عناصر الخطبة
1/الإسلام دين المحاسن والفضائل 2/تأكيد الإسلام على حقوق كبار السن 3/وجوب توقير كبار السن واحترامهم 4/من حقوق الكبار علينا.

اقتباس

ومن المهم جدًّا ألَّا تشتغل بين يديهم بجوالك وتنشغل عنهم، ومن المؤسف أن بعض الناس يزور والديه أو أقاربه من كبار السن أو غيرهم, ثم بعد السلام يخرج جواله ويصير يتنقل بين البرامج واحدًا بعد الآخر، ويتركهم ينظرون إليه بحسرةٍ وأسفٍ. وهذا أمر سيئ,...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الْحَمْد لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن ديننا الإسلام دين المحاسن والفضائل والمكارم, فقد أعطى كل ذي حق حقه، فأعظم الحقوق حق الله -عز وجل-؛ بتوحيده، وإخلاص العمل له، وقبول شرعه والرضا بقدَره, ثم حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقبول رسالته, والتشرف باتّباع هديه وتعلم سُنّته ونَشْر هديه, ثم كفل شرعنا المطهر وديننا العظيم حقوق الخلق، كل بحسبه.

 

أيها المسلمون: وإن من الحقوق التي كفلها الإسلام، وأكّد عليها، ورتّب عليها الفضل والأجر: حقّ كبار السن من الوالدين والأقارب من الأرحام والجيران, بل ولو كان من أقصى المسلمين.

 

قال الله -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23-24].

 

فأوجب حق الوالدين؛ ثم أوصى ربنا -عز وجل- بهم وصيةً خاصةً حين يكبران, وذلك أن تقدم السن موجب للضعف والحاجة من ذلك الأب أو تلك الأم, فما أجمل بر الوالدين! وما أعظم الإحسان لهما حال الكبر والضعف!

 

وهكذا جاء ديننا بحفظ حق كبير السن باحترامه وإجلاله بالقول والفعل, فحين يكبر يعطى اسم العم, ليشَعُر بالتوقير والاحترام, وحين يقدم في الدخول, وحين يكون هناك خطاب يقدم في الكلام. عن أَبي أُمامة -رضي الله عنه- أنه قال: أتينا أَنس بن مالك -رضي الله عنه-، فوجدناهُ يُصَلّي العصرَ، فقلتُ: يا عمِّ! ما هذه الصلاةُ التي صلَّيتَ؟ (رواه البخاري).

 

وفي الصحيحين في قصةٍ قال فيها سهل بن أبي حثمة: "فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ, فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لَيَتَكَلَّمَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَبِّرْ كَبِّرْ"؛ يُرِيدُ: السِّنَّ, فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ, ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ. فقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبير في الكلام احترامًا له.

 

أيها المسلمون: ولقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على حقوق الكبار -وهذا شامل للرجال والنساء-؛ فعن عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ -رضي الله عنهم- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُم"(رواه ابن حبان في صحيحه), وَعَنِ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ الله إكْرامَ ذِي الشَّيبةِ المسلمِ, وَحَامِلُ الْقُرْآنِ غَيْرَ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ, وَإِكْرَامُ السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وحسنه الألباني). فهذه بعض نصوص شرعنا الدالة على توقير الكبار واحترامهم.

 

أيها المسلمون: من حقوق الكبار علينا رجالاً ونساء: بدؤهم بالسلام, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ...".

 

ومن حقوقهم ألَّا نتكلم بحضرتهم في الكلام العام إلا بإذنهم وإشارتهم, فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟" قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ"(متفق عليه), فانظر أدب ابن عمر -رضي الله عنهما- لم يتكلم بحضرة الأكابر.

 

ومن حقوقهم: الإتيان إليهم في بيوتهم وزياتهم, عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَلَا تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيَهُ فِيهِ؟"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يَمْشِي إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ أَنْتَ إِلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرِهِ، وَقَالَ لَهُ "أَسْلِمْ" فَأَسْلَمَ.(رواه أحمد).

 

ومن حقوقهم: إكرامهم في المجالس، والجلوس أمامهم بأدب، وألَّا تمد رجليك أمامهم، وتُعاملهم بلطفٍ وشفقة وحنو ورفقٍ ورحمة، ومن المهم جدًّا ألَّا تشتغل بين يديهم بجوالك وتنشغل عنهم، ومن المؤسف أن بعض الناس يزور والديه أو أقاربه من كبار السن أو غيرهم, ثم بعد السلام يخرج جواله ويصير يتنقل بين البرامج واحدًا بعد الآخر، ويتركهم ينظرون إليه  بحسرةٍ وأسفٍ. وهذا أمر سيئ, والحمد لله على كل حال.

 

ومن حقوقهم: مراعاتهم في الصلاة من أصحاب الفضيلة أئمة المساجد, فلا يطيل بما يخالف السُّنة ويشق عليهم, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ, فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ, فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

              

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ لكباركم حقوقهم, ولا سيما عند الهرم, فإنهم في أعظم الحاجة للرعاية, وما أحوجنا إلى التربية الناجحة والآداب الإسلامية النافعة! أن يكون الصغار يعرفون قدر الكبار، ويُجلّون الكبار، ويبدؤونهم سلامًا، ويستشيرونهم رأيًا، ويصغون إليهم حديثًا، ويُرونهم إجلالًا واحترامًا.

 

فيُرَبَّى الأَبْنَاءُ عَلَى احْتِرَامِ الكَبِيرِ وَالمُسِنِّ، وَمُرَاعَاةِ حَقِّ السِّنِّ، سَوَاءٌ فِي الطَّرِيقِ أَوِ المَجَالِسِ وَنَحْوِهَا؛ وَتَقْدِيمِهِمْ وَالوُقُوفِ مَعَهُمْ وَتَسْهِيلِ أُمُورِهِمْ فِي الدَّوَائِرِ الحُكُومِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا.

 

أيها المسلمون: ومما يُؤسَف له أنه وُجِدَ بعض الأولاد الذين يتهرّبون من القيام بحقوق آبائهم وأمهاتهم عند الشيخوخة, وربما آل بهم الأمر إلى تركهم في دور رعاية المسنين وينسونهم حتى من الزيارة, ولا شك أن هذا من التقصير الواضح بل قد يكون من العقوق إذا كان بإمكان الأولاد رعاية والديهم ثم يتركونهم, ومثل هؤلاء حَرِيُّون بالعقوبة بالمثل، فتدور الأيام والليالي ثم يتركهم أولادهم كما تركوا هم والديهم، فكما تدين تدان.

 

اللهم ارزقنا بر والدينا أحياءً وأمواتًا، وأعنا على احترام كبارنا ورحمة صغارنا.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي الدِّنْيَا وَالآخِرَةِ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِنِا وِدُنْيَانَا وَأَهَالِينَا وَأَمْوَالِنَا.

 

اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَينِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنَا وَمِنْ فَوْقِنَا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا.

 

اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاء, اللَّهُمَّ إنا نَعَوذُ بك مِنْ زَوالِ نِعمتِك وتَحوُّلِ عَافِيتِك وفُجْأَةِ نِقمَتِك وجَميعِ سَخطِكِ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتّقَاكَ.

 

اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْبًا عَلَى أَعْدَائِكَ.

 

اللَّهُمَّ ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

 

 

المرفقات
OQ34H1jXuLpDgIF6KiWMER2V6hPrUtX8361bt1AY.doc
ruLxlSOX37RRtbC5MfBpbe61F9lMOEXZtWdsf0bB.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life