عناصر الخطبة
1/لماذا لا يلتزم الناس بالإسلام؟ 2/وجوب دخول الناس في الإسلام جميعا 3/داء اليأس من انتصار الإسلام 4/تميز الأمة الإسلامية بعلمائها 5/بعض صور ابتلاء العلماءاهداف الخطبة
اقتباس
اليهودية العالمية تعمل، والنصرانية تعمل، والعلمانية تعمل، ومؤسسات ضخمة في داخل العالم الإسلامي وخارجه، تنفق سنوياً المليارات لصد الناس عن الإسلام، فإني لا أريد الكلام في هذا الجانب، وإن كان جانباً مهماً يستحق أن يسلط عليه الضوء، وأن يفرد بخطب مستقلة، لكن كلامي سينصب على الأفراد، وهو...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
فهذه ثلاث نقاط تدور حول بعض قضايا هذا الدين:
القضية الأولي: وهو سؤال: لماذا لا يلتزم الناس بالإسلام؟
ولا أريد أن يكون جواب هذا السؤال، بأن بعد الناس عن الدين هو بسبب الانحرافات التي طرأت على الفطرة، وأن هناك جهود ضخمة تصرف من قبل جهات كثيرة في صرف الناس عن دينهم.
فاليهودية العالمية تعمل، والنصرانية تعمل، والعلمانية تعمل، ومؤسسات ضخمة في داخل العالم الإسلامي وخارجه، تنفق سنوياً المليارات لصد الناس عن الإسلام، فإني لا أريد الكلام في هذا الجانب، وإن كان جانباً مهماً يستحق أن يسلط عليه الضوء، وأن يفرد بخطب مستقلة، لكن كلامي سينصب على الأفراد، وهو نحن، أنا وأنت وأخي وأخوك، ومن حولنا من الناس، لماذا الكثير من الناس لا يريد الالتزام بالإسلام، مع أنه ليس عن جهل، فغالبنا يعرف الكثير من أحكام الشريعة، لكن لا يلتزم، ولا يطبق ولا يمتثل؟
إنها شهوات النفس القاتلة، إنها النفس الأمارة بالسوء، وضعف الوازع الديني ورقة الخوف من الله.
لماذا لا يلتزم الناس بالإسلام؟
لأن نفسه تميل لأشياء معينه، رغبات وشهوات نفسه تريد بعض الأشياء، والإسلام يحرم عليه هذه الأمور، فلا يلتزم بالإسلام.
وهذه مشكلة -أيها الإخوة- أن نعرف ماذا يريد الله منا، ونعرف ماذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ثم لا نفعل ولا نمتثل.
أيها المسلمون: إن نفوسنا إذا كانت تتحكم بنا، وتلعب بنا إلى هذا الحد، فستوردنا المهالك.
أيها المسلمون: هناك حد أدنى من الإسلام لا يقبل الله من أحد أقل من ذلك، وهذا الحد الجميع يمكن أن يأتي به، العالم والمتعلم والجاهل، والقوي والضعيف، والغني والفقير على حد سواء، الحد الأدنى من الإسلام، وهو إتيان ما أمر الله من الواجبات، وترك ما نهى الله عنه من المحرمات والمنهيات.
هذا الحد لا خيار لأحد بالالتزام به من عدمه، ولو اكتفى الناس بهذا، وحتى لا نكون متفائلين كثيراً، معظم الناس لو اكتفى من الدين بهذا، لحصل خير كثير فعل الواجبات، وترك المحرمات، لكن الحاصل هو العكس، ترك الواجبات، وفعل المحرمات من الغالبية، إلا من رحمه الله.
ولهذا لا يلتزم الناس بالإسلام، حتى لو أراد الشخص الالتزام بأوامر الدين، فإنه لا يجد من يشجعه على ذلك التيار الذي حوله يكونُ ضده في الغالب.
أيها المسلمون: يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[البقرة: 208].
يأمرنا الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية، أن ندخل في السلم كافة، والسلم هو الإسلام، أي ادخلوا في الدين بكافة أنفسكم، بكل جزئية من جزئيات حياتكم، فإن أي جزئية منكم لا تدخل في الدين فإنما هو صيد يتصيده الشيطان.
لا يصلح أن تكون جزئية منك داخل الإسلام، وأخرى خارجه عنه، لا يصلح أن تكون مسلماً في جانب، وتخالف تعاليم الشرع في جانب آخر.
وعلى رغم بساطة هذا المفهوم ووضوحه، إلا أن الغالبية العظيمة من الناس بعيدة في واقعها عن هذا المفهوم، فلا يصلح أن تكون مسلماً في الصلوات فتصلي، وتخالف الإسلام في المعاملات فترابي مثلاً، هذا الإنسان لم يلتزم بالدين ولم يدخل في السلم كافة، لا يصلح أن تكون حريصاً على العمرة والحج، ولا تحرص على تنقية أموالك من أكل الحرام، وهكذا.
تأتي وتكلم إنساناً حول أمر هو يخالف تعاليم الشرع فيه، فيقول لك: وما دخل الدين بهذا؟ ما علاقة الدين، بخروج المرأة؟ ما علاقة الدين بالتصرفات الشخصية، إذاً فعلاقة الدين بماذا إذاً؟
صار قوم من الناس يجادل في كل شيء، شأنهم شأن قوم شعيب عندما كانوا يجادلونه، يقول الله -تعالى-: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء)[هود: 87].
وهذا هو كلام الكثير من الناس اليوم، هل هذه الصلاة، تأمرنا أن لا نتصرف في أموالنا وحلالنا ما نشاء؟.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وادخلوا (فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 208].
القضية الثانية: ولها علاقة بالذي قبلها من جهة، وهو أن الإسلام قادم، وهذا الدين سوف يُظل هذه البسيطة، الإسلام قادم ومنتصر إن شاء الله، نقولها تحقيقاً لا تعليقاً، فهؤلاء الذين لا يريدون الالتزام بالإسلام، نقول لهم ولغيرهم: إن التيار القادم، التيار الذي سوف يكتسح الواقع هو تيار الإسلام، فأنتم مع من ستقفون، الذين يحاربون الشريعة علانية، والذين يقاومون الإسلام صراحة، والأعداء المعلنين، هؤلاء موقفهم واضح من الإسلام، الآن، أو بالأمس أو غداً، لكن المنتسبين للإسلام ولا يريدون الالتزام به، هؤلاء الذين يجب عليهم أن يحددوا مواقفهم.
أيها المسلمون: ومما يتعلق بقضية قدوم الإسلام، فإن بعض الناس، أصابه اليأس تجاه هذه القضية، يقول سمعنا الكثير والكثير عن انتصار الدين، وأن المستقبل لهذا الدين، ونحن نرى القوة والمال والسلاح، والعلم المادي كله في يد العدو، والمسلمون، ما يملكون من هذا شيء.
ويقولون: بأن العرب قد انهزموا في معاركهم مع اليهود، وهم عدد قليل، فكيف ينتصرون على القوى العالمية الكبرى، التي تملك العتاد والبشر والتقنية؟.
وهذا مع كل أسف، هو منطق الذين غاب عن وعيهم روح الإيمان، فصاروا يحاكمون الأمور إلى الأصول المادية البحتة.
إن هذا منطق ضعاف الإيمان، أولئك الذين، لم يطلعوا على نصوص القرآن والسنة، التي تبشر بانتصار الإسلام.
ثم حتى من النظر المادي، فإن من طبيعة هذا الكون، ومن النواميس الكونية المركبة فيه: أن حياة الأمم والأفراد، لا تستقر على حال، وأن حركة التاريخ البشري لا يتوقف، فنحن نسألهم متى انتهت النوبة إلى أمة من الأمم ثم لم تنتقل إلى غيرها؟
هذا لم يحدث قط، بل إن الأيام دول؛ كما قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)[آل عمران: 140].
يقول الشاعر، وهو يصف إقبال وإدبار الأيام:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت *** لنا رغبة أو رهبة عظماؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا *** شدائد أيام قليل رضاؤها
وصرنا نلاقي الغائبات بأوجهٍ *** رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت *** علينا الليالي لم يدعنا حياؤها
أيها الأحبة في الله: وما يتعلق بقضية انتصار هذا الدين: إن أعداء هذا الدين، أياً كانوا ودون تفصيل هم يحاربون من؟
إنهم يحاربون الله.
وهل يستطيع أحد محاربة الله؟
مسكين هذا الذي يحارب الله، مسكين هذا الذي يفكر أن يضيق على شريعة الله، هذا جدير به أن يفكر في نفسه، ويتأمل ويقلب بعض صفحات التاريخ ليعرف مصير الذين حاولوا محاربة دين الله، ماذا حصل لفرعون؟ وماذا حصل لقارون؟ وكيف كانت نهاية أبي جهل وأمية بن خلف؟ وغيرهم وغيرهم.
مَن ذلك الذي حاول أن يخفي دين الله في مكان ثم نجح؟ من الذي خطط ودبر لحجر دعوة الله في زاوية ثم تحقق له ما يريد؟
لا أحد، ولن يوجد أحد.
إن الدول الضخمة الآن، والتي تملك من الإمكانيات ما تذهل العقول، عجزت عن السيطرة، من أن ينتشر الإسلام في بلادها، فكيف يمكن محو الإسلام أو حجر الإسلام في أرضه الذي نزل، وعلى ترابه الذي وطأته أقدام أنقى وأطهر الخلق بعد الأنبياء والرسل، وهم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وإني -أيها الإخوة- كلما سمعت في إذاعة أو قرأت في صحيفة أو مجلة، عن الجهود التي تبذل لصد الناس عن دين الله، وعن الأموال التي تنفق في سبيل ذلك، تذكرت قول الله -جل وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال: 36].
ويقول جل وتعالى أيضاً، مبيناً ضعف كيد الكفار وأعوانهم، وضلال سعيهم يقول سبحانه: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ)[الأنفال: 18].
ويقول جل وتعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطارق: 15- 18].
فمهما كاد هؤلاء لدين الله، ومهما بذلوا لمحاربته، فالله لهم بالمرصاد، فهم أعداء الله قبل أن يكونوا أعداءنا نحن المسلمين: (فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ)[الأنعام: 33].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
القضية الثالثة: من جملة قضايا هذا الدين: أن هذا الأمة، أمة العلماء تمتاز هذه الأمة دون سائر الأمم، ويمتاز الإسلام دون سائر الأديان، بالعلماء، علماء ربانيون مخلصون، يقدمون العلم والخير والإرشاد والبيان للناس في كافة شئون حياتهم.
ما أن تقع الأمة في مشكلة، أو ينزل بها مصيبة، تجد هناك من العلماء العاملون المخلصون، يبينون الحق للناس في هذه القضية أو تلك النازلة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخفى الحق على الجميع، فنقول: بأن هذه الأمة حفظوا للناس شريعة الله، أعطاهم الله -عز وجل- من العقل والفكر والمعرفة، والحفظ والضبط، ما حار أمام ما قدمه واحد من علماء ومفكرو الغرب أجمع، انظر مثلاً إلى تراث ابن حجر هذه العقلية الجبارة العجيبة، أو شيخ الإسلام ابن تيمية، أو تلميذه ابن القيم، أو غيرهم، وهم كثير، على مدى تاريخ هذه الأمة.
فأعود وأقول: بأن هذه الأمة، أمة العلماء، وحب الناس وتقديرهم، وتوقيرهم لعلمائهم، هذا أمر مركوز في قلوب المسلمين، فالناس كانوا ومازالوا يحبون ويجلّون علمائهم، يفرحون بفرحهم، ويحزنون بحزنهم، وهذه أيضاً ميزة في هذا الدين، فمهما حاول العدو تشويه سمعة بعض العلماء، أو الطعن بهم، فإن كيده في تباب.
أيها المسلمون: إن هذا المعين لا ينضب، وإن هذا النهر لا يجف فالأمة في كل فترة من فتراتها، يوجد وسيوجد بها علماء دعاة مخلصون ربانيون.
ما الذي جعلني أقول هذا الكلام؟
هو ما سمعته من البعض، من خوفهم على الإسلام، إذا سمعوا بموت عالم، أو بقتل عالم، أو بحرق بعض العلماء، كما حصل في بعض الأمكنة، أبداً لا خوف على الإسلام، حين ينكل بعلمائها، الخوف علينا نحن وإلا فالإسلام دين الله، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، فعل به ما فعل، حتى مات -رحمه الله- في السجن، وقبله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، سجن وجلد وضرب، وفعل به ما فعل، ومن بعدهم، سيد قطب -رحمه الله تعالى-، قتل شنقاً، وعلق على أعواد المشانق، وهناك من طرد من بلده، وعاش غريباً بعيداً عن أهله وبلده، ومات ودفن في أراضي لم يتوقع هو أن تطأ قدمه في يوم من الأيام، وقبلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما لاقى من الأذى من قومه وقبيلته وعشيرته.
فالقافلة سائرة، وهذه الأمة، أمة ولود، كلما نكل بعالم من علمائها، رزق الله هذه الأمة بعالم آخر، وإن الأمة لا يصيبها العقم أبداً.
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجا *** فلله أوس قادمون وخزرج
وإن سجون الغيب تخفى طلائعاً *** مجاهدة رغم الزعازع تخرج
فليمت أعداء الدين غيظاً وغماً، وليفعلوا ما بدا لهم أن يفعلوه، فإن الخير باقٍ في هذه الأمة حتى قيام الساعة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره".
تشابه يوماهُ علينا فأشكلا *** فما نحن ندري أيّ يوميه أفضل
يومُ بداءِ العمر أم يومُ يأسِه *** وما منها إلا أغزٌّ مجهل
وإن الأمة المتفائلة في وسط هذا الكيد، الذي في بعض مناطقه لا مثيل له في التاريخ، أن يخرج أمثال شيخ الإسلام والإمام أحمد، فيلتف الناس حولهم: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ)[الروم: 4 -5].
اللهم استعملنا في طاعتك، ولا تستعملنا في معصيتك.
وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر ...
التعليقات