حال السلف في رمضان - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

اقتباس

فهؤلاء آباؤنا وقدواتنا وأصولنا، وهذا حال المؤمنين بصدق، وحال السلف الحقيقيين، فمن أراد مزاحمتهم على الحوض، وأراد جوارهم في الجنة، وأراد مثل شرفهم ومكانهم عند ربهم، فليفعل فعلهم ويصنع مثل صنيعهم... وإلا فلن يلحق أبدًا بهم ولا بأطراف رحالهم...

  إذا دخل رمضان أقبلت القلوب على ربها، وعملت الجوارح بطاعته، واشتغل الناس بعبادته، وعرفت الفرحة طريقها إلى أفئدة جميع المؤمنين بلا استثناء... نعم؛ الجميع يحتفي بشهر رمضان، لكنك لن تجد أبدًا أجيالًا احتفت ولا اهتمت ولا أحسنت استغلال شهر الخير كجيل الصحابة الأطهار وجيل التابعين الأبرار ومن تبعهم بإحسان من الفاضلين الأخيار.   فما عاش أحد شهر رمضان كما عاشه سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم-، لقد كان رمضان لهم جنة قبل الجنة، وكوثرًا في الدنيا قبل كوثر الآخرة، ينهلون منه نهلًا، ويغتنمون منه الغنائم، ويتفرغون فيه من جميع شواغلهم لعبادة الله -عز وجل- وطلب قربه... لقد كان شهر رمضان لهم موسمًا لليقظة والحزم والعزم، يجدِّون فيه السير إلى الآخرة، ويكثرون فيه من التزود بزاد ينفعهم إذا ما لقوا ربهم، يجددون فيه العهد والقلب، ويشحذون فيه العزائم...   ولا أدري حين أتكلم عن حالهم مع ربهم في رمضان بأي شيء أبدأ؟ وإن بدأت فبأي كلمات أصف حالهم؟ وإن وصفت، فما عسى أن تبلغ كلماتي من عجيب وعظيم شأنهم؟!... لكنها ألفاظ قليلة، وجولة سريعة، وتطوافة قصيرة، هي جهد المقل، فعساها أن تنقل إلينا ولو طرف لمحة من حالهم، فيبعثنا ذلك على الاقتداء بهم.   ***   لقد كان سلفنا يحيون الليل كله إلا قليلًا، ينطبق عليهم قول الله -سبحانه وتعالى-: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الذاريات: 17-18]، وهاك خبرٌ عن قيامهم:   يروي علقمة بن قيس فيقول: "بت مع عبد الله بن مسعود ليلة فقام أول الليل، ثم قام يصلي فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيه، يرتل، ولا يرجع، يسمع من حوله، ولا يرفع صوته، حتى لم يبق عليه من الغلس إلا كما بين الأذان للمغرب إلى انصراف منها، ثم أوتر"(الطبراني في المعجم الكبير).   ويروي ابن أبي حاتم في تفسيره عن يحيى البكاء أنه "سمع ابن عمر قرأ: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)[الزمر: 9]، قال ابن عمر: "ذاك عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وإنما قال ابن عمر ذلك، لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة"(تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم).   ***   وكان سلفنا الصالح يقبلون على تلاوة القرآن، ويقدمونها على كل شيء في رمضان، ولا عجب فهو شهر القرآن: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)[البقرة: 185]، وهذا نبأٌ مما بلغنا عنهم:   فهذا "سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- "إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن"، وكان الإمام مالك بن أنس -رحمه الله تعالى- "إذا دخل شهر رمضان يفر من مذاكرة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على القراءة في المصحف"، وكان أبو حنيفة والشعبي -رحمهما الله تعالى- "يختمان في رمضان ستين ختمة"، وروي أن مجاهدًا -رحمه الله تعالى- "كان يختم القرآن في شهر رمضان فيما بين المغرب والعشاء"، وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير -رضي الله تعالى عنهم-" (ينظر: المستطرف في كل فن مستظرف، للأبشيهي).   يقول ابن رجب الحنبلي: "كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع منهم قتادة، وبعضهم في كل عشرة منهم أبو رجاء العطاردي، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها"(لطائف المعارف، لابن رجب الحنبلي).   ولا يقولن قائل: نهي عن الختم في أقل من ثلاث؛ فليس هذا محله، "فإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن؛ اغتنامًا للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم"(المصدر السابق).   ***   وأما عن الإنفاق والجود والصدقات وإطعام الطعام... فحدث ولا حرج، فقد كان السلف -رضي الله عنـهم- أجود ما يكونون بالخير في رمضان، وهذه نتيجة طبيعية لمن انشغل بالآخرة واشتغل بالعبادة واهتم بجمع الزاد؛ فإنه يهون عليه متاع الدنيا، فيبذله راضيًا لينال به نعيم الآخرة.   وأترك ابن رجب يحدثكم عن أحوال السلف في ذلك، فيقول: "وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره غيره وهو صائم ويصبح صائمًا، منهم عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وداود الطائي وعبد العزيز بن سليمان ومالك بن دينار وأحمد بن حنبل وغيرهم.   وكان ابن عمر "لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه فلم يفطر تلك الليلة".   ومنهم من كان لا يأكل إلا مع ضيف له، قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه".   وكان منهم من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم الحسن وابن المبارك، وكان ابن المبارك ربما يشتهي الشيء فلا يصنعه إلا لضيف ينزل به فيأكله مع ضيفه، وكان كثير منهم يفضل إطعام الإخوان على الصدقة على المساكين"(ينظر: الجامع لتفسير الإمام ابن رجب الحنبلي، لطارق بن عوض الله).   وفي الجملة  يقول الشافعي -رضي الله عنه-: "أحب للرجل الزيادة في الجود في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم"(لطائف المعارف، لابن رجب الحنبلي).   ***   فهؤلاء آباؤنا وقدواتنا وأصولنا، وهذا حال المؤمنين بصدق، وحال السلف الحقيقيين، فمن أراد مزاحمتهم على الحوض، وأراد جوارهم في الجنة، وأراد مثل شرفهم ومكانهم عند ربهم، فليفعل فعلهم ويصنع مثل صنيعهم... وإلا فلن يلحق أبدًا بهم ولا بأطراف رحالهم... وبمثل هؤلاء السلف فلنقتدِ، وبهم فلنفتخر:   أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع   ***   ولأننا لم نتكلم عن جوانب أخرى كثيرة من حال سلفنا في رمضان، فقد جمعنا هاهنا عددًا من خطب خطبائنا، وكلها تحلق في فلك سلفنا وتطير في سمائهم وتطوف في عليائهم، فلعلها أن تبلغ شيئًا من شأوهم.  

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
العنوان
حال الصالحين في رمضان 2019/06/04 13922 645 8
حال الصالحين في رمضان

لقد كان سلفنا الصالح يسابقون الأوقات والأنفاس في رمضان بفعل ما استطاعوا من خير، وكانوا يهتمُّون مع الصَّلاة بالقُرآن الكريم؛ فقد نقَلَ الذَّهبي عن الأسودِ بن زيْد: "أنَّه كان يَختم القرآن في رمضان في كلِّ ليلتَين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يَختم القُرآن في غير رمضان في كلِّ ستِّ ليال".

المرفقات

حال الصالحين في رمضان

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life