكيد عليه في الإسراء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
أيها الناس: إن الأقصى اليوم أسير بأيدي حثالة البشر، أبناء القردة والخنازير، من لعنهم الله وغضب عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، يئن ويشتكي من ظلم اليهود، وتعسفاتهم، وإجرامهم، وتدنيسهم له، وحفرياتهم المستمرة تحت جدرانه، ولابد للأمة من إحياء فريضة الجهاد والاستشهاد لاسترجاعه، والتهيؤ والإعداد والاستعداد للمعركة القادمة لتحريره بإذن الله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ " [ مسلم (2922) ].
أسأل الله أن يرزقني وإياكم صلاة في مسجده الحرام، وصلاة في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة في المسجد الأقصى؛ وأن يكرمنا بالمشاركة في معركة تحريره، ويرزقنا الشهادة على أعتابه، إنه ولي ذلك ومولاه والقادر عليه.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
التعليقات
زائر
01-03-2022السلام عليكم
أرجو التصحيح بشأن سنة ١٩٦٧ هل المتحدث هو بن غوريون؟ لأنه توفي قبل تلك السنة.
زائر
26-01-2024من قال العبارة هي جولد مائير