حب الله تعالى: الأسباب والعلامات

بندر بليلة

2023-06-02 - 1444/11/13
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/حب الله تعالى من أعظم ما يسمو إليه العبد 2/توضيح بعض أسباب محبة الله لعبده 3/من علامات محبة الله لعبده

اقتباس

مِنْ أعظمِ ما يسمو إليه العبدُ، ويَسعى سَعيَه لنَيله حبُّ الله -تعالى- له؛ لأنَّه حُبُّ الخالقِ الملكِ العظيمِ لعبده، ومَنْ بيدِه نفُعُه وضُرُّه، وإحياؤُه وإماتتُه، وإغناؤُه وإقناؤُه، وإنَّ لبلوغ تلك المرتبةِ الكبرى طُرُقًا وأسبابًا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله أعان بفضله أقدام السائرين، وهدى بلطفه أفئدة الحائرين.

له الحمدُ أغلى الحمدِ والشكر والثَّنَا *** أعزُّ وأزكى ما يكون وأفضلُ

له الحمدُ حمدًا طيِّبًا ومباركًا *** كثيرٌ فضيلٌ حاصلٌ متحصَّلُ

 

وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الملك الحق المبين، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إمام المتقين، وقائد الغُرّ المُحجَّلين، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين، وصحبه المخلَصين، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فأوصيكم بالتقوى أيها الناسُ؛ فهي أمنعُ حرزٍ وأجملُ لباسٍ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

أيها المؤمنون: مِنْ أعظمِ ما يسمو إليه العبدُ، ويَسعى سَعيَه لنَيله حبُّ الله -تعالى- له؛ لأنَّه حُبُّ الخالقِ الملكِ العظيمِ لعبده، ومَنْ بيدِه نفُعُه وضُرُّه، وإحياؤُه وإماتتُه، وإغناؤُه وإقناؤُه، وإنَّ لبلوغ تلك المرتبةِ الكبرى طُرُقًا وأسبابًا، فأوَّلُها وأَوْلَاها: الإيمانُ به -سبحانه-؛ فكلما كان العبدُ أقوى إيمانًا ازداد حُبُّ اللهِ -تعالى- له، وتحقيقُ الإيمانِ يكون بالقلب واللسان والجوارح، فتحقيقُهُ بالقلبِ يكون بتصديقِه بالله -تعالى-، وما يجبُ له وإقرارِه وإذعانِه، وتحقيقُه باللسانِ يكون بالنطقِ بكلمةِ التوحيد، وتحقيقُه بالجوارحِ يكون بالعمل الصالح.

 

ومِنْ أسبابِ محبةِ اللهِ لعبده: اتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وقَبول ما جاء به، والعمل بسنته، وتجنب ما يضادها، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آلِ عِمْرَانَ: 31]، فمن اتبع الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحبه الله وغفر ذنبه، ورحمه وسدده في حركاته وسكناته.

 

معاشر الأخيار: ومن أسباب محبة الله لعبده التقرُّبُ له -سبحانه- بالطاعات، من فرائضَ وواجباتٍ ومُستحبَّاتٍ، قال اللهُ -تعالى- في الحديث القُدسي: "وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يَسمَعُ به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِشُ بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، وإنْ سألَنِي لَأُعطِينَّه، ولئنِ استعاذَني لَأُعِيذَنَّه"(أخرجه البخاري).

 

ورأسُ الطاعات -يا رعاكم الله- الصلاة، الفريضةُ المعظَّمة، والعبادةُ المقدَّمةُ، قُرَّةُ عيونِ المؤمنينَ، وأُنسُ نفوسِ المتقينَ، ومُستراحُ أرواحِ العابدينَ، عن عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: سألتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "أيُّ العملِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: الصلاةُ على وقتها"(أخرجه البخاري ومسلم)، فيا فوزَ مَنْ أدَّاها وأقامها، ويا خَسارَ مَن قصَّر فيها وضيَّعها.

 

اللهم نسألك حبَّكَ وحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحبَّ كلِّ عملٍ يُقرِّبنا إلى حُبِّكَ، اللهم وبارِكْ لنا في القرآن والسُّنَّة، وانفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قُولِي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنَّه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ذي الجلال في عظمته وكبريائه، وذي الجمال في صفاته وأسمائه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، بإحسان إلى يوم لقائه.

 

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: إذا أحَبَّ اللهُ عبدَه نَشَر له القبولَ، وأحَلَّه في قلوب أهلِ الأرضِ والسماءِ محبةً ووُدًّا، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا نادى جبريلَ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ فلانًا فأَحِبَّه، فيحبُّه جبريلُ، فيُنادي جبريلُ في أهل السماءِ: إنَّ اللهُ يُحِبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيحبُّه أهلُ السماءِ، ثم يوضعُ له القَبولُ في أهل الأرض"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

ألَا ما أَحْرَانَا أن نَتَلمَّسَ أسبابَ محبةِ اللهِ لنا؛ لننالَ الشرفَ الأَسْمَى، ونكونَ من أوليائه -سبحانه-؛ (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يُونُسَ: 62-64].

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبد الله، النبي القرشي الهاشمي، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى الآل والأصحاب، التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وعنا معهم بمنك وكرمك يا كريم يا وهاب.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ،، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.  

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا ربَّ العالمينَ، اللهم سَدِّدْ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.

 

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 53]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life