عناصر الخطبة
1/ الحج رحلة العمر 2/ تأملات في فريضة الحج 3/ من أعظم دروس الحج 4/ أهمية تحصيل التقوى 5/ فضل ذكر الله تعالى 6/ أهمية موسم عشر ذي الحجة.اهداف الخطبة
اقتباس
الحجُّ رِحْلَةُ العُمُرِ! فَمَا أَعظمَه مِن مَنظَرٍ! وَمَا أَجمَلَهُ من رَكْبٍ! فَهَلْ رَأَيتُم لِبَاسَاً أَجْمَلَ مِن لِبَاسِ الحُجَّاجِ والمعتمرين؟ وَرُؤُوسَاً أَعزَّ وَأَكْرمَ من رؤوس الْمُحلِّقينَ والْمُقصِّرين؟ بل هل سمعتم أعذبَ من تلبيةِ المُلبيِّنَ وأَنِينِ التَّائِبِينَ؟ إنَّهم أَسْرَابُ الحَجِيجِ توافَدُوا إلى البيتِ العَتِيقِ! وإنَّ تأمُّلاتٍ مع هذا الرَّكبِ تَجْعَلُنا نَأْخُذُ دُروساً وَحِكَمَاً! وَمَوَاعِظَ وَعِبَراً! فأوَّلُ: درسٍ وَأنْتَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمُلبِّينَ ودُعاءَ الْمُخبتينَ، فإنَّكَ تُوَّحِّدُ اللهَ عزَّ وجلَّ وتفردُه بالعبادة! حُبَّاً وتعظيماً، وخشيةً ورجاءً..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ بَاسِطِ الْخَيْرَاتِ، ومُضَاعِفِ الْحَسَنَاتِ، وغَافِرِ السَّيِّئَاتِ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَمِحَنٍ رَفَعَهَا، وَبَلَايَا رَدَّهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ مِنَ المَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الشَّرَائِعِ والمَقَاصِدِ، لَوْلَاهُ لَضَلَلْنَا وما تَعَلَّمنا ولا اهتَدَينا: (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[النساء: 176].
نَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له في أُلوهيَّتِهِ وربُوبِيَّتِه,وَنَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ قَائدُ أُمَّتِهِ,صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحَابَتِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إلى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ يامُؤمِنُونَ وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّنا عَقِبَ أَيَّامٍ تَأَكَّدتْ فِيهَا التَّقْوَى، وَفِي زَمَنٍ اشْتَدَّتِ فِيهِ الْفِتَنُ والبَلوى، وَلَا غِنى لَنا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَتَثْبِيتِهِ طَرفَةَ عينٍ.
عبادَ اللهِ: الحجُّ رِحْلَةُ العُمُرِ! فَمَا أَعظمَه مِن مَنظَرٍ! وَمَا أَجمَلَهُ من رَكْبٍ! فَهَلْ رَأَيتُم لِبَاسَاً أَجْمَلَ مِن لِبَاسِ الحُجَّاجِ والمعتمرين؟ وَرُؤُوسَاً أَعزَّ وَأَكْرمَ من رؤوس الْمُحلِّقينَ والْمُقصِّرين؟ بل هل سمعتم أعذبَ من تلبيةِ المُلبيِّنَ وأَنِينِ التَّائِبِينَ؟ إنَّهم أَسْرَابُ الحَجِيجِ توافَدُوا إلى البيتِ العَتِيقِ! وإنَّ تأمُّلاتٍ مع هذا الرَّكبِ تَجْعَلُنا نَأْخُذُ دُروساً وَحِكَمَاً! وَمَوَاعِظَ وَعِبَراً!
فأوَّلُ: درسٍ وَأنْتَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمُلبِّينَ ودُعاءَ الْمُخبتينَ، فإنَّكَ تُوَّحِّدُ اللهَ عزَّ وجلَّ وتفردُه بالعبادة! حُبَّاً وتعظيماً، وخشيةً ورجاءً، فاللهُ القَائِلُ: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26]؛ حقَّاً إنَّهُ توحيدٌ خالصٌ انطلقَ من مَكَّةَ المكرمةَ! بلدُ الرِّسَالَةِ ومَهبِطُ الوحيِ، حينَ كُسِّرتِ الأصنامُ!
وأَعلنَها رسولُ الأنَامِ عليه الصَّلاةُ والسلامُ: "اللهمَّ حجةً لا رِيَاءَ فِيها وَلا سُمْعَةً". بل أعلنَ بقولِه وفعلِه أنَّ هديَه مُخالِفٌ لِهدي المُشركينَ! فمن أعظمِ مقاصدِ الحجِّ أنْ نكونَ: (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) [الحج: 31]؛ لأنَّ العزَّ والتَّمكِينَ بِمُخَالَفَةِ سَبِيلِ المُشرِكِينَ! والذِّلةُ والصَّغارُ بِتَولِّي المُشرِكينَ!
فالحَمْدُ للهِ الذي طَهَّرَ بَيتَهُ الحَرَامَ هذا العَامَ مِنْ الرَّافِضَةِ الخَائِبِينَ، مَجُوسِ إيرَانَ، عُبَّادِ القُبُورِ، وَمُثِيرِ الفِتَنِ، وَقَتَلَتِ المُسلِمينَ، لَقَدْ وَقَى اللهُ المُسلِمينَ شُرَّهُمْ وَحَجُّوا إلى كَرْبِهِمْ وَبَلائِهِمْ! نَعَمْ لَقَدْ هَدَّدوا وَتَوعَّدوا بَسَفْكِ دِمَاءِ الحُجَّاجِ! وَلَكِنَّ: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) [الأحزاب: 25].
عبادَ الله: مَنْ يُشاهدُ مواكِبَ الْحَجِيجِ على اخْتِلافِ أجْنَاسِهِمْ، وَلُغَاتِهِمْ، وَبِلادِهِمْ، يُدرِكُ أنَّ الأمةَ لا يمكنُ أنْ يؤلِّفَها ويجمعَها إلَّا دينُ الله تعالى! فهُمْ كَجَسَدٍ وَاحِدٍ! بِزِيٍّ مُوحَّدٍ، ويتَّوجِهونَ لربٍّ واحدٍ، ويَلهَجُونَ بِتَلبِيَةٍ مُوحَّدةٍ فَأَسقَطُوا كُلَّ هُتافٍ وطنيٍّ، أو شِعَارٍ قَوميٍّ! فلا تَفَاخُرَ بالأَنسَابِ، ولا الأَحسابِ، إنِّما مِيزَانٌ وَاحِدٌ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، حقَّاً كَمَا قَالَ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكُم واحدٌ، ودينَكم واحدٌ، ونبيَّكُم واحدٌ، ولا فضلَ لعربيٍّ على عَجَمِيٍّ ولا عجميٍّ على عربيٍّ، ولا أحمرَ على أسودَ ولا أسودَ على أحمرَ إلا بالتَّقوى".
عباد اللهِ: ومن أعظم دروسِ الحجِّ أنَّه يبيِّن يُسرَ الشَّريعةِ الغرَّاءِ وأنَّ اللهَ تعالى يُريدُ بِنَا اليُسرَ ولا يريدُ بنا العُسرَ! فَأعظمُ سِمَةٍ في حَجَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَولُهُ: "افعل ولا حَرَجَ".
إخوانِي: ويُسرُ الشَّريعَةِ لا يعني تَتَبُّعَ الرُّخصِ أو التَّلاعُبَ في أَحْكَامِ الدِّينِ! بَلْ أَعْظَمُ دُروسِ الحجِّ أنَّهُ يَربِي المسلمَ على حُسْنِ الإتِّباع والاقتداءِ برسولِ اللهِ قولاً وعملاً! أَلم يكن رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يردِّدُ في الحجِّ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا عنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا".
فما بالُ كثيرٍ من إخوانِنا صاروا يبحثُونَ عن الرُّخصِ، عندَ أَدْنَى سَبَبٍ، ومِن أيِّ مُفتٍ! فَقَدْ رَأَيتُ عِنْدَ المَحَطَّاتِ ونُقَاطِ الحَجْزِ مَنْ يَخْلَعُ مَلابِسَ الإحْرَامِ وَيَلْبَسُ ثِيَابَهُ لأجْلِ تَجَاوُزِ النُّقَاطِ! بِحُجَّةِ أنَّ الأَمْرَ سَهْلٌ، أُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَيَنْتَهي الأمْرُ! عَجِيبٌ حَالُهُمْ أهذا مِنْ التَّقْوى؟ أومِن تَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ تَعَالى؟ ! فَيَا أخي أثمنُ شيءٍ لَدَيكَ دِينُكَ، وأَعظمُ بِضاعةٍ تَسعى لها تَحقيقُ تقوَاكَ لربِّكَ، ولن يكونَ ذالك إلَّا بِأَخْذِكَ بالعِلم الشَّرعيِّ الصَّحِيحِ: (ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ) [آل عمران: 101].
عبادَ اللهِ: ومن أعظم دُرُوسِ الحجِّ أنَّهُ يُربِّي المُسلِمَ على تقوى اللهِ تَعالى! في كُلِّ مَنْسَكٍ، لذا كَثُرَةِ الوصيَّةُ بالتَّقوى فيهما! فلمَّا قالَ اللهُ: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة: 196]، قال في آخِرِها: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وبعدَهَا مُبَاشرةً قال: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 196]، وفي سورةِ الحجِّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32] إنَّها التَّقوى! التي هي جِمَاعُ الخيرِ كُلِّهِ!
أيُّها المؤمنُ: وأنتَ تشاهدُ الحُجَّاجِ فإنَّكَ ترتبطُ مُباشرةً باليوم الآخر! حتى كأنَّكَ ترها رَأْيَ العَينِ! فعِندَ النَّفرَةِ أَفْوَاجٌ، وفي الرَّمي أنْفَاسٌ، وفي المَطَافِ زِحامٌ، فَتَتَذَكَّرُ قولَ اللهِ: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 93- 95].
فَسُبحانَكَ رَبَّنا ما أَعظَمَكَ، وأستغفرُ الله لي ولكم، فاستغفروه إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ المَحمُودِ بكلِّ لسانٍ، جعلَ ذِكْرَهُ غَرساً للجِنَانِ، مَنْ لازمَ الذِّكرَ نالَ الأمنَ والأَمَانَ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ بَاءَ بالْخَسَارِ والحِرْمَانِ، نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريكَ له الرَّحيمُ الرَّحمانُ، وَنَشْهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُه أفضلُ الأَنَامِ، الَّلهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا الله يا أولي الألبابِ لَعَلَّكم تُفلحونَ.
أَيُّهَا المُسلِمونَ: لقد تَقرَّبْنا إلى اللهِ بِصِيامِ يِومِ عَرَفَةَ وبِذبْحِ الأَضاحي، ووَقَفَ إِخْوَانُنا الْحُجَّاجُ فِي عَرَفَاتٍ، وَأَلَحُّوا عَلَى اللَّهِ بِالدَّعَوَاتِ، وَسَكَبُوا الْعَبَرَاتِ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِاللَّهِ الْكَرِيمِ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَيَدْعُونَهُ؟ أَتَظُنُّونَ أَنَّ الْكَرِيمَ يَرُدُّهُمْ؟ أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الرَّحِيمَ يُعَذِّبُهُمْ؟ لَا وَاللَّهِ لَا يَرُدُّهُمْ وَلَا يُخَيِّبُهُمْ. هَذَا ظَنُّنَا بِاللهِ، واللَّهُ يَقُولُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».
عباد الله: يا من تقرَّبتم إلى اللهِ بالأضاحي، وبالأعمالِ الصَّالحاتِ في العشرِ المُباركاتِ، وَبِحَجِّ بَيْتِهِ الحَرَامَ. تقبَّل اللهُ من الجَمِيعِ. فَلَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيكُمْ بِطَهارَةِ أَنْفُسِكِم وَبَيَاضِ صَحَائِفكُم، فابقَوا على عهدِ ربِّكم وتَابِعوا الحَسَنَاتِ بالحسناتِ وأكثروا من الصَّالحاتِ: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف: 46].
لَقد لازَمْتُمُ الذِّكرَ أيَّاماً عَدِيدَةً فكُونُوا من الذَّاكِرينَ اللهَ كثيراً، وافْعَلُوا الخَيرَ دَهْرَكُمْ، وتَزَوَّدُوا مِنهُ واعْلَمُوا أنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوى: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَسِكَكُمْ فَذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200].
وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلَّم- قَالَ: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ ربَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ". والذِّكرُ دَائِرَةٌ واسعةٌ، ليسَ مَحدُوداً في وَقْتٍ، أو مَكانٍ، فالمسلِمُ يَصْحو وَيَنَامُ، ويقومُ ويقعُدُ، ويغدو ويروحُ، وهو يَلهَجُ بِذكرِ اللهِ تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190- 191].
أَيَّامُ العَشْرِ عِبَادَ اللهِ: مَدرَسَةٌ عَلَّمتْنا كَيفِيَّةَ الالتزامِ بِأَوامِرِ اللهِ حقيقةً، فَلمْ نأخُذْ من شَعْرِنا وظُفُرِنا وَبَشَرَتِنا شيئاً! فالتَزَمْنَا بِذَلِكَ رَجَاءَ قَبولِ أُضحِيتِنا، وامتِثالاً لأمر ربِّنا! فالواجِبُ أنْ تَكونَ دَرساً لنا في مُحاسَبَةِ أَنْفُسِنا فِي كلِّ أوامِرِ رَبِّنا ونَوَاهِيهِ حتى نَحصُلَ على تَقوى اللهِ تعالى حقيقةً، التي هي فعلُ الأوامِرِ واجتنابُ النَّوَاهِيَ!
ولقد أَمَرَنا رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ، وقالَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ». أيُّها المُؤمِنُونَ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ كَانَ لِحَجِّ هذا العَامِ مِن الثَّناءِ والإطْرَاءِ مَا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَليهِ. وهَذا بِفَضْلِ اللهِ تَعَالى وَحْدَهُ وَتَوفِيقَهُ، ثُمَّ بِجُهُودٍ مُضْنِيَةٍ بُذِلَتْ.
فَلَقَدْ رَأَيْتُ بِعَينِي وَرَأى غَيري مَا يَسُرُّ وَيُثْلِجُ الصَّدْرَ وَيُؤَكِدُ على أَنَّ مَنْ قَامَ عَلَى تَنْظِيمِ حَجِّ هَذا العَامِ يَسْتَحِقُّ أصْدَقَ الدَّعَوَاتِ! جَزَاءَ مَا عَمِلُوا وَبَذَلُوا وَقَدَّمُوا، وَأنَّ فَي بِلادِنَا مُخْلِصُينَ مُحِبِّينَ لِلخَيْرِ! لا دَاعِيَ لِلْحَدِيثِ عَنْ مِئَاتِ بَرَّادَاتِ المِيَاهِ وَالعَصَائِرِ وَالألْبَانِ المُنْتَشِرَةِ في كُلِّ المَشَاعِرِ! عِبَادَ اللهِ: رِجَالُ الأَمْنِ هَذَا العَامِ عَلامَةٌ فَارِقَةٌ وَرَائِعَةٌ، حُضُورٌ كَثِيفٌ، وَتَنْظِيمٌ دَقِيقٌ، وَتَفْوِيجٌ مُنْضَبِطٌ وَاسْتِعْدَادٌ كَبِيرٌ، وَفَوقَ هَذا كُلِّهِ أَخْلاقٌ رَاقِيَةٌ وَتَصَرُّفَاتٌ نَبِيلَةٌ، وَرِفْقٌ وَاضِحٌ بِالحُجَّاجِ، يُسَاعِدُونَ الكِبَارَ، وَيَحْمِلُونَ الصِّغَارَ، وَيُرَاعُونَ أَصْحَابَ الظُّرُوفِ والاحْتِيَاجَاتِ الخَاصَّةِ مَعَ حَزْمٍ فِي تَطْبِيقِ النِّظَامِ! لَسْتُ واللهِ مُبَالِغَاً بَلْ حَقِيقَةً رَأَيْتُهَا وَرَآهَا الكَثِيرُونَ فِي الحَرَمِ، وَالمَشَاعِرِ.
أَمَانَةُ العَاصِمَةِ بَذَلَتْ جُهُودَا كَبِيرَةً فِي تَنْظِيفٍ مُسْتَمِرٍّ! وِزَارَةُ الصِّحَةِ وَفَّرَتْ خَدَمَاتٍ وَجَهَّزَتْ مُسْتَشْفَيَاتٍ لا تَنْقَطِعُ عَنْ الأنْظَارِ! رَأَيْتُ فِي عَرَفَاتَ عَشَرَاتِ الحَافِلاتِ مَكْتُوبٌ عَلَيها حَمْلَةُ الحُجَّاجِ المَنَوَّمِينَ فِي المُسْتَشْفَيَاتِ! أيُّ خَدَمَاتٍ هَذِهِ؟ وَأَيُّ نُبْلٍ وَكَرمٍ هَذَا؟ أَجْواءُ حَجٍّ جَمِيلَةٍ بِحَمْدِ اللهِ، وَجُهُودُ رِجَالٍ كَبِيرَةٍ بِفَضْلِ اللهِ! فَجَزى خَيْرَاً كُلَّ مَنْ خَطَّطَ وَأمَرَ وَسَهَّلَ وَرَعَى.
فاللهمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، اللهم تقبَّل من الْحُجَّاجِ حَجَّهم، اجعل مُسْتَقْبَلَنَا وَمُسْتَقْبَلَهم خَيراً مِن المَاضِي.
اللهمَّ أعنَّا على ذِكركَ وشُكركَ وحسنِ عبادتِكَ، اللهمَّ اجعلنا من الذَّاكِرينَ الشَّاكِرينَ. اللهمَّ اجزِ خيراً كلَّ من ساهمَ وأعانَ على تيسيرِ الحجِّ وإتمامهِ.
اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمورنا لما تحبُّ وترضى وأعنهُم على البِرِّ والتقوى. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. واذكروا اللهَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات