تفسير قوله -تعالى- (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)

إسماعيل القاسم

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/نصرة الله لعباده الصالحين 2/وعد الله بنصرة المؤمنين 3/أسباب نصرة الله لعباده 4/من وسائل وأحوال نصر الله لعباده.

اقتباس

وقد يكون هناك قتل وجراحات لأوليائه ولكن الله -سبحانه- لطف بهم، كما حصل في أُحدٍ حيث قُتِل من الصحابة سبعون، وكان هدفُ المشركين استئصالَ حزبِ الرحمن، خاصةً بعد مقتل صناديدِ قريشٍ في بدر، ولله في حُكْمه وتدبيره لخلقه شؤون.

الخطبة الأولى:

 

القارئ للتأريخ يجد أن الأيام تحمل في طياتها منحًا ومحنًا، وآمالاً وآلامًا، وأن كل ما يحصل لأوليائه من شدةٍ وبلاءٍ، وكرب وعناء، فالله لطيف في قَدَرِه، حكيم في تدبيره، حيث قال وهو أصدق القائلين: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[الحَجّ: 38]، وقد نزلت هذه الآية في الصحابة -رضي الله عنهم- يوم أن كانوا في مكة مستضعفين، وكانت قريش تؤذيهم، فوعدهم الله أنه يدافع عنهم شرهم وأذاهم.

 

قال الزمخشري -رحمه الله- في قوله: (يُدَافِعُ): أي: "يبالغ في الدفع عنهم"، وهي كرامة من الله لأوليائه، وبشارةٌ وتقويةٌ لعزائمهم.

 

وفي ذلك قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار، وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم، وينصرهم، كما قال -تعالى-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)[الزُّمَر: 36]"، وهذه المدافعة بحسب إيمان العبد بمولاه؛ لأن أولياء الله لهم النصيب الأكبر في الدفاع عنهم، قال الله -سبحانه- في الحديث القدسي: "مَن عادَى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب".

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فهو -تبارك وتعالى- يدافع عن الذين آمنوا حيث كانوا، فالله هو الدافع، والسبب هو الإيمان". وقال قتادة -رحمه الله-: "والله -سبحانه- لن يضيع رجلاً قطُّ حفظ له دينه".

 

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله، ومادةُ الإيمان وقوتُه بذكر الله -تعالى-، فمن كان أكمل إيمانًا وأكثر ذكرًا كان دفعُ الله -تعالى- عنه ودفاعُه أعظم، ومتى نقص نقص، ذِكرًا بذكر، ونسيانًا بنسيان".

 

والأحداث التي مرت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة، أو في الغار، أو طريق الهجرة، أو في غزواته، تبين حفظَ الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- رغم الأهوال والأخطار.

 

ثم قال -سبحانه- في الآية: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[الحَجّ: 38]، فذكر -سبحانه- صِفَتين: هما الخيانة، والكفر، وهما قبيحتان، فالخوان: هو الخائن في أمانة الله، وهي أوامره ونواهيه، والكفور: الجاحد لنعم الله، فلا يعترف بها.

 

بعدها نزلت أولُ آية بعد الهجرة في محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[الحَجّ: 39]: "هو قادر على نَصْر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته".

 

وكانت جريرة هؤلاء الأولياء المستضعفين، أنهم أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن قالوا ربنا الله، فما كان إلى قومهم إساءة وأذى، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له.

 

فمن حكمة الله بخلقه أنه -سبحانه- قال: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)[الحَجّ: 40]، قال الزجاج -رحمه الله-: "أي: لولا أن الله دفع بعض الناس ببعض لهُدِّم في كل شريعةِ نبيٍّ المكانُ الذي يصلى فيه، فكان لولا الدفع لهُدِم في زمن موسى الكنائسُ التي كان يصلى فيها في شريعته، وفي زمن عيسى الصوامعُ والبِيَع، وفي زمن محمد المساجد".

 

ثم قال -سبحانه-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)[الحَجّ: 40]، أي: أن الله قوي غالب، فمن أراد نصرته نصره، ولو اجتمع عليه أقطار الدنيا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وعد الله بنصر من ينصره، ونصره هو نصر كتابه ودينه ورسوله".

 

بعدها ختم الله الآية بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحَجّ: 74]، قال ابن عاشور -رحمه الله-: "كان نصرهم مضمونًا، لأن ناصرهم قدير على ذلك بالقوة والعزة".

 

وقد أنجز الله -سبحانه- وعده فسلّط المهاجرين والأنصارَ على صناديدِ قريش، وأكاسرةِ العجم وقياصرتهم، وأورثهم أرضهم وديارهم، كما قال -سبحانه-: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الرُّوم: 47]، و(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)[غَافر: 51].

 

فاللهم انصر عبادك المؤمنين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن معركةَ الحق والباطل دائمةٌ منذ بزوغِ فجرِ الرسالة، والله -سبحانه- ينصر أولياءه بِعُدَّتهم ولو كانت قليلة، قال -سبحانه-: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)[البَقَرَة: 249].

 

وقد ينصر أولياءه بدون قتال، كما حصل في الأحزاب وغيرها قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)[الأحزَاب: 9].

 

وقد يُلقي الله الرعب والهلع والجزع في قلوب أعداء أولياءه، كما حصل ليهود بني النضير، قال -سبحانه- في وصفهم (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)[الحَشر: 2].

 

وقد يكون هناك قتل وجراحات لأوليائه ولكن الله -سبحانه- لطف بهم، كما حصل في أُحدٍ حيث قُتِل من الصحابة سبعون، وكان هدفُ المشركين استئصالَ حزبِ الرحمن، خاصةً بعد مقتل صناديدِ قريشٍ في بدر، ولله في حُكْمه وتدبيره لخلقه شؤون.

 

فاللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

 

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات
VCrBcDnE9cHY8PiEqTjJ3TxwLuu4L8nLdXcAnWlH.doc
tGlh7oNnvDsPSnqPKf6FjDGNyRzy1C8r5MoZIuT2.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life