عناصر الخطبة
1/ الاعتبار بظواهر الكون 2/ حَرُّ الصيف يذكِّر بحَر ِّ القيامة وجهنم 3/ الحر الشديد من أنفاس جهنم 4/ تسبيح الكون بحمد ربه 5/ عمل المؤمن مستهينا بحر الدنيا اتقاء لحر الآخرة 6/ أعمال تظلل فاعليها يوم القيامة
اهداف الخطبة

اقتباس

لَئِنْ كُنَّا نتقي الحرَّ بأجهزة التكييف، والماء البارد، والسفر إلى المصايف، وكُلُّ هذه نِعَمٌ تستوجب الشكر للمنعم، فهل تأملنا وتفكَّرنا كيف نتقي حرَّ ذلك الموقف يوم الحساب؟ كيف ندفع لفح وسموم حَرِّ جهنمَ عن أجسادنا ووجوهنا الضعيفة؟ لِنَغْتَنِمْ صيفنا بالطاعات، ولْنَسْتَزِدْ فيه من الحسنات، فالأجر يعظُم مع المشقة ..

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أظهر العجائب في مصنوعاته، ودل على عظمته بمخلوقاته، فأمر بالتدبر والنظر في أرضه وسماواته، أحمده سبحانه وأشكره، نعمه تترى، وفضله لا يحصى، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أصدق عباد الله شكراً، وأعظمهم لربهم ذكراً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابه الأصفياء، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- فتقوى اللهِ وصيةُ اللهِ للأولين والآخرين، وهي مُسْتَمْسَكُ الصالحين، وسبيل النجاة في الدنيا ويومِ الدين.

عباد الله: إن في تقلُّب الليالي والأيام، وفصول السنة والأعوام، وفي تناوب الضياء والظلام، وتبدّل الحرارة والبرودة، وطلوع الشمس وأفولها، وولادة القمر واحتضاره، وغيرها من المظاهر الكونية، والتغيرات المناخية والجوية، عبرة لنا أي عبر، (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَار) [النور:44].

ينوع الفصول، ويبدل الليالي والأيام، فليل ونهار، وصيف وشتاء، وخريف وربيع، فنحن نعيشُ هذه الأيام مع فصل الصيف موعظةً بليغةً، ودروسًا عظيمة، يشهدُها السميع والبصير، ويُدركها الأعمى والأصم.

نعيشُ هذه الأيام مع واعظِ الصيف وخطيبه، فهل أصغتْ قلوبُنا لموعظتِه؟! وهل وعينا دروسَه؟! فمَن مِنا الذي لم يؤذهِ حَرُّ الصيف؟! فأيُّ شيءٍ تعلمناه من الحَرِّ؟.

رأى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قومًا في جنازة قد هربوا من حَر الشمس إلى الظل، وتوقَّوا الغبار، فأبكاه هذا المنظر، وحال الإنسان يألف النعيم والبهجة، حتى إذا وُسِّد قبره فارقهما إلى التراب والوحشة، فأنشد قائلا:

مَنْ كانَ حِينَ تُصيبُ الشمسُ جبهتَه *** أو الغبارُ يخافُ الشَّيْـنَ والشَعَثـا
ويألفُ الظـــلَّ كي تبقَى بشاشتُه *** فسوفَ يسكنُ يومـًا راغمًا جَدَثًا
في ظـِـــلِّ مُقْفِرَةٍ غبراءَ مُظْلِمَةٍ *** يُطيلُ تحت الثَّرى في غمها اللُّبُثَـا
تجهَّـزِي بجَهَــازٍ تبلُغيـن بــه *** يا نفسُ قبْلَ الرَّدَى لم تُخْلَقِي عَبَثَـا

ويا تُرى من أين يأتي الحر في الصيف؟ وما مصدره؟ أجاب على ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقدأخبرنا الصادقُ المصدوقُ فقال: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ".

نعم، فالصيف موعظة، وأي موعظة! فإذا كان هذا حَرُّ الصيف نَفَسَاً لجهنم، فكيف بجهنم نفسَها؟! (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَاْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك:7-8]، وقال سبحانه: (إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ" قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا". أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين منها.

فإذا كنا نفر الآن من هذا الحر الدنيوي، أفلا يكون الفرار من الحر الأكبر هو الشغل الشاغل للعاقل والواعي؟

في غزوة تبوك ابتلي الناس بالخروج للجهاد، في زمن عُسرة وشدة من الحرِّ وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، خرج المؤمنون الصادقون، وقعد الذين في قلوبهم مرض، (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة:46]

قال الله تعالى فيهم: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة:81].
 

تَفِرُّ مِنَ الهَجِيرِ وَتَتَّقِيـهِ *** فَهَلَّاً مِنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا؟
وَلَسْتَ تُطِيقُ أهونَها عذابًا *** وَلَوْ كُنْتَ الحَدِيـدَ بِهَا لَذُبْتا
وتُشْفِقُ للمُصِرِّ على الخَطَايَا *** وتَرْحَمُهُ وَنَفْسَكَ مَا رَحِمْتَا
ولا تُنْكِرْ فإنَّ الأمرَ جِـدٌّ *** وَلَيْسَ كَمَا حَسَبْتَ ولا ظَنَنْتا

فحقٌّ على العاقِلِ أنْ يَسْأَلَ نفسه وهو يتقي حرّ الدنيا: ماذا أعدّ لحرِّ الآخرة ونارها؟ يا مَن لا يصبر على وقفة يسيرة في حرِّ الظهيرة، كيف بك إذا دنت الشمس من رؤوس الخلائق، وطال وقوفهم، وعظم كربهم، واشتد زحامهم؟!.
 

روى الإمام مسلم، عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله يقول: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخَلْق حتى تكون منهم كمقدار مِيل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرَق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا"، قال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه.

تلكم نارُ الآخرة، وذاك حرُّ الموقف، فأين المتقون- ياعباد الله؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

لقد تناغمت أجزاء الكون كلها في منظومة واحدة، تُعلن الوحدانية لِمَن خَلَقَهَا، تدين بالطاعة لمن فطرها، تُسَبِّحُ ربها، فلماذا تلكَّأ الإنسان عن الاستجابة؟! لماذا يخالف الكونَ كلَّه ويتمرد، وهو المخلوق الضعيف، فيعصي العظيم الجليل -سبحانه-! يتجرأ على ربه، وهو ذرة صغيرة في هذا الملكوت الطائع؟! ليتنا نلبي طائعين منيبين مخبتين، ليتنا نَقدُر الله حقَ قدره.

الشمس بحجمها الهائل، وحرارتها المحرقة، ولهبها المتوهج، تسجد بين يدي ربها مذعنة ذليلة، فقد روى البخاري عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله في المسجد حين غربت الشمس فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب الشمس؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم! قال: "فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها، ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس:38].
 

لقد استجاب الكون كله لله، الأرض والسماء، النجوم والأشجار، الجبال والبحار، الزروع والأنهار، الكل لبّى مطيعًا مذعنًا، خاشعًا خائفًا، مسبحًا لله، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44]، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور:41]، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وكثير حق عليه العذاب) [الحج:18].
 

عباد الله: لَئِنْ كُنَّا نتقي الحرَّ بأجهزة التكييف، والماء البارد، والسفر إلى المصايف، وكُلُّ هذه نِعَمٌ تستوجب الشكر للمنعم، فهل تأملنا وتفكَّرنا كيف نتقي حرَّ ذلك الموقف يوم الحساب؟ كيف ندفع لفح وسموم حَرِّ جهنمَ عن أجسادنا ووجوهنا الضعيفة؟ لِنَغْتَنِمْ صيفنا بالطاعات، ولْنَسْتَزِدْ فيه من الحسنات، فالأجر يعظُم مع المشقة.

حَذَارِ حَذارِ أن تُقعدنا عن المبادرة إلى الخير نفوسٌ تعاف الحرَّ، وتحبُ الراحة، فنندم يوم لا ينفع الندم! لتتَّقِ حر ذلك اليوم كن واحدا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلاظله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دَعَتْهُ امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" رواه البخاري ومسلم.

أَنْظِرْ مُعْسِرَاً أو ضع عنه، ففي صحيح مسلم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن أنظر مُعْسِرَاً أو وضع عنه، أظله الله في ظله".

ومما يُتقى به حَر ذلك اليوم الصيام، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من صام يومًا في سبيل الله باعَدَ الله بذلك اليوم حرَّ جهنم عن وجهه سبعين خريفًا" رواه النسائي بإسناد صحيح؛ ويقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: صُومُوا يومًا شديدًا حَرُّه، لِحَرِّ يوم النشور؛ وَصَلُّوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور.

أيها المؤمنون: إن من أعظم ما يُدفع به العذاب، وتُتقى به النار الاستكثار من الحسنات، والتخفف من السيئات، فذاك هو الزاد، وتلك هي الجُنّة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:15-18].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلَّى الله على المبعوث رحمة للعالمين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وطهروا قلوبكم فإن الله يطلع على القلوب والضمائر، وأكثروا من الأعمال الصالحة فاليوم عمَل، وغداً حساب ولا عمل، فاعمل ولا تمل، واستبقوا الخيرات، وأحسنوا.

عباد الله: وإذا تذكرنا حر يوم النشور، فلا ننسى فضل الصدقة، وظلها الوارف لأصحابها في ذلك اليوم العظيم الذي تدنو فيه الشمس من الخلائق، فقد روى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني، عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ حتى يفصل بين الناس"، أو قال: "حتى يحكم بين الناس".

وقد مر معنا حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ولكن أفردنا الحديث عن الصدقة لأن هناك فقراء ومساكين، وهناك مشردون ومهجرون يسكنون تحت الخيام الحارقة، أو البيوت غير المكيفة؛فإن علينا واجبًا تجاههم، فهل تفقَّدْنا ونحن في بداية لهيب الصيف أحوال الجيران والقريبين، وذوي الحاجات والمعوزين؟ ففي البيوت أسرار لا يعلم بحالها إلا الواحد القهار، فهذه مطلَّقة لا تملك ما تشتري به جهاز التكييف فترفع إلى الله شكواها، وتلك أرملة لا تجد ثلاجة تبرد بها شربة ماء لها ولصغارها، وهذا فقير يئن تحت وطأة الفواتير والإيجار وقد هددته الشركة بقطع التيار، وهكذا أحوال الناس، وإنما نُرزق وننصَر ونُحفَظ بضعفائنا.

أطفئوا حر الصيف بالمواساة والصدقة، وتواصوا بالبر والمعروف، فالدال على الخير كفاعله، وارحموا العمالة الكادحة مِن حَرِّ الظهيرة، فهم بشَر يشعرون، وعن لقمة العيش يبحثون، فلا تكلفوهم ما لا يطيقون، وارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ التنزيل، حَيْثُ قَالَ، عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب:56].

اللّهم صَل وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين.

اللهم أعِزّ الإسلامَ وانْصر المسلمين، وأذِلّ الشّركَ والْمُشْرِكينَ، وَدَمِّرْ أعداءَك أعداءَ الدّين...

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات
حر الصيف.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life