حادثة بئر معونة (سرية القراء) - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

إن الخوف لا يبرر تعطيل الدعوة؛ فمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخشى على أصحابه من غدر الغادرين فلقد قال: "إني أخاف عليهم أهل نجد"، إلا أنه أرسلهم لما يرجو من مصلحة دعوية... وإن كان الخوف على الدماء والأنفس لا يبرر تعطيل الدعوة، فما بالك بالخوف على ما دونها من الوظائف أو المناصب أو الأموال! فعلى الداعية أن يسترخص في سبيل دعوته كل غال وثمين، وألا يمنعه الخوف على عزيز لديه من المضي قدمًا في أمر دعوته إلى الله..

عجيب ما يرويه أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه "قنت شهرًا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب؛ على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان" (متفق عليه)، فتُرى ماذا صنع هؤلاء القوم حتى يلجئوا أرحم العالمين بالعالمين وأرقهم قلبًا وأحرصهم على هداية الخلق أن يدعو عليهم ويلعنهم شهرًا كاملًا؟!

 

يقولون: "إذا عُرف السبب بطل العجب"، فتعالوا بنا الآن نفسح المجال لأصحاب السير ليقصوا علينا القصة من البداية فيقولون: قدم عامر بن مالك بن جعفر أبو البراء ملاعب الأسنة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرسين وراحلتين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا أقبل هدية مشرك!" (الطبراني في الكبير)، فعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد، إني أرى أمرك هذا أمرًا حسنًا شريفًا، وقومي خلفي، فلو أنك بعثت نفرًا من أصحابك معي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك، فإن هم اتبعوك فما أعز أمرك! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني أخاف عليهم أهل نجد".

 

فقال عامر: لا تخف عليهم، أنا لهم جار أن يعرض لهم أحد من أهل نجد، وكان من الأنصار سبعون شابًا يسمون القراء، كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية من المدينة فتدارسوا وصلوا، حتى إذا كان الصباح استعذبوا من الماء وحطبوا من الحطب فجاءوا به إلى حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان أهلوهم يظنون أنهم في المسجد، وكان أهل المسجد يظنون أنهم في أهليهم، فكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم كتابًا، وأمَّر على أصحابه المنذر بن عمرو الساعدي، فخرجوا حتى كانوا على بئر معونة، وهو ماء من مياه بني سليم، وهو بين أرض بني عامر وبني سليم.

 

فخرج المنذر بدليل من بني سليم يقال له المطلب، فلما نزلوا عليها عسكروا بها وسرحوا ظهرهم، وبعثوا في سرحهم الحارث بن الصمة وعمرو بن أمية، وقدَّموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر، فلما انتهى حرام إليهم لم يقرأوا الكتاب، ووثب عامر بن الطفيل على حرام فقتله، واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا.

 

وقد كان عامر بن مالك أبو براء خرج قبل القوم إلى ناحية نجد فأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد، فلا يعرضوا لهم، فقالوا: لن يخفر جوار أبي براء، وأبت عامر أن تنفر مع عامر بن الطفيل، فلما أبت عليه بنو عامر استصرخ عليهم قبائل من سليم فنفروا معه ورأَّسوه، فقال عامر بن الطفيل: أحلف بالله ما أقبل هذا وحده! فاتبعوا إثره حتى وجدوا القوم، قد استبطئوا صاحبهم فأقبلوا في إثره، فلقيهم القوم والمنذر معهم، فأحاطت بنو عامر بالقوم وكاثروهم، فقاتل القوم حتى قتل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبقي المنذر بن عمرو، فقالوا له: إن شئت آمناك، فقال: لن أعطي بيدي ولن أقبل لكم أمانًا حتى آتي مقتل حرام، ثم برئ مني جواركم، فآمنوه حتى أتى مصرع حرام، ثم برئوا إليه من جوارهم، ثم قاتلهم حتى قتل.

 

وأقبل الحارث بن الصمة وعمرو بن أمية بالسرح، وقد ارتابا بعكوف الطير على منزلهم أو قريب من منزلهم، فجعلا يقولان: قتل والله أصحابنا، والله ما قتل أصحابنا إلا أهل نجد! فأوفى على نشز من الأرض فإذا أصحابهم مقتولون وإذا الخيل واقفة، فقال الحارث بن الصمة لعمرو بن أمية: ما ترى؟ قال: أرى أن ألحق برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره الخبر، فقال الحارث: ما كنت لأتأخر عن موطن قتل فيه المنذر، فأقبلا للقوم فقاتلهم الحارث حتى قتل منهم اثنين.

 

وقال عامر بن الطفيل لعمرو بن أمية، وهو أسير في أيديهم ولم يقاتل: إنه قد كانت على أمي نسمة، فأنت حر عنها، وجز ناصيته، وقال عامر بن الطفيل لعمرو بن أمية، هل تعرف أصحابك؟ قال، قلت: نعم، قال: فطاف فيهم وجعل يسأله عن أنسابهم فقال: هل تفقد منهم من أحد؟ قال: أفقد مولى لأبي بكر يقال له عامر بن فهيرة، فقال: كيف كان فيكم؟ قال، قلت: كان من أفضلنا ومن أول أصحاب نبينا، قال: ألا أخبرك خبره؟ وأشار إلى رجل فقال: هذا طعنه برمحه، ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى والله ما أراه، قال عمرو: ذلك عامر بن فهيرة! وكان الذي قتله رجل من بني كلاب يقال له جبار بن سلمى، ذكر أنه لما طعنه قال، سمعته يقول: "فزت والله"! قال، فقلت في نفسي: ما قوله: "فزت"؟ قال: فأتيت الضحاك بن سفيان الكلابي فأخبرته بما كان وسألته عن قوله: "فزت"، فقال: الجنة، قال: وعرض علي الإسلام، قال: فأسلمت، ودعاني إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة من رفعه إلى السماء علوًا.

 

ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلتهم في صبح تلك الليلة التي جاءه فيها الخبر، فلما قال: سمع الله لمن حمده! قال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم عليك ببني لحيان وزعب ورعل وذكوان وعصية، فإنهم عصوا الله ورسوله، اللهم عليك ببني لحيان وعضل والقارة".

 

وكان أبو سعيد الخدري يقول: قتلت من الأنصار في مواطن سبعين سبعين؛ يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون، ويوم جسر أبي عبيد سبعون، ولم يجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة...

 

***

 

هذا ما حدث، فلقد كانت مأساة دامية، وغدرة شائنة، وفجيعة غائرة، وقد زاد من وقعها على المسلمين أنها حدثت وهم ضعفاء لا يستطيعون قتال تلك القبائل والثأر منها، فكان ذلك الدعاء عليهم شهرًا كاملًا...

 

وبقي الآن أن نستقي من تلك القصة الدروس والعبر، وهاك بعضها:

 

العبرة الأولى: الخوف لا يبرر تعطيل الدعوة: فمع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخشى على أصحابه من غدر الغادرين فلقد قال: "إني أخاف عليهم أهل نجد"، إلا أنه أرسلهم لما يرجو من مصلحة دعوية... وإن كان الخوف على الدماء والأنفس لا يبرر تعطيل الدعوة، فما بالك بالخوف على ما دونها من الوظائف أو المناصب أو الأموال!

 

فعلى الداعية أن يسترخص في سبيل دعوته كل غال وثمين، وألا يمنعه الخوف على عزيز لديه من المضي قدمًا في أمر دعوته إلى الله.

 

العبرة الثانية: المشركون لا يرقبون في مؤمن عهدًا ولا ذمة: فها هو عامر بن الطفيل يؤلب المشركين على السبعين القراء، فيجيبه أغلبهم بسفك الدماء المسلمة البريئة التي جاءت مسالمة لا تقصد إلا الخير والنجاة والفوز لهم، فكان جزاؤهم أن غدروا بهم!

 

العبرة الثالثة: الابتلاء سنة الله في خلقه: فمن غزوة أحد التي قُتل فيها سبعون من الصحابة، إلى بئر معونة التي غُدر فيها بسبعين آخرين... وهم دعاة الخير وأفضل أهل الأرض، ولو علم الناس مقامهم عند ربهم لحملوهم على أعناقهم، ولكنها سنة الله -عز وجل- في ابتلاء الصالحين المؤمنين، فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى العبد على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلبًا، اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد، حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه من خطيئة" (ابن ماجه).

 

العبرة الرابعة: الوفاء بالعهد حتى مع الكافر: فقد جاء في بعض تفاصيل هذه القصة ما يلي: "وأقبل عمرو بن أمية حتى قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد سار على رجليه أربعًا، فلما كان بصدور قناة لقي رجلين من بني كلاب، قد كانا قدما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  فكساهما، ولهما منه أمان، ولم يعلم بذلك عمرو، فقايلهما فلما ناما وثب عليهما فقتلهما للذي أصابت بنو عامر من أصحاب بئر معونة... وأخبر عمرو النبي -صلى الله عليه وسلم-  بمقتل العامريين فقال: "بئس ما صنعت، قتلت رجلين كان لهما مني أمان وجوار، لأدينهما" فكتب إليه عامر بن الطفيل وبعث نفرًا من أصحابه يخبره: إن رجلًا من أصحابك قتل رجلين من أصحابنا ولهما منك أمان وجوار، فأخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ديتهما، دية حرين مسلمين، فبعث بها إليهم (معازي الواقدي).

***

 

ولا يخفى أننا ما عرضنا إلا قليلًا من كثير من تلك العبر والدروس، فإن كل عاقل فطن متدبر يستطيع -بلا عناء- أن يستخرج العشرات بل المئات من الدروس من هذه الواقعة المؤلمة، ومساهمة في ذلك فقد جمعنا ها هنا عددًا من خطب الخطباء الذين تناولوا تلك الحادثة بشيء من التفصيل:

الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
العنوان
قصة بئر معونة 2017/10/24 13857 440 9
قصة بئر معونة

سبعون صحابياً من خير الصحابة، وفضلائهم، وساداتهم، وقرائهم .من أوصافهم أنهم يحتطبون بالنهار، ويشترون به الطعام فيتصدقون به على أهل الصفة وهم فقراء الصحابة في المسجد-، ويصلون بالليل، ويتدارسون القرآن، فهم القراء، وسَرِيَّتُهم عُرفت بسرية القراء. فما خبرُ هؤلاء القراء السبعين !استمع !فخبرهم محزن، وما حصل لهم مثالٌ سيئ للخيانة في موضع الائتمان، وللغدر في وقت الوفاء بالعهد .كان هذا في شهر صفر من السنة الرابعة من الهجرة .جاء أبو البراء عامر بن مالك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- للإسلام، فلم يسلم، ...

المرفقات

قصة بئر معونة

المرفقات
18-2-صورة-حادثة-بئر-معونة-سرية-القراء-1.jpg
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life