عناصر الخطبة
1/الأعياد قضية عقدية 2/أعياد المشركين زور وبهتان 3/تحري النبي صلى الله عليه وسلم لمخالفة المشركيناقتباس
إِنَّهُ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب لَيْسَ فِيْهِ إِلَّا الضِّيْقُ والتَّعَب، إِنَّهُ جُحْرُ التَّبَعِيَّةِ لِلْكُفَّار، والدُّخُوْل مَعَهُمْ في كُلِّ دَارٍ وقَرَار...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَمَنْ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاه! فـ (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عِبَادَ الله: إِنَّهُ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِب لَيْسَ فِيْهِ إِلَّا الضِّيْقُ والتَّعَب، إِنَّهُ جُحْرُ التَّبَعِيَّةِ لِلْكُفَّار، والدُّخُوْل مَعَهُمْ في كُلِّ دَارٍ وقَرَار، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ؛ تَبِعْتُمُوهُمْ”(رواه البخاري، ومسلم).
وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّبَعِيَّةِ لِشَرِّ البَرِيِّة: مُشَابَهَتُهُمْ في أَعْيَادِهِمُ المَوْسِمِيَّة؛ فقَدْ كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي السَنَةِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ قَالَ: “قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى”(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فَالعِيْدُ قَضِيَّةٌ عَقَدِيَّةٌ. وَتَخْصِيصُ أَزْمِنَةٍ بِأَعْيَادٍ حَوْلِيَّةٍ لَيْسَ إِلَّا لِرِبِّ البَرِيّة! (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)[القصص: 68].
وَالأَعْيَادُ: هِيَ مِنْ أَخَصِّ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّرَائِعُ، وَالْمُسْلِمُونَ تَمَيَّزُوا بِدِينِهِمْ وَعِيْدِهِمْ، قال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الكافرون:6]، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا”(رواه البخاري، ومسلم).
والأَعْيَادُ فِي الإِسْلام: شَعِيْرَةٌ وَعِبَادَةٌ، لا تَقْبَلُ التَّحْرِيْفَ وَالزِّيَادَة، وَهِيَ أَعْيَادُ شُكْرٍ وَذِكْر، لا غَفْلَةٍ وَشِرْك! (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ)[الحج:34].
وَأَعْيَادُ المُشْرِكِيْن زُوْرٌ وَبُهْتَان، وَفُسُوْقٌ وَعِصْيَان، لا تَلِيْقُ بِـعِبَادِ الرَّحْمَن، قالَ سبحانه وتعالى في صِفَاتِهِمْ: (والَّذِينَ لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْر)[الفرقان:72]. قال مُجَاهِد: “يَعْنِي أَعْيَادَ المُشْرِكِيْن!”.
وَمِنْ أَعْيَادِ الكُفَّارِ: عِيْدُ الكِرِيسْمِسِ، وَرَأْسِ السَّنَةِ المِيْلَادِيَّةِ، الَّذِي يَحْتَفِلُ فِيْهِ النَّصَارَى بِمِيْلَادِ المَسِيْحِ عليه السلام، الَّذِي يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُ الرَّبُّ، أو ابْنُ الرَّب! (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا)[الإسراء:43].
وأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ الأَخْيَار، عَلَى إِنْكَارِ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ: قال عُمَرُ رضي الله عنه: “اِجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللهِ فِي عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ!”(رواه البيهقي). وقال ابْنُ عُمَر رضي الله عنه: “مَنْ صَنَعَ مَهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ!”.
وَمَنْ شَارَكَهُمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَلَوْ بِالتَّهْنِئَةِ فَقَدْ أَلْقَى بِدِيْنِهِ إِلَى التَّهْلُكَة، يَقُوْلُ ابْنُ القَيِّم: “أَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الكُفْرِ؛ فَحَرَامٌ بِالاِتِّفَاق! مِثْلُ: أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ. وَكَثِيْرٌ مِمَّنْ لا قَدْرَ لِلْدِّيْنِ عِنْدَه؛ يَقَعُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَل! فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ؛ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللهِ وَسَخَطِه!”. وقال ابنُ عُثَيْمِيْن: “تَهْنِئَةُ الكُفَّارِ بِعِيْدِ الكِرِيسْمِس: إِقْرَارٌ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شَعَائِرِ الكُفْرِ. وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِمْ بِهَذِهِ المُنَاسَبَةِ: أَعْظَمُ مِنْ تَهْنِئَتِهِمْ. وَيَحْرُمُ إِقَامَةُ الحَفَلَاتِ، أو تَبَادُلِ الهَدَايَا أَو التَّهْنِئَةُ بِالشَّعَائِرِ الدِّيْنِيَّةِ: كَأَعْيَادِهِم الَّتِي تَكُونُ على رَأْسِ السَّنَةِ المِيْلَادِيَّة”.
وَاسْتِعْمَالُ الشِّعَارَاتِ المُصَاحِبَةِ لِذَلِكَ العِيْدِ: كَاتِّخَاذِ شَجَرَةِ المِيْلَاِد، وَغَيْرِهَا مِنَ الطُّقُوْسِ وَالرُّمُوْزِ؛ تَشَبُّهٌ بِالنَّصَارَى في أَخَصِّ أَعْيَادِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إِلَّا المَرَح؛ فَالوَسَائِلُ لَهَا أَحْكَامُ المَقَاصِدِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”(رواه أبو داود، وصححه الألباني). وَنَهَى -صلى الله عليه وسلم- أَحَدَ أَصْحَابِهِ قَائِلاً: “إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ؛ فَلَا تَلْبَسْهَا”(رواه مسلم).
وَتَحْرِيْمُ التَّشَبُّهِ بِأَعْيَادِ الكُفَّارِ لا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ التَّشَبُّهِ وَالإِقْرَار، يقولُ ابْنُ عُثَيْمِين: “إِذَا فَعَلَ فِعْلاً يَخْتَصُّ بِالكُفَّار فَيَكُوْنُ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ؛ سَوَاء قَصَدَ بِذَلِكَ التَّشَبُّهَ أَمْ لَمْ يَقْصِد! وَكَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ التَّشَبُّهَ لا يَكُونُ إِلَّا بِالنِّيَّة، وَهَذَا غَلَط؛ لِأَنَّ المَقْصُوْدَ هُوَ الظَّاهِر”.
وَإِذَا كانَ الاِحْتِفَالُ بِمِيْلادِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ وَافَقَ النَّصَارَى في عِيْدٍ بِدْعِيٍّ شِرْكِيّ! قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: “أَصْلُ ظُهُوْرِ الكُفْرِ: هُوَ التَّشَبُّهُ بِالكَافِرِيْنَ، وَلِهَذَا عَظُمَ وَقْعُ البِدَعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهَا تَشَبُّهٌ بِالكُفَّارِ؛ فَكَيْفَ إِذَا جَمَعَتْ الوَصْفَيْن؛ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بشَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ”.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً شَتَمَ أَبَاكَ، ثُمَّ احْتَفَلَ بِهَذَا الشَّتْمِ؛ فَهَلْ سَتُشَارِكُهُ الاِحْتِفَال؟! فَكَيْفَ بِمَنْ شَتَمَ رَبَّكَ، وَنَسَبَ لَهُ الوَلَد، ثُمَّ تَحْتَفِل مَعَهُ بِمِيْلَادِ ذَلِكَ الوَلَد! قالَ عز وجل: “كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ! وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ! فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: "لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي!"، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: "اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا!" وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ”(رواه البخاري).
وَإِذَا كانَ الذَّبْحُ للهِ عز وجل -وَهُوَ أَعْظَمُ العِبَادَاتِ المَالِيَّة-؛ لا يُقْبَلُ في مَحَلِّ عِيْدِ المُشْرِكِيْن؛ فَكَيْفَ بِمَنْ احْتَفَلَ مَعَهُمْ بِذَلِكَ العِيْد!؟ جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلًا بِـبُوَانَةَ. فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “هَلْ كَانَ فِيْهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ؟” قال: “لَا” قال: “هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟” قال: “لَا”(رواه أبو داود).
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِبَادَ الله: كَانَ نبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّىَ مُخَالَفَةَ المُشْرِكِيْنَ في خَصَائِصِهِمْ؛ حَتَّى قالَ الْيَهُودُ: “مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا؛ إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ”(رواه مسلم).
فَاعْتَزُّوا بِدِيْنِكُمْ، وَاقْتَدُوْا بِحَبِيْبِكُمْ! فَهَؤُلَاءِ الكُفَّار، مَهْمَا بَلَغُوْا مِنَ الإِعْلَامِ وَالإِبْهَار، وَالغُرُوْرِ والاِسْتِكْبَار؛ فَـ”هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ! نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!”(رواه مسلم).
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ “وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ” لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات