حقائق وثوابت

ناصر بن محمد الأحمد

2013-05-15 - 1434/07/05
التصنيفات: الإيمان
عناصر الخطبة
1/ التشريع حق الله تعالى 2/ الثوابت والمتغيرات في قضايا الدين 3/ أهم أصول الدين المتفق عليها 4/ وجوب الثبات في زمن التحولات.
اهداف الخطبة

اقتباس

يجب علينا نحن المسلمون ألا تتزعزع قناعاتنا وإيماننا بديننا، وما اشتمل عليه من أصول في أي وقت، وتحت أي ظرف، مهما قيل عنّا، واتهمنا بأمور وتهم هي أصلاً معلبة وجاهزة منذ... إن علينا أن ندرك حقيقة مهمة، وهي أن المنافقين قد يصلّون ويصومون ويحجون، وقد يبنون المساجد، وقد يتحدثون باسم الإسلام، ولكنهم مع كل هذا هم

 

 

 

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد: أيها المسلمون: إن الله - عز وجل - خلق المخلوقات وقدر السنن وشرع لنا الدين، وأرسل لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة؛ فما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه. ومن هذه الأمور التي أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، حقائق وثوابت، ومسلمات وأصول أصبحت مع كل أسف مثار نزاع، وشك وجدل من قبل الكثيرين، خصوصًا في هذه الأوقات التي كثرت فيه الكتابات، وأثيرت الشُّبَه فتشربها فئام من الناس ممن يفترض فيهم أنهم لا يجهلون مثل هذه الحقائق.

 

أيها المسلمون: يجب علينا نحن المسلمون ألا تتزعزع قناعاتنا وإيماننا بديننا، وما اشتمل عليه من أصول في أي وقت، وتحت أي ظرف، مهما قيل عنّا، واتهمنا بأمور وتهم هي أصلاً معلبة وجاهزة منذ زمن بعيد.

 

الأصل الأول: أن الدين عند الله الإسلام: فمن لم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ومات على ذلك فهو كافر خالد مخلد في النار. وهذه مسألة لا تقبل النقاش أو المجاملة، بل هو أصل ثابت في دين الإسلام (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [سورة النساء(48)] (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [سورة المائدة(72)]. فجميع اليهود والنصارى ممن عرفوا الإسلام ولم يؤمنوا، وماتوا على دياناتهم الباطلة فهم حطب جهنم.

 

الأصل الثاني: أن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لله وموافقًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالشرك يحبط الأعمال كلها، فلو صرف العبد شيئًا من العبادة لغير الله لم يقبل منه أي عمل، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) [سورة الزمر (65-66)]. وكل قُربة يتقرب بها العبد إلى الله ليست على هدى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم تكن من السنة فإنها غير مقبولة، وهي مردودة على صاحبها، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [سورة الكهف(110)] وقال النبي صل الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

 

الأصل الثالث: إن الله حرم الظلم بين عباده، وقد حرمه على نفسه - سبحانه وتعالى - كما جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»، وأشد أنواع الظلم الشرك بالله. (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [سورة لقمان (13)]، ومن الظلم أكل الأموال بغير وجه حق، وانتهاك الأعراض، وقتل النفس التي حرم الله بغير ذنب «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا».

 

واعلم أخي المسلم أن أحدًا لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًا ولا نفعًا إلا أن يشاء الله - عز وجل - كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث ابن عباس - رضي الله عنه -ما حيث قال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».

 

الأصل الرابع: إن المعاصي سبب لكل مصيبة وبلاء وشر يحصل في المجتمعات، نعم أيها الإخوة، لا يحصل بلاءً وفتنة إلا بسبب المعاصي. قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [سورة الشورى (30)] ويقول عز من قائل: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [سورة الروم (41)]. فلننتبه أيها المسلمون لهذا الأمر، ولنتجنب المعاصي التي هي شؤم على العباد والبلاد وسبب لكل بلاء ومصيبة.

 

الأصل الخامس: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: فإذا كان الناس مستقيمين على أمر الله، فإن الله يُنعم عليهم بالأمن، وسعة الرزق والراحة النفسية والطمأنينة وغيرها من النعم العظيمة، فإذا ما غيروا بأن انحرفوا عن الطريق المستقيم، وعملوا المعاصي، فإن الله يغير عليهم، فيبدلهم من بعد سعة الرزق ضيقًا، ومن بعد الأمن خوفًا (جَزَاء وِفَاقًا) [سورة النبأ (26)] (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [سورة فصلت (46)]. قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [سورة الرعد (11)]. ويقول - سبحانه وتعالى -: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة الأنفال (53)].

 

فهل ندرك هذه الحقيقة يا إخوة الإسلام؟ وهل يدفعنا إدراكنا لها إلى فعل الطاعات واجتناب المعاصي؟ هذا ما نرجوه، ونسأل الله أن يوفقنا له، فإن المعرفة والإدراك وحدها لا تكفي بل لابد من العمل. لنغير من السيئ إلى الأحسن عسى الله أن يتداركنا برحمته، فنغير ما نحن فيه من فتن وبلاء إلى الخير والأمن والاطمئنان. روى الإمام أحمد - رحمه الله - في مسنده عن جبير بن نفير - رحمه الله - قال: لما فتحت قبرص فُرّق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسًا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: "ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى".

 

نسأل الله أن يوفقنا لشكره، كما نسأله سبحانه أن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وآخرتنا التي إليها معادنا، وأن يجعل الحياة زيادة في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا رب العالمين..

 

الأصل السادس: أن اليهود والنصارى أعداء لنا، وهذه العداوة لا تنفك عنهم أبدًا حتى لو كانت هناك هدنة أو صلح مؤقت، ولا يرضيهم عنّا إلا أن نتبعهم في ملتهم لزعمهم أنهم على الحق وأننا على الباطل، قال الله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة البقرة (111 - 112)]. وقال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [سورة البقرة (120)]. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [سورة المائدة (51)]. وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [سورة البقرة (109)]. والآيات في هذا الباب كثيرة جدًا، وفيما ذكرناه من كلام الله تعالى كفاية، والتاريخ خير شاهد بعد كلام الله وكلام رسوله على هذه الحقيقة. وصدق الله العظيم في قوله، وكذب كل من قال خلاف كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

الأصل السابع: أن المنافقين أعداء للإسلام والمسلمين، وإن رفعوا راية الإسلام، وتحدثوا عنه في فترة من الفترات وظرف من الظروف بهدف استقطاب الرأي العام، وجذب مشاعر المسلمين. نعم أيها الإخوة هم أعداء للمسلمين، بل إنهم أخطر أعداء الإسلام، حيث يخفي أمرهم على الكثيرين من الطيبين والبسطاء من الناس، فكم من الناس من المسلمين من يتظاهر بالإسلام، ويحاجج بالقرآن ويدعي أنه على منهج السلف الصالح، ولكنه يبطن غير ذلك، فإذا سمعه الناس وهو يتحدث عن الإسلام ويدافع عنه اغتروا به، مصيبة والله أن يبلغ الجهل إلى هذا الحد. مصيبة أن يخفى أمر أكابر المنافقين ويغتر الناس بهم.

 

إن علينا أن ندرك حقيقة مهمة، وهي أن المنافقين قد يصلّون ويصومون ويحجون، وقد يبنون المساجد، وقد يتحدثون باسم الإسلام، ولكنهم مع كل هذا هم منافقون. (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا) [سورة البقرة (10)]. وعبد الله بن أبي بن سلول كبير المنافقين كان يتحدث بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويدعو قومه لنصرة الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوقوف معه، والمنافقون قد بنوا مسجدًا هو مسجد الضرار، والمنافقون كانوا يقاتلون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد جاهد بعضهم معه، والمنافقون كانوا يفعلون كثيرًا من أمور الخير الظاهرة، ولكنهم في الباطن يكيدون للإسلام والمسلمين، ويفرحون بما يؤذي المسلمين، ويفرحون بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويحيكون ضده المؤامرات للقضاء عليه فهم في الدرك الأسفل من النار.

 

الأصل الثامن: أن الله - عز وجل - إنما أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين ليظهره على الدين كله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [سورة التوبة (33)] فأول ما يجب عليك أن تعلمه ويتيقن قلبك له وبه، أن هذا الدين سيظهره الله على كل دين، وأنه أرسل رسوله بهذا الهدى، وبهذا الحق ليبلغ ما بلغ الليل والنهار، كما في صحيح مسلم من حديث ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله قد زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغها» وفي حديث آخر يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار» وهل هناك قطعة من الأرض لا يبلغها ليل أو نهار؟ فهذا أمر وأصل ينبغي ألا يغيب عنك أيها العبد المؤمن، أن الله ما أنزل هذا الدين ولا أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا ليظهره على الدين كله، وأنه بالغ ما بلغ الليل والنهار، فكن ممن يسهم في هذا الأمر وفي هذا النصر الذي لا يخلفه ربنا - جل وعلا -.

 

الأصل التاسع: أنه لا تزال طائفة من الأمة على الحق منصورة، مهما كثرت الفتن ومهما كثرت المعسكرات، من معسكرات نفاقٍ وكفر وغير ذلك، فإن الله - عز وجل - قضى بحكمته وبرحمته أنه لا تزال طائفة على الحق منصورة، طائفة على ما كان عليه النبي صلوات ربي وسلامه عليه، في العقيدة والشرع والمنهج، في العمل وتطبيق هذا الشرع، وهذا أصل لو عرفه العبد المؤمن سينشرح صدره، ويحرص أن يكون من هذه الطائفة، من طائفة الغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو يصلحون إذا فسد الناس.

 

فلا تيأس يا عبد الله، واعلم أنه ما من بقعة على وجه الله إلا وعليها طائفة على الحق منصورة بإذن الله - تبارك وتعالى -.

 

الأصل العاشر: أن الله - عز وجل - بحكمته وعلمه - جل وعلا - قضى أن يعذب من يكذب أنبياءه ورسله، فما من نبي كذبه قومه وآذوه إلا عذبهم الله - عز وجل -، فأرسل على قومٍ ريحًا، وخسف بآخرين، وأمطر حجارة من السماء على أقوام أُخَر، يعذب الله كل أمة تكذب برسلها، إلا أمة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، شرع لنا ربنا - عز وجل - أمرًا آخر، لا يُهلِك أعداءنا من عنده، وإنما أمرنا ربنا بقوله: (قَـاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) [سورة التوبة: (14)].

 

فبيَّن - جل وعلا - أنه ينبغي على أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تقاتل أعداءها، فإن هي فعلت فإن الله يعذب أعداءها، ولكن بأيدي المؤمنين، ويخزي الكافرين، وينصر المؤمنين عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين، وهذه سنة ينبغي أن يضعها العبد نصب عينيه، فلا يمكن هلاك الأعداء في سنة الله التي اختارها لأمة النبي - صلى الله عليه وسلم - دون جهد ودون عناء ودون تضحية من المؤمنين، لا تنـزل عليهم صاعقة من السماء دون أن يأخذ المؤمنون بالأسباب، ويعدوا ما استطاعوا من قوة، ويقاتلوا أعداء الله - عز وجل - (قَـاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ) ونعلم جميعًا ما وقع في غزوة الأحزاب، إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في ضعف وعوز، وكان الرجل منهم يربط الحجر على بطنه من الجوع، فتآلبت عليه الأحزاب وجاءته قريش بعشرة آلاف كافر مقاتل يريدون أن يقاتلوا تلك العصابة المؤمنة.

 

 فلما أخذ المؤمنون بالأسباب وحفروا الخندق نصرهم الله - عز وجل - وسلط على أعدائهم ريحًا لا يستقر معها قِدْر، ولا يستضيئون بنار حتى قال أبو سفيان لمن معه: لا مقام لكم، فأخزاهم الله - عز وجل - وردهم بعد أن قام المؤمنون بجهد يسير هو كل ما يستطيعونه. فاعلم هذا أيها العبد المؤمن، واعلم أنه ما من أمة حوربت على وجه الأرض، ولا دين حورب وأوذي أهله مثل دين الإسلام، ولكن الله - عز وجل - سينصر جنده وعباده المؤمنين، وعدًا عليه حقًا - جل وعلا -، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحون...

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما قلت، فإن كان صوابًا فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله إنه كان غفارًا....

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد: أيها المسلمون: وأيضًا من الحقائق والثوابت والأصول والمسلمات:

الأصل الحادي عشر: أن الثقة بنصر الله - عز وجل - لا تكون في وقت الرخاء، فهذا أمر يستطيعه كل أحد، من السهولة بمكان والإنسان ينعم بأمن وآمان، ويسر وسهولة ورخاء أن يقول: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ) [سورة الأنفال (10)] وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ولكن الإيمان الحقيقي أن تدرك أيها العبد المؤمن وأن تؤمن وتستشعر بأن النصر قادم لا محالة، وأنت في الشدة، بل وفي قمة الشدة ومن تأمل سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وجد أمرًا عجبًا، فهذا سراقة بن مالك وهو يطارد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي طريد لا يملك شيئًا، يعد سراقة بسواري كسرى. ولما جاءه عَدي بن حاتم فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «ما منعك أن تُسلم؟" أو قال له:" أما إني أعلم ما يمنعك من الإسلام، تقول: اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة له، وقد رمتهم العرب»، أي تخشى يا عدي أن تنضم إلى فئة ضعيفة، فبشره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أتعرف الحِيرة؟ "قال: سمعت بها وما رأيتها، فأخبره - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة تسافر من الحِيرة إلى مكة تطوف بالبيت لا تخاف أحدًا، وقال له: "تعرف كسرى بن هرمز؟ ستفتح مدائنه وينال أمتي كنوزه»، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -.

 

ويوم الأحزاب لما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بحفر الخندق، فعرض للصحابة - رضي الله عنهم- صخرة في مكانٍ من الخندق، لا تأخذ فيها المعاول، قال البراء بن عازب: فشكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم هبط إلى الصخرة، فأخذ المعول، وقال: «بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر، ثم قال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا».

 

 فبشّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه والأحزاب يحيطون بهم، وهم ضعفاء مستضعفون، واليهود من حولهم بشرهم بفتوحات ثلاث، وهذا هدي المؤمن ينبغي أن يثق بنصر الله - عز وجل - وفتحه، وأنه آت لا محالة، وقت الشدة ووقت العسرة، لا وقت الرخاء ووقت اليسر والأمن.

 

الأصل الثاني عشر: الذي يستأنس به العبد المؤمن في زمن الفتن والمحن والبلايا أن يضع نصب عينيه حقيقة قرآنية نص عليها ربنا - جل وعلا -، وهي أنه مهما فعل المؤمن ومهما قدم من تنازلات، فإنه لا يمكن أن يرضي أعداء الله - عز وجل - إلا في حالة واحدة، بينها ربنا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) [سورة البقرة(120)].

 

 فبيّن - جل وعلا - لنبيه وهو سيد الخلق وأرحمهم، وأعلمهم بالسياسة، وأحكمهم وأحسنهم حكمة وتعاملاً مع عباد الله - عز وجل -، ومع ذلك، مع كل ما أوتي - صلى الله عليه وسلم - من صفات وقدرات، فهو مع ذلك يخبره ربه بأنه لا يمكن له أن يرضي اليهود والنصارى، مهما فعل إلا إذا اتبع دينهم وملتهم، ثم بين - جل وعلا - أنهم ليسوا على دين، وليسوا على ملة فقال: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) ماذا يحدث؟ لم يقل للمؤمن أو للمسلم أو لضعيف الإيمان الفاسق، بل لسيد الخلق (مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ)، لا ينصره الله، ولا يتولاه إن هو أطاع أهواء أهل الكتاب من اليهود والنصارى. والله - عز وجل - أخبرنا، وهو الذي يعلم من خلق، ويعلم السر والنجوى فقال سبحانه: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ) [سورة الصف (8)].

 

 فبيّن سبحانه أنهم يريدون إطفاء نور الله، وهو الإسلام، وشرعه الذي أنزله على نبيه، فماذا رد الله عليهم؟ (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ) سيتم هذا النور، وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، فلا ينبغي لمسلم يؤمن بالله وبهذه الآيات أن يتنازل أو يرضى الدنية في دينه حتى يرضي يهوديًا أو نصرانيًا، فيخسر الدنيا والآخرة (وذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [سورة الحج (11)].

 

اللهم...

 

 

 

 

المرفقات
حقائق وثوابت.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life