عناصر الخطبة
1/الحال المؤلم لبعض الورثة بعد موت مورثهم 2/لأهمية الميراث تولى الله قسمته والتفصيل فيه 3/من بر المورث والإحسان إليه تنفيذ وصيته والبت في قسمة ما ورثه لمن يستحقه 4/من الأخطاء المنتشرة تسجيل بعض الأملاك باسم وراث معين دون الإشهاد على ذلك وكذا الجور في الوصية 5/تأخير قسم التركة فيه ظلم للمورث وللورثة وللناس.اقتباس
أما والله لو أن الناس كتبت ووثقت ودونت وبينت حتى إذا ارتحلوا يوماً ولا بد من الرحيل إذ الوضوح في المال فلا قيل ولا قال، إن كان من دين أو حقوق على الميت فإليها يسارع بالسداد إحساناً..
الخطبة الأولى:
اللهم لك الحمدُ مجري السحاب ومنزلِ الكتاب أشهد أن لا إله إلا أنت ربُّ الأرباب وأشهد أن عبدك ونبيك محمدٌ الطاهر الأواب التواب اللهم صل وسلم عليه وآله وصحبه وأتباعه وبعد: فاتقوا الله يا أولي الألباب.
الله جمعهم إخوةً حول أبيهم وأمهم! جمعهم الطعام والمنام واللعب وجميل الكلام عاشوا في بيتهم صغارا وشبُّوا كبارا! ارتحل والدهم فالجمع تفرَّق.. والوصل تمزَّق.. والخرق تفتَّق.. ثارت عداوات.. وقامت مشاحنات.. وانتهت بهم إلى القضاء في محاكمات..
ما الذي حدث؟! من الذي فرَّقهم؟! وما الذي مزَّقهم؟! إنه بسبب نعمة تحولت نقمة! نعم إنه ميراث أبيهم الذي ارتحل عنهم ولا يعرفون ما الذي له وما الذي عليه؟ لا يعرفون عقاره ولا استثماره إنما هي شكوك حول ابن له مقرَّب وتثير نوازع الشيطان أنه مخصوص من بينهم بشيء من أبيهم، أو عاملٍ أو مديرٍ لماله مفاتيح السر لا يعملها إلا هو ووالدهم الذي ارتحل بأسرار هذا المال معه إلى قبره!
تنازع الورثة فعطِّل العقار فلم يبع ولم يقسم! والمال هنا وهناك لم يجمع ولم يُسلَّم! والاستثمار الذي بني له اسم في السوق قد هوى وأصبح بين الأبناء وقد خوى.
من الورثة أيتام ومحتاجون يرون حلالهم عقاراً كبيراً ومالاً وفيراً ولكن النزاع أطال أمد قسمته؛ فبعضهم يأخذ الزكاة ونصيبه من الإرث ملايين لكنها محبوسة بسبب نزاع أو تعنت الوصي أو الأخ الأكبر والله أعلم متى سيفرج عنها؟!
يا الله أين الوالد الراحل الذي جمع هذا العقار وذاك الاستثمار بكدِّ الليل والنهار وأمضى فيه الأعمار؟!
أين هو ليرى ما ورَّث المال بعده؟! هذه صورة من الصور تتكرر عند بعض الورثة وأروقة المحاكم مليئة بمثل هذه المنازعات التي تستحق من الخطيب إشارة وحول آثارها نذارة.
عباد الله: لعظم الإرث رب العالمين قسمه وبينه ووزعه وفصله في آيات تتلى إلى يوم القيامة بتفصيل دقيق وإحكام وتوثيق، جاءت به تلك الآيات؛ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ)، (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)، وجاءت بها السنة بيضاء على صفي الشمس لا خفاء فيها ولا التباس بل قسمة عادلة ظاهرة للناس.
أما والله لو أن الناس كتبت ووثقت ودونت وبينت حتى إذا ارتحلوا يوماً ولا بد من الرحيل إذ الوضوح في المال فلا قيل ولا قال، إن كان من دين أو حقوق على الميت فإليها يسارع بالسداد إحساناً لميتهم ولكي تبرد عليه جلدته؛ يقول جابر بن عبدالله: "توفي رجل وأتي به للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليصلي عليه فتقدم له ثم سأل أعليه دين؟ قال جابر ديناران فانصرف فتحملها أبو قتادة فصلى عليه رسول الله ثم من الغد لقى أبا قتادة فسأله ما فعل الديناران قال أبو قتادة إنما مات من الأمس قال فعاد إليه من الغد فقال قضيتهما فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآن بردت عليه جلدته"(أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود وحسنه الألباني).
فيا وارثي المال أوفُوا عن أبيكم ومورِّثكم وأحسنوا إليه بسداد دينه من ماله!
ثم أنفذوا وصيته إن كان له وصية فله حق في الوصية بالثلث فما دون ليس له شرعاً أن يوصي بأكثر من الثلث ولا أن يوصي لأحد من الورثة، ويا أيها الورثة برُّوا بأبيكم وأنجزوا وصيته وقفاً أو صدقة أو مسجداً حسب وصيته، وسداد الدين وإنفاذ الوصية مقدَّمان على تقسيم الإرث.
ليس من البر والله تعطيل وصاياه وإهمال أوقافه وهو الذي أحسن إليكم في حياته وبالإرث بعد مماته.
وخير من الوصية لمن وسَّع الله عليه أن يعجِّل تبرعه ويُوقف في حال حياته؛ فقد أخبر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَن سأله: "أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلان"(أخرجه البخاري ومسلم).
حذار -عباد الله- من خلط الأمور؛ فبعض الآباء يُسَجِّل بعض الأملاك أو الشركات أو الأسهم باسم بعض أولاده صورياً، والواقع أنه ليس لهؤلاء الأولاد أي نصيب فيها، ولكن يخطئ الأب حين لا يوثِّق هذه التصرفات، ويُشهد عليها من تُقبل شهادته كيلا يختلط الأمر على الورثة، ويَظُن أو يدعي بعضُ هؤلاء الأولاد أن لهم نصيباً حقيقياً في هذه الأموال محتجين بكونها موثقة بأسمائهم، وكم حصل من النزاع والشقاق بين الورثة من جراء ذلك! وقريب من ذلك -أيضاً- وجود شراكات حقيقية وتداخل في ملكية بعض الأموال بين الأب وأولاده أو بعضهم، ولكن لا توثق هذه الشراكات بما يحفظ حق الجميع، وتُسجل رسمياً قدر الإمكان حفظاً للحقوق ومنعاً للمشاحة والخلاف فيما بعد.
وحذار -عباد الله- من التفريق بين الأولاد أو بين الزوجات في النفقات والهبات حال الحياة، حُبّاً في هذا وكرهاً لذاك، فيحمِلُها -في نفسه- المحرومُ منهم أو من يرى أنه مظلوم، وربما لا يتكلم في حياة والده، ولكن فور الوفاة تُثار تلك الطعون، ويتشفّى المحروم بتعطيل اقتسام التركة والمطالبة ببعض المستحقات التي يراها حقاً له.
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
إلى ورثة الميت وإلى أخيهم الأكبر وإلى وصي المال ووليه بادروا بتوزيع الإرث ولا تؤخرونه ولا تعطلونه؛ فتأخيره باب شقاق وسبب فراق فكم رحم به قطعت؟! وكم وشائج صلات به تمزقت؟!
إنّ الورثةَ الذين لا يُبادرون إلى توزيع التركة، يكونون قد جنوا وظلموا الميّتَ، وبقيّةَ الورثةِ والمسلمين -أيضًا-؛ فأما ظلمهم للميت، فبحرمانِه مِن الأجر الذي سيحصل عليه في قبره، من هذا المال، الذي سينتفع به الفقراء والمحتاجون من الورثة، وأما ظلمهم لِبَقيّةِ الورثة، فبحرمانهم من نصيبِهم من التركة، وهم بأمسّ الحاجة إليها يُمنعون من حقّهم، بسبب تقاعس المسؤولين عن التركة، أو بسبب خلافاتهم، وأما ظلمهم لِلْمُسلمين وعامّة الناس، فبحرمانهم من عقاراتٍ وأراضٍ يستفيدون منها، ولذا ما أكثر الأراضي الزراعية التي تطاول عليه الزمان ولم تبع ولم تقسم كان ورثتها خمسة إخوة فتركت سنيناً فمات الإخوة وجاء أبناؤهم ليكن الوريث بدل الخمسة خمسين وأكثر فضاعت هملاً.
أصلح الله الحال والمآل وعلَّ هذه الكلمات تكون من طيِّب الفال فيصلح الله بها وينفع.
اللهم صل وسلم على محمد...
التعليقات