ثلاثة تجليات إيمانية للصائمين وقت السحر

عدنان مصطفى خطاطبة

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ أصناف الناس في وقت السحر 2/ رمضان محطة زاد إيماني مهمة في حياة المؤمن 3/ كيف ينظر المؤمن إلى وقت السحور؟ 4/ ثلاث عبادات نفيسة ومؤثرة وقت السحر 5/ أهمية الدعاء والاستغفار والتهجد في الأسحار.
اهداف الخطبة

اقتباس

أحوال الصائمين والصائمات وقت السحر مختلفة ومتفاوتة، فهذا يسهر طوال الليل إلى قبيل الفجر ثم ينام، فلا يشهد وقت السحور ولا يشهد صلاة الفجر، وهذا قد خسر خسرانًا كبيرًا، وذاك يشهد وقت السحور، ويكتفي بالتسحر دون السجود لربه العظيم -سبحانه-، فينام بلا صلاة فجر، وهذا خاسر أيضًا، وهناك من يشهد وقت السحور فيكتفي بالتسحر وصلاة الفجر وينام وهذا على خير، ولكن فاتته بركات إيمانية جليلة، وهناك صنف يعيش بركات وقت السحر على هدي نبيه وقدوته سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

أيها الإخوة المؤمنون الصائمون، وأيتها الأخوات المؤمنات الصائمات:

يشير الواقع إلى أن أحوال الصائمين والصائمات وقت السحر مختلفة ومتفاوتة، فهذا يسهر طوال الليل إلى قبيل الفجر ثم ينام، فلا يشهد وقت السحور ولا يشهد صلاة الفجر، وهذا قد خسر خسرانًا كبيرًا، وذاك يشهد وقت السحور، ويكتفي بالتسحر دون السجود لربه العظيم -سبحانه-، فينام بلا صلاة فجر، وهذا خاسر أيضًا، وهناك من يشهد وقت السحور فيكتفي بالتسحر وصلاة الفجر وينام وهذا على خير، ولكن فاتته بركات إيمانية جليلة، وهناك صنف يعيش بركات وقت السحر على هدي نبيه وقدوته سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الصائمون والصائمات: إن المؤمن الصائم ينظر إلى شهر رمضان على أنه شهر التغيير النفسي والإيماني، شهر تجديد الإيمان، شهر استغلال الزمان الرمضاني المبارك، ومن أنفس أوقات الزمان الرمضاني: هو وقت السحور. فما حال الصائم والصائمة، المؤمن والمؤمنة، مع هذا الوقت المبارك. الذي ربما بعضنا لا يعيشه ولا يكون فيه مستيقظًا ولا يشهده إلا في رمضان، أي إلا في السنة مرة واحدة، فهل يستغله حق استغلاله؟ أم يمرّ هكذا مثل لحظات نهاره؟

 

عباد الله: كيف ينظر المؤمن إلى وقت السحور؟ ما هي النظرة النبوية لوقت السحور ووقته؟ وما حجم خسارة الذين يتهاونون بوقت السحور؟ حتى تعيش تجليات وقت السحور على هدي نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى تجعل من وقت السحور أحوالاً لك إيمانية خاشعة.

 

أيها الصائم وأيتها الصائمة: إن حالك وقت السحور التي تجعل منك خاشعًا وناسكًا لربك -سبحانه- في هذا الوقت المبارك، تتحقق لك حينما تتبع الهدي النبوي في وقت السحور ولحظاته وزمانه، أي: أن تعيش زمان وقت السحور آخذًا بما هداك إليه نبيك وقدوتك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الصائم وأيتها الصائمة: اتبع الهدي النبوي الآتي تجعل من وقت سحورك وزمانه عبادة راقية ندية وقربة خالصة خاشعة. ولكن كيف يكون ذلك عمليًّا؟

 

أيها الصائم العابد وأيتها الصائمة العابدة: هناك ثلاث عبادات نفيسة، مؤثرة، غالية، شديدة الوقع على النفس، قوية التأثير في القلب، بها يرتفع مقامك، وبها تحصل مطالبك، وبها تعيش تجليات الصالحين والعابدين والناسكين، بها تكون صائمًا عابدًا، صائمة خاشعة، بها يختلف رمضانك عن غيرك، بها تشعر أنك قد عشت أحوالاً إيمانية ولحظات من العبودية قد تسلك بك طريق الصالحين في حياتك كلها، وتجعلك ممن يعيشون السنة كلها وقت السحر على وقع التعبد لله تعالى.

 

أيها الصائم العابد وأيتها الصائمة العابدة: التجلي الإيماني الأول يناديك قائلاً لك: قم تهجد لمولاك العظيم -سبحانه وتعالى- بركعتين أو بأربع أو بما تشاء، ركعات ملؤها الهدوء والطمأنينة والخشوع والخشية، نعم عش تجليات التهجد، نعم كن من أهل هذا النداء الإلهي العظيم الذي يقول فيه مولاك سبحانه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) [الإسراء: 79].

 

 قال اهل التفسير: "أمر له بقيام الليل بعد المكتوبة، كما ورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سُئل: أيّ الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: "صلاة الليل". ولهذا أمر –تعالى- رسوله بعد المكتوبات بقيام الليل، فإن التهجد: ما كان بعد نوم. قاله علقمة، والأسود وإبراهيم النخعي، وغير واحد وهو المعروف في لغة العرب. وكذلك ثبتت الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان يتهجد بعد نومه".

 

أيها الصائم العابد وأيتها الصائمة العابدة: أما التجلي الإيماني الثاني فيناديك قائلاً لك:  لا يفوتك الاستغفار وكنْ من عباد الله الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَار، كن من أهل هذه الآية عالية الشأن رفيعة المعنى، التي يقول فيها ربك الجليل سبحانه: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) [آل عمران: 17].

 

وهذه الآية الكريمة دلت على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار. وقد قيل: إن يعقوب -عليه السلام-، لما قال لبنيه: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) [يوسف: 98]، أنه أخرهم إلى وقت السحر.

 

وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل، ثم يقول: يا نافع، هل جاء السَّحَر؟ فإذا قال: نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح. (رواه ابن أبي حاتم).

 

وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبي، عن حُرَيْث بن أبي مطر، عن إبراهيم بن حاطب، عن أبيه قال: سمعت رجلاً في السَّحَر في ناحية المسجد وهو يقول: "ربّ أمرتني فأطعتك، وهذا سحر، فاغفر لي"، فنظرت فإذا ابن مسعود -رضي الله عنه-.

 

وروى ابن مَرْدُويه عن أنس بن مالك قال: "كنا نُؤمَر إذا صلينا من الليل أنْ نستغفر في آخر السحر سبعين مرة".

 

 نعم أيها العابد وأيتها العابدة: استغفر واستغفر واستغفر من قلبك بكل خشوع وصدق وطلب وإلحاح فكم نحن بحاجة إلى مغفرة الله لنا سبحانه!

 

أيها الصائم العابد وأيتها الصائمة العابدة: وأما التجلي الإيماني الثالث فيناديك قائلاً لك:  

قم بتلك العبادة المحبوبة إلى الله تعالى، تلك العبادة التي يرتضيها ربك منك ويحبك من أجلها، إنها عبادة الدعاء، تلك العبادة التي جعل الله لها خصوصية وقت السحر، فمن يدعو ربه وقت السحر ليس كمن يدعوه خارج وقت السحر.

 

للدعاء وقت السحر تجلياته الربانية التي لا تكون في غيره من الأوقات، فيا خسارة من فاتته تلك التجليات، ويا خسارة من مر عليه وقت السحر ولم يدع فيه ربه سبحانه.

 

استمع معي إلى هدي نبيك وقدوتك -صلى الله عليه وسلم- ماذا يقول في حديث من أخشع وأنفس الأحاديث الإيمانية، حيث يقول فيه -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد  والسنن، من غير وجهٍ، عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينزلُ الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سمَِاءِ الدُّنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِر، فيقولُ: هَلْ مِنْ سَائل فأعْطِيَه؟ هَلْ مِنْ دَاع فَأسْتجيبَ له؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِر فأغْفِرَ لَهُ؟".

 

فماذا تريد من خير من ربك الكريم أكثر من ذلك، ارفع يديك وقل يا ربّ يا مولاي أنا الداعي، وادع ربك الرحمن الرحيم لنفسك ولأهلك ولوالدين بالرحمة والعافية والنجاة، ارفع يديك وقل: يا ربّ يا مولاي أنا السائل، ثم اسأل الله حاجاتك وما شئت من خير الدنيا والآخرة، لك ولأهلك، ولا تنس الدعاء للمجاهدين وللمستضعفين وللمظلومين من أبناء الإسلام والمسلمين فهذا من إيمانك وحسن عقيدتك.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما أنت أيتها الأم الجليلة والأخت العزيزة والزوجة الكريمة والبنت الغالية، فرغم انشغالك بتجهيز السحور -وإن شاء الله لك كل الأجر على ذلك إن أخلصت نيتك-، إياك ثم إياك أن تغفلي عن تجليات وقت السحور، بل تهجدي ولو بالقليل واستغفري وادعي واسألي ربك.

 

وانتبه أنت أيها الوالد والزوج والأخ إلى أهلك فلا تدعهم ينشغلون فقط بتجهيز الطعام وتناوله فقط، بل ذكرهم بالتهجد والدعاء والاستغفار.

 

 

 

المرفقات
ثلاثة تجليات إيمانية للصائمين وقت السحر.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life