عناصر الخطبة
1/ أهم الحقوق التي هي للموتى من المسلمين على الأحياء 2/ حكم قراءة القرآن على المقابر 3/ وجوب تغميض الميت وغسله وتكفينه 4/ وجوب الكفّ عن أعراض الأموات.اهداف الخطبة
اقتباس
حقوق للموتى على الأحياء ينبغي للمسلمين أن يعرفوها، ويعملوا بما فيها؛ لنقف أحبتي في دقائق موجزة يسيرة مع أهم الحقوق التي هي للموتى من المسلمين على الأحياء من المسلمين. من هذه الحقوق أن تقرأ على الميت سورة يس، جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اقرؤوا على موتاكم يس"، وليس المعنى كما قال العلماء، وكما يظنّه بعض الناس خطأ أن القراءة المقصودة أن تقرأ على قبورهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن الموت أيها المسلمون سنة كونية من الله تبارك وتعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) [الزمر:30]، (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء:34]،
حقوق للموتى على الأحياء ينبغي للمسلمين أن يعرفوها، ويعملوا بما فيها؛ لنقف أحبتي في دقائق موجزة يسيرة مع أهم الحقوق التي هي للموتى من المسلمين على الأحياء من المسلمين.
من هذه الحقوق أن تقرأ على الميت سورة يس، جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اقرؤوا على موتاكم يس"، وليس المعنى كما قال العلماء، وكما يظنّه بعض الناس خطأ أن القراءة المقصودة أن تقرأ على قبورهم؛ فإن الميت إذا مات فقد انقطع عمله ولا ينتفع، بل قال أهل العلم: إن هذا من البدع القراءة على القبور من البدع، وربما يتأذى الميت بهذه القراءة؛ إذ إنه يسمع هذه الآيات وهو في حياة البرزخ والتي كان يخالفها أو لم يعمل بمقتضاها فيزداد ألمًا على ألم.
فليس هناك أي فائدة في قراءة القرآن على المقابر إنما المقصود من هذا الحديث العظيم "اقرؤوا على موتاكم يس"، أي: من حضره الموت ونزل به الموت؛ لأنه ينتفع بهذه القراءة؛ لأن سورة يس فيها من المبشرات (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) [يس: 55- 58]، إلى آخر الآيات التي تبشر المسلم بلقاء الله تعالى.
فيحب المسلم وهو يستدبر هذه الحياة ويستقبل لقاء الله يحب لقاء الله، هذا هو المقصود وغير ذلك من حقوق الموتى على الأحياء أن نلقّنهم شهادة التوحيد، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح قال: "لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله"، فمن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة، نسأل الله أن يختم لنا بهذه الكلمة الطيبة وأن يحينا عليها وأن يميتنا عليها وأن يبعثنا تحت لواءها إنه جواد كريم وهو حسبنا ونعم الوكيل.
من حقوق الموتى على الأحياء -أيها المسلمون- أنه إذا خرجت هذه الروح فإن من السنة أن تغمض عينيه كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبيَّن أن البصر يتبع الروح إذا خرجت.
كما أن من حقوق الميت على الأحياء أن تجرّد من ثيابه كما كان المسلمون يجردون موتاهم، ولم يجرد النبي -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه فهذه من خصوصياته -صلوات ربي وسلامه عليه- لكنهم كانوا يجردون بقية موتاهم فيجرد.
ومن حقه علينا أن نستر عورته، وألا نكشف عورته، وألا ننظر إليها؛ فإن هذا من حق الميت على الحي، ثم يحسن في تغسيله وفي تطيبيه كما جاءت بذلك السنة عن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ثم يكفن في ثلاثة أثواب، ومن السنة أن تكون بيضًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد كُفِّن في ثلاثة أثواب بيض، كما قالت عائشة -رضي الله عنها وأرضاه-.
ثم كذلك من حقوق الميت على الأحياء أيها المسلمون بعد أن يكفن وأن يطيّب وأن يُغسل كما جاءت به السنة أن يُحمل على الأكتاف؛ على أكتاف الرجال، وأن يسرع بجنازته، جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسرعوا بالجنازة؛ فإن تكن صالحة فخيرًا تقدمونه إليه، وإن تكن سواء ذلك فشرًّا تضعونه عن رقابكم".
ومن حقوق الميت على الأحياء: أنه يصلون عليه صلاة الجنازة كما ورد عن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- بالصفة المعروفة، ومن السنة أن يتداعى الناس للصلاة عليه، فكلما كثر المصلون لاسيما من أهل الصلاح والخير رُجي له أن يشفعوا فيه.
جاء في صحيح الإمام مسلم أنه "ما من مسلم يموت فيصلّي عليه أربعون رجلاً لا يشركون بالله إلا شفعهم الله فيهم".
وهذا من البر بموتانا -أيها المسلمون- أن ندعو الناس لاسيما من أهل الصلاح والخير أن يشهدوا جنازته، وأن يصلوا عليه، كذلك من حقوق الميت على الأحياء أن يدفنوه في قبره، وأن يلحدوا له لحدًا؛ كما فُعل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.
ثم بعد ذلك أن يهيلوا عليه التراب، وأن يقفوا على قبره هنيهة فترة من الزمن؛ يدعون الله له، ويسألون الله له التثبيت؛ كما أمر بذلك الحبيب -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإنه الآن يُسأل".
ومن حق الميت على الأحياء أحبتي في الله أن يسارعوا في قضاء دينه وإمضاء وصيته؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: "كل نفس معلَّقة بدينها حتى يُقضَى عنها"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وكذلك الوصية يجب أن تُمضَى وصيته ما لم يكن في ذلك معصية لله -تبارك وتعالى-.
ومن حق الميت على الأحياء -أيها المسلمون- ألا يلطموا وجهًا ولا يخدشوا صدرًا ولا ينفشوا شعرًا ولا يرفعوا صوتًا، ولا ينوحون نياحة الجاهلية؛ فكل ذلك من الأمور المخالفة بل قال عليه الصلاة والسلام: "كل ميت يُعذَّب بما نيح عليه"، قال أهل العلم: "إن كان ذلك من عادته أو كان بوصيته، أما إن فعل أهله دون إرادته ودون وصيته فإنه لا يُعذب بذلك، ولكنه على كل حال فإن هذا من كبائر الذنوب ومن أعمال الجاهلية التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عبده ورسوله الذي اصطفى، ثم أما بعد:
من حق الميت على الأحياء أيها المسلمون، وهذا حق عظيم أخَّرته لأهميته، وقد تساهل بعض الناس -ولا حول ولا قوة إلا بالله- بهذا الحق العظيم، ألا وهو عدم التعرض له وعدم الطعن فيه، وعدم سبّه وشتمه، وعدم كشف عواره ما لم يكن في ذلك مصلحة كتحرير للمسلمين مما خلَّفه من إرث ككتب وغيرها.
عدا ذلك؛ فإن للموتى حرمة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح الإمام البخاري من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- قال عليه الصلاة والسلام: "لا تسبُّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا".
وما يدرينا لعلهم قد حطُّوا رحالهم في جنات النعيم، قد انتقلوا إلى جوار الغفور الرحيم -سبحانه وتعالى-، وأي مصلحة في سبّهم، وأيّ مصلحة في بيان مساوئهم، إلا اللهم إن كان ممن ورث إرث يظل به عباد الله -تبارك وتعالى- كحال أهل البدع والشرور الذين يصنفون المصنفات أو الذين يخلفون الأمور القبيحة التي تضر بعباد الله -تبارك وتعالى- هنا للمصلحة الراجحة، يحذر من هذا الإرث الذي تركه ويحذر من شخصه، وإن كان قد توفاه الله -تبارك وتعالى-.
وفي جامع الترمذي برواية أخرى قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تسبُّوا الأموات فتؤذوا الأحياء"، إنَّ هذا ما يؤذي الأحياء من قرابتهم فلا ننسى هذا الحديث العظيم: "لا تسبُّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"، انتقلوا إلى جوار ربهم وربهم هو الذي يحاسبهم ويحاسبنا هو رب العالمين -سبحانه وتعالى-.
اللهم اغفر لنا وارحمنا ..
التعليقات