عناصر الخطبة
1/عِظَم حقوق الجار 2/وجوب الإحسان إلى الجار 3/من صور أذى الجار 4/من وجوه الإحسان إلى الجار وحمايته.اقتباس
مِنْ وُجُوهِ الإِحْسَانِ إِلَى الجَارِ: تَهْنِئَتُهُ عِنْدَ فَرَحِهِ، وَتَعْزِيَتُهُ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، وَعِيَادَتُهُ عِنْدَ مَرَضِهِ، وَبَدَاءَتُهُ بِالسَّلَامِ، وَالبَشَاشَةُ فِي وَجْهِهِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِ، وَإِرْشَادُهُ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَالإِهْدَاءُ إِلَيهِ، وَإِعَارَتُهُ، وَسَدُّ فَقْرِهِ...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَعَلَّمَنَا القُرْآنَ خَيْرَ الكَلَامِ، وَجَعَلَهُ نُوراً لِلْعُقُولِ، وَحَيَاةً لِلْقُلُوبِ، وَشِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ، أَحْمَدُهُ عَلَى جَزِيلِ إِنْعَامِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى جَلِيلِ إِحْسَانِهِ.
وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَرَبٌّ شَاهِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَبِيٌّ خَاتَمٌ، وَنُورٌ هَادٍ، وَنَحْنُ لَهُ مُتَّبِعُونَ، هَدَى اللهُ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَعَلَّمَ بِهِ مِنَ الجَهَالَةِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيْرًا.
أَمَّا بَعْدُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: رَابِطَةٌ عَظِيْمَةٌ، وَقَرَابَةٌ ضَمِيْمَةٌ، لَيْسَتْ قَرَابَةً فِي النَسَبِ، لَكِنَّهَا تُقَارِبُهَا، تَفَاخَرَتْ بِهَا الجَاهِلِيَّةُ وَتَوَاصَتْ، وَأَوْصَتْ بِهَا الشَرِيْعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ وَأَكَّدَت، فَحِفْظُهَا مَنْقَبَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً دِيْنِيَّةً، إِنَّهَا رَابِطَةُ الجِوَارِ.
حَقُّ الجِوَارِ مِنَ الحُقُوقِ العَشَرَةِ التِي أَمَرَ اللهُ بِالإِحْسَانِ فِيهَا، فَقَالَ -تَعَالَى-: (وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)[النساء: 36].
وَكَانَ جِبْرِيْلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُكْثِرُ أَنْ يُوصِيَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَقِّ الجِوَارِ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ".
كَانَتِ العَرَبُ فِي الجَاهِلِيَّةِ يَفْتَخِرُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ إِلَى جَارِهِ، خُصُوصاً إِذَا كَانَ الجَارُ ضَعِيفًا، فَيَصِيرَ بِهَذِهِ الرَّابِطَةِ قَوياً بَعْدَ الضَّعْفِ، وَعَزِيزًا بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَغَنِيًّا بَعْدَ القِلَّةِ، قَالَ شَاعِرُهُم:
تُعَيِّرنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا *** فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ
وَمَا ضَرَّنَا أَنَّا قَلِيلٌ وَجَارُنَا *** عَزِيزٌ وَجَارُ الأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ
الجَارُ الصَّالِحُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ السَعَادَةِ، رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ نَافِعِ بنِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ: المَسْكَنُ الوَاسِعُ، وَالجَارُ الصَّالِحُ، وَالمَرْكَبُ الهَنِيءُ".
وَلِذَلِكَ قَالَتِ العَرَبُ: "الجَارُ قَبْلَ الدَّارِ".
يَقُولُونَ قَبْلَ الدَّارِ جَارٌ مُوَافِقٌ *** وَقَبْلَ الطَّرِيقِ النَّهْجِ أُنْسُ رَفِيقِ
وَقَالَ الآخَرُ:
اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ جِيرَاناً تُوَافِقُهُمْ *** لَا تَصْلُحُ الدَّارُ حَتَّى يَصْلُحَ الجَارُ
وَلِذَلِكَ اِخْتَارَتْ زَوْجَةُ فِرْعَونَ المُؤْمِنَةُ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- الجَارَ قَبْلَ الدَّارِ، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)[التحريم:11].
تَحَمَّلَ رَجُلٌ دَيْنًا بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقُيِّمَ دَارَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَطَلبُوا مِنْهُ بَيْعَهَا، فَقَالَ: وَبِكَمْ تَشْتَرُونَ جِوَارَ فُلَانٍ؟ فَقَالُوا: وَهَلْ يُشْتَرَى جِوَارٌ قَطُّ؟ قَالَ رُدُّوا عَلَيَّ دَارِي، لَا أَدَعُ جِوَارَ رَجُلٍ إِنْ قَعَدْتُ سَأَلَ عَنِّي، وَإِنْ رَآنِي رَحَّبَ بِي، وَإِنْ غِبْتُ حَفِظَنِي، وَإِنْ شَهَدْتُ قَرَّبَنِي، وَإِنْ سَأَلْتُهُ قَضَى حَاجَتِي، وَإِنْ لَمْ أَسْأَلْهُ بَدَأَنِي، وَإِنْ نَابَتْنِي نَائِبَةٌ فَرَّجَ عَنِّي. فَبَلَغَ ذَلِكَ جَارَهُ فَبَعَثَ إِلَيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَم.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: لِكُلِّ جَارٍ حَقٌّ.. فَالحَقُّ مُرْتَبِطٌ بِهِ لِكَوْنِهِ جَارًا، بِغَضِّ النَظَرِ عَنْ كَوْنِهِ صَالحِاً أَمْ طَالِحًا، مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا، صَدِيْقًا أَمْ عَدُوًا، وَمِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِهِ: كَفُّ الأَذَى عَنْهُ، وَكَفُّ الأَذَى عَنِ الجَارِ عَلَامَةُ إِيْمَانٍ، رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ".
وَصُوَرُ أَذِيَّةِ الجَارِ كَثِيْرَةٌ، فَمِنْهَ أَذِيَّتُهُ بِاللِّسَانِ، بَالهَمْزِ وَاللَّمْزِ، أَوِ الغِيْبَةِ وَالتَحْقِيرِ، أَوِ السَبِّ وَالشَّتْمِ وَغَيْرِهَا، أَوْ أَذِيَتُهُ بِوَضْعِ الأَذَى عِنْدَ بَابِهِ، أَوْ إِغْلَاقِ طَرِيقِهِ وَمَوْقِفِهِ، أَوْ مُضَايَقَتِهِ فِي أَهْلِهِ، أَوْ كَشْفُ أَسْرَارِهِ، وَالبَحْثِ عَنْ عُيُوبِهِ، بَلْ إِنَّ هَذِهِ الأَذِيَّةَ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِدُخُولِ النَّارِ -عِيَاذًا بِاللهِ-، رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصِيَامِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: "هِيَ فِي النَّارِ".
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"، وَالبَوَائِقُ: الشُّرُورُ.
قَالَ حَسَّانٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:
فَمَا أَحَدٌ مِنّا بِمُهدٍ لِجارِهِ *** أَذَاةً وَلَا مُزرٍ بِهِ وَهُوَ عَامِدُ
لِأَنّا نَرَى حَقَّ الجِوارِ أَمَانَةً *** وَيَحفَظُهُ مِنّا الكَريمُ المُعَاهِدُ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: وَمِنْ حُقُوقِ الجَارِ عَلَى جَارِهِ: حِمَايَتُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ يَعْرِضُ لَهُ، وَالدِّفَاعُ عَنْهُ، وَحِفْظُهُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ حَالَ غَيْبَتِهِ، وَالتَّضْحِيَّةُ مِنْ أَجْلِهِ، فِي حُدُودِ المَقْدُورِ عَلَيهِ، وَهَذَا الحَقُّ -وَإِنْ كَانَ مِنْ حَقِّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ-؛ فَالجَارُ مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ بِهِ، كَمَا رَوَى البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ".
وَإِنِّي لَأْحمِي الجَارَ مِنْ كُلِّ ذِلَّةٍ *** وَأَفْرَحُ بِالضَّيْفِ المُقِيمِ وَأَبْهَجُ
وَمِنْ عَجِيبِ مَا يُرْوَى فِي حِمَايَةِ الجَارِ أَنَّ أَحَدَ العَرَبِ نَزَلَ جَرَادٌ حَوْلَ خَيْمَتِهِ، فَمَنَعَ أَحَدًا أَنْ يَصِيدَهُ، حَتَّى طَارَ وَبَعُدَ عَنْهُ.
كَانَ لِأَبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- جَارٌ بِالكُوفَةِ، يُؤْذِيهِ بِصَوْتِهِ لَيْلاً، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ مُنْشِدًا وَهُوَ فِي حَالَةِ سُكْرٍ:
أَضَاعُونِي وَأَيَّ فَتَىً أَضَاعُوا *** لِيَومِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ
فَاتَّفَقَ ذَاتَ لَيْلَةٍ أَنْ أَخَذَهُ الحَرَسُ وَحَبَسُوهُ، فَفَقَدَ أَبُو حَنِيفَةَ صَوْتَهُ تِلْكَ اللَّيلَة، فَسَأَلَ عَنْهُ فِي الغَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِحَبْسِهِ، فَرَكِبَ إِلَى أَمِيرِ البَلَدِ، وَطَلَبَ مِنْهُ إِطْلَاقَ الجَارِ فَأَطْلَقَهُ فِي الحَالِ، فَلَمَّا خَرَجَ الفَتَى دَعَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ لَهُ: "هَلْ أَضَعْنَاكَ يَا فَتَى؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَحْسَنْتَ أَحْسَنَ اللهُ جَزَاءَكَ، وَلَنْ أَعُودَ إِلَى مَا كُنْتُ أَفْعَلُ".
وَمِنْ حُقُوقِ الجَارِ الإِحْسَانُ إِلَيْهِ بِجَمِيعِ وُجُوهِ الإِحْسَانِ القَوْلِيَةِ وَالفِعْلِيَّةِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الأَذَى؛ وَإِنَّمَا يُضَافُ إِلَيهِ الإِحْسَاُن وَإِيصَالُ المَعْرُوفِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيْحِهِ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ".
قَالَ حَاتِمُ الطَّائِيُّ لِزَوْجَتِهِ:
إِذَا كَانَ لِي شَيئانِ يَا أُمَّ مَالِكٍ *** فَإِنَّ لِجَارِي مِنْهُمَا مَا تَخَيَّرَا
وَفِي وَاحِدٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَيرُ وَاحِدٍ *** أَرَاهُ لَهُ أَهْلاً إِذَا كَانَ مُقْتِرَا
مِنْ وُجُوهِ الإِحْسَانِ إِلَى الجَارِ: تَهْنِئَتُهُ عِنْدَ فَرَحِهِ، وَتَعْزِيَتُهُ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، وَعِيَادَتُهُ عِنْدَ مَرَضِهِ، وَبَدَاءَتُهُ بِالسَّلَامِ، وَالبَشَاشَةُ فِي وَجْهِهِ، وَالإِحْسَانُ إِلَى أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَتَفَقُّدُ أَحْوَالِهِ، وَإِرْشَادُهُ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَالإِهْدَاءُ إِلَيهِ، وَإِعَارَتُهُ، وَسَدُّ فَقْرِهِ، وَتَفَقُّدُ مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ؛ رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يا أبا ذَرٍّ إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ".
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَبَعْدُ فَهَذَا نَزْرٌ يَسِيْرٌ مِنْ حَقِّ الجَارِ، وَلَا تَكْفِي بَيَانَ حُقُوقِهِ هَذِهِ العُجَالَةُ، لَكِنْ يَكْفِي مِنَ القِلَادَةِ مَا أَحَاطَ بِالعُنُقِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، وَأَعِنَّا عَلَى أَنْفُسِنَا وَالشَيْطَانِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات