عناصر الخطبة
1/ثبوت الكونية والقواعد الإلهية وعدم تغيرها 2/بعض أشراط الساعة 3/أبرز سمات الواقع المرير الذي يعيشه العالم 4/استدراج الأمم المنحرفة عن منهج الله بالنعم 5/خطورة المعاصي والانحرافات والواجب نحوهااهداف الخطبة
اقتباس
إذا ذهبنا نبحث في هذه الأوصاف التي بينها سيدنا محمد نجدها تكاد تنطبق على زماننا، خاصة إذا ألقينا نظرة أوسع على العالم من حولنا، فإنك إذا خرجت بنظرك من نطاق الحرمين الشريفين وما حولهما، فإنك تجد العالم يعيش في واقع مرير مضطرب أبرز سماته: الجهل بأمر الله، والتمرد على منهج الله، والبعد عن دين الله، وفشو الفساد الخلقي، وكثرة الفتن والقتل و...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
ونحن مازلنا في بداية عام هجري جديد -نسأل الله -تعالى- أن يجعله عام يمن وبركة على المسلمين، وعام خذلان ودمار على أعداء الدين- علينا أن نتوقف وقفة، ونلقي نظرة على العام المنصرم من أجل العظة والاعتبار، والاستفادة من الدروس، نتزود من تجاربه لما بقي من أعمارنا، فالعاقل من وعظته الأيام، وعلمته الدهور والأعوام، واستفاد من أمسه ليومه، ومن يومه لغده.
اعلموا: أن لله -تعالى- سننًا في خلقه، لله -تعالى- في خلقه سنن كونية، وقواعد إلهية، لا تتبدل ولا تتحول.
علينا: أن نفهم تلك السنن، ونعرف تلك القواعد كي نفقه سر ما يجري في حياتنا من حوادث، وما يقع في حياتنا من وقائع.
ومن أهم ما يلفت النظر من وقائع وحوادث ما انصرم من الأيام: كثرة الفتن والحروب، وظهور الهرج الذي أنذر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته؛ كما جاء في الحديث الصحيح الذي [أخرجه البخاري في صحيحه، في الفتن، باب ظهور الفتن (6/2590) رقم (7063-7065)] أن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن بين يدي الساعة أيامًا يُرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج".
وفي رواية أخرجها البخاري في صحيحه، في الفتن، باب ظهور الفتن (6/2590) رقم (706) من حديث أبي هريرة]: "يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: ما الهرج يا رسول الله؟ قال: الهرج القتل".
وفي رواية: "إن من أشراط الساعة أن يقبض العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويُشرب الخمر، ويذهب الرجال ويبقى النساء"[أخرجه مسلم في صحيحه في العلم، باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (4/2056) رقم (2671)].
والعلم المراد به في هذه الأحاديث، هو: العلم الشرعي الذي هو معرفة الله -عز وجل-، ومعرفة ما أنزل على رسوله.
والجهل هو الجهل بذلك.
فإذا ذهبنا نبحث في هذه الأوصاف التي بينها سيدنا محمد نجدها تكاد تنطبق على زماننا، خاصة إذا ألقينا نظرة أوسع على العالم من حولنا، فإنك إذا خرجت بنظرك من نطاق الحرمين الشريفين وما حولهما، فإنك تجد العالم يعيش في واقع مرير مضطرب أبرز سماته: الجهل بأمر الله، والتمرد على منهج الله، والبعد عن دين الله، وفشو الفساد الخلقي، وكثرة الفتن والقتل والحروب الطاحنة.
هذه أبرز سمات الواقع المرير الذي يعيشه العالم من حولنا، ونحن جزء من هذا العالم.
فلا يتصور العاقل أنه سيبقى بمنأى ومنجى مما يدور حوله، فلا تصل إليه النيران، ولا تطرق أبوابه الفتن إلا إذا اتخذ من الأسباب ما يقيه شر تلك الفتن.
لقد اصطفى الله -تبارك وتعالى- واجتبى هذه الأمة أمة لا إله إلا الله التي سماها في كتابه: المسلمين.
وحملها الرسالة، فحملتها.
وأورثها هذا الكتاب القرآن الكريم فتلقته والتزمت ما فيه.
ومن سنة الله وقواعده الإلهية التي لا تتحول ولا تتبدل: أن عباده الذين تحملوا الرسالة، والتزموا بمنهج الله، إذا تخلوا عن رسالتهم، وانحرفوا عن منهج ربهم، واستسلموا لشهواتهم، وأعرضوا عن الآيات المنزلة، فإن الله -سبحانه وتعالى- ينبههم بالآيات الكونية ينبههم بالهزات المروعة، والحوادث المفجعة وبأيام الشدة والبأساء والضراء لعلهم يرجعون، ويخوفهم أحيانًا بالكسوف والخسوف لعلهم يخافون، فإذا ما تمادوا مع هذا في غيهم وغفلتهم وإعراضهم، فإن الله -سبحانه وتعالى- يغضب عليهم ويعاقبهم حينئذ -والعياذ بالله-.
وأول ما يكون العقاب: أن يبدأ العقاب بالاستدراج، هذا من سنة الله -تعالى-.
أول ما يكون العقاب بالاستدراج: فتفتح عليهم أبواب الرخاء، وتنهمر عليهم الدنيا بزينتها وزخرفها وبهارجها، وتتكاثر عليهم الأرزاق، وتزيد في أيديهم الأموال، حتى إذا ابتهجوا بهذا النعيم، وهذا الرخاء أخذوا بغتة -والعياذ بالله-.
قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الأنعام: 42 -44].
عن عقبة بن عامر الجهني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيت الله -تعالى-ذِكْرُه يعطي عباده ما يسألون على معاصيهم فإنه استدراج منه لهم" ثم تلا قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام: 44].
هذا يجب أن يخوفنا من أنفسنا علينا، وقد أحاطت الفتن بنا من كل جانب.
علينا ونحن نرى الفتن أحاطت بنا من كل جانب والأعداء قد تكالبوا علينا كما تتكالب الأكلة على قصعتها: علينا أن نخاف من أنفسنا أكثر ما نخاف من عدونا، وأن نحذر من بأس معاصينا وعاقبة معاصينا وانحرافنا عن أمر الله -تعالى-، أشد من حذرنا من بأس عدونا، فإننا نحن أمة الإسلام والإيمان دائمًا نُؤتى من قبل أنفسنا، ونؤتى من قبل معاصينا، ومن قبل انحرافنا عن أمر الله، ومنهج الله ودين الله.
فهذه الفتن الخارجية التي تهجم علينا بين الحين والحين لا تضرنا أبدًا إذا سلمنا من فتن القلوب، وفتن النفوس.
وإذا سلمنا من فساد الإيمان وخراب العقائد.
إذا بقي الإيمان سليمًا في القلوب، وبقيت العقيدة صحيحة في النفوس، فوالله لو اجتمعت الإنس والجن على حربنا ما يضرنا بأسهم شيئًا أبدًا.
اسمعوا إلى المولى -جل وعلا- يصف أهل الإيمان السليم والعقيدة الصحيحة، بماذا وصفهم؟
قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)[آل عمران: 173-174].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ومن يعص الله ورسوله، فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئًا.
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم -أيها المسلمون-: بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
ثم صلوا على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين، فقال جل من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
وقال: "من صلى علىّ واحدة؛ صلى الله عليه بها عشرًاْ"[أخرجه مسلم في صحيحه في الصلاة، باب الصلاة على النبي بعد التشهد (1/306) رقم (408)].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ، وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
التعليقات