عناصر الخطبة
1/نعمة الزواج 2/حث الإسلام على الزواج 3/ من مصالح الزواج وفوائده 4/أبرز معوقات الزواج 5/ تسهيل أمر الزواج وتيسيره.اقتباس
إن صداق المرأة أمر مطلوب شرعًا... ولكن لا ينبغي المغالاة التي تكون عقبة في طريق الزواج وتيسيره. وإن سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تيسير أمر الزواج، وعدم المبالغة فيه، فكانت مهور زوجاته وبناته -صلى الله عليه وسلم- في غاية التواضع واليسر والسهولة...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله رب العالمين؛ إله الأولين والآخرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزات:70]،
عباد الله: إن مِن نِعَم الله -عز وجل- على عباده أن خلق لهم من أنفسهم أزواجًا، ليحصل بهم السكن والطمأنينة والمودة والعطف والرحمة والمحبة والألفة؛ قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
شرع الله لنا النكاح وحثّ على ذلك؛ فقال -تعالى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32]، وقال -تعالى-: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)[النساء: 3].
وحثَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- على الزواج، ورغَّب فيه، ودعا الشباب إلى ذلك؛ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
ولذلك فقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على مَن امتنع عن الزواج وانقطع للعبادة، وذكَر أن الزواج من سُنته -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".
وذلك لما في الزواج من مصالح وفوائد منها: العفاف والتحصين وغضّ البصر عما حرم الله، وحصول الأنس والاستقرار، وطلب الذرية، وغيرها من المصالح الشرعية والحياتية.
عباد الله: مع كل هذه المصالح من الزواج والحث عليه إلا أن هناك من المعوقات في طريق زواج البنين والبنات؛ لعلنا نذكر شيئاً منها، وكيف نتغلب عليها؛ من أجل تيسير وتسهيل أمور الزواج، منها:
أولاً: عزوف البعض عن الزواج وتأخيره من الذكور والإناث بحجة إكمال الدراسة أو الحصول على الوظيفة، أو عدم الرغبة في الارتباط المبكر، وتحمل المسؤولية والإنفاق وتربية الأولاد، وغيرها من الأسباب، وهؤلاء فوَّتوا على أنفسهم مصالح كثيرة بسبب تأخرهم عن الزواج، وقد تكفَّل الله -جل وعلا- بأرزاق العباد وإعانتهم، إذا أخذوا بالأسباب التي تُعينهم على ذلك.
قال -تعالى-: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ".
ثانياً: من العقبات في زماننا هذا: غلاء المهور وتكاليف الزواج، مما جعل الزواج أمرًا شاقًّا ولا يُطاق بسبب تلك التكاليف الباهظة.
أيها المسلمون: إن صداق المرأة أمر مطلوب شرعًا، قال -تعالى-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)[النساء: 4]، ولكن لا ينبغي المغالاة التي تكون عقبة في طريق الزواج وتيسيره.
وإن سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تيسير أمر الزواج، وعدم المبالغة فيه، فكانت مهور زوجاته وبناته -صلى الله عليه وسلم- في غاية التواضع واليسر والسهولة.
عن أبي العَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ قال: خَطَبَنَا عمر -رحمه الله-، فقال: "ألا لا تُغَالُوا بِصُدُقِ النساء؛ فإنها لو كانت مَكْرُمَةً في الدنيا، أو تقوى عند الله؛ لكان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-! ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةً من نسائه، ولا أُصْدِقَت امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً".
وقد زوَّج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً بما معه من القرآن، وقال لآخر: "التمس ولو خاتمًا من حديد"؛ فالمقصود من ذلك كله التيسير والتسهيل وضبط الأمور وعدم الإسراف والتبذير والمغالاة والزيادة في تكاليف الزواج.
ثالثًا: ومِن المعوقات: عضل المرأة وذلك بمنعها من الزواج بالكفء إذا طلبها، ورغب كلُّ واحد منهما في الآخر، أو الحجر عليهن ظلمًا وعدوانًا، وقد قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].
إن من العدل والرحمة أن يقوم وليّ أمر المرأة بما يراه من مصلحة مَن ولَّاه الله أمرها، وقد أعطى الإسلام المرأة المكانة في اتخاذ قرار الزواج؛ قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: "أَنْ تَسْكُتَ".
وقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ".
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسَلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى؛ يقول الله -تبارك وتعالى- آمرًا عباده بالتعاون على البر والتقوى؛ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2]؛ وإن من التعاون على البر والتقوى أن يجتمع الناس ويتعاونوا على تسهيل أمر الزواج وتيسيره، وحل كل العقبات عن طريقه؛ لما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية؛ حيث يصبح المجتمع والفرد نقيًّا طاهرًا مُصانَ العرض نظيفًا، وفي ذلك استجابة لأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
إنني أدعوكم -عباد الله- من على هذا المنبر أن تكونوا عونًا لكل مَن أراد النكاح والزواج والعفاف، فاتقوا الله عباد الله، وكونوا دعاة خير وبركة ومفاتيح خير وسعادة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
عباد الله: صلوا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات